المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صناعة الشخصية بالحوار و الإنفتاح



شاهزنان
12-21-2003, 06:22 PM
نص المحاضرة التي ألقاها سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله في حفل إفطار اللجنة النسائية في جمعية المبرات الخيرية بتاريخ 9 رمضان 1423هـ الموافق 14-11-2002م ، وقد جاء فيها:

شهر الطمأنينة

ربما يحتاج الإنسان في هذا الشهر السياسي والثقافي اللاهب إلى شيء من نسمات الروح تعطينا الإحساس بالطمأنينة والسكينة العقلية الروحية، لأن بعض مشاكلنا هي أننا مجتمع القلق ومجتمع الحيرة التي تمزق العقل فيغدو مزقاً متناثرة لا يملك أن يجمع نفسه عند الحقيقة وتمزق القلب فيحار بين حقد قد تنفذ بعض المحبة إليه ومحبة تستهلك كل الحقد.

ربما نحتاج إلى شيء من هذا الهدوء، الهدوء في العقل وفي القلب وفي الحياة، لأن الضجيج الذي ينفذ إلى داخل هذا الكيان يمنعه من أن يكون موضوعياً في الفكر، لأن الضجيج الذي يتحرك من هنا وهناك في الفكر الذي يعيش في السطح يمنع العمق من أن ينفذ إلى عمق القضية. ولأن كل هذه الواقع الذي تنتج فيه العصبيات، الحقد في العائلة والحقد في المحلة، والحقد في البلد وفي الوطن وفي الأمة حتى نشعر أننا نعيش في مجتمع أو في عالم ينتج الحقد، نشعر بضجيج الحقد في قلوبنا حتى لا يسمح لأية نافذة للمحبة تنفذ إليه.

الحقد المقدّس!

لقد تطرفنا في الحقد حتى جعلنا الحقد مقدساً ولا أدري كيف يكون الحقد مقدساً وهو يلغي إنسانية الإنسان ومعناه لأن إنسانية الإنسان في الحب، حب الله الذي يقول لك أحب الإنسان، والذي يقول لك إذا كنت تحب ذاتك، ومن حقك أن تحب ذاتك فإن حبك لذاتك يعني أن تحب الإنسان من حولك وأن تكون إنسانيتك في إنسانية الآخر، لأن الذي يحبس ذاته في ذاته يقتل ذاته.

بمقدار ما ننفذ إلى الآخرين لنحبهم ولنحاورهم بمقدار ما نغتني بالآخرين. أما المتعصب فيبقى جاهلاً، لأن المتعصب يلغي تفكيره في أي اتجاه آخر، ولأن المتعصب يلغي حواره مع أي موقع آخر، ولذلك يبقى المتعصب في حالة جهل يسيطر على كل كيانه حتى لو كان يحمل أعلى الشهادات الجامعية لأن الشهادة ليست ورقة يأخذها الإنسان من قاعة الامتحان ولكن الشهادة عقل ينضج والشهادة حركة تبدع وتعطي وتنتج. ليست المسألة عندما يدرس الإنسان في الجامعة ليست المسألة أن يضيف إلى مكتبته مكتبة في عقله ولكن أن يضيف إلى عقله عقلاً جديداً حياً حيوياً متحركاً حرّاً يحلق في الأعالي ليكتشف منها كل يوم شيئاً يرفع مستوى الأمة ويرفع مستوى الحياة.

الانتماء بين الوراثة والصناعة

قد نكون بحاجة إلى أن ننفذ إلى أنفسنا لنفهمها لسبب بسيط، وهو أننا لم نختر أنفسنا ... من منّا الذي اختار نفسه، من الذي صنع لنا عقولنا؟، أمهاتنا؟، آباؤنا؟، البيئة التي عشنا فيها؟ العصبيات التي كانت تأكلنا ونأكلها؟ نحن لم نختبر أنفسنا، ليدرس كل واحد منا رجل كان أو امرأة ليدرس نفسه لماذا يحب من يحب؟ لأن أهله كانوا يحبونه؟، لماذا يبغض من يبغض؟ لأن أهله كانوا يبغضونه ودرجنا ولأن العائلة كانت تبغض! لأن الحزب كان يبغض! لأن الطائفة كانت تبغض أو تحبّ حتى حبنا لم نختبره.

نحن إذا اخترنا بعض الحب لم نختر طريقة الحب، لم نبدع كيف نحب ولم ننتج عناصر الحب كما لم ننتج عناصر البغض لذلك قد نحتاج أن نعيد النظر حتى في مشاعرنا، ولنؤسس مشاعرنا لنؤصل مشاعرنا لنجعل منها شيئاً إنسانياً.

نحن نملك انتماءات مختلفة، فهذا مسلم وهذا شيعي وسني في داخل الإسلام وهذا مسيحي وهذا ماروني أو أرثوذكسي أو كاثوليكي أو ما أشبه ذلك، لكن قولوا لي، وأتحدث عن ظاهرة، من منا يفهم انتماءه؟... ولدنا مسلمين فصرنا مسلمين وولدنا مسيحيين فصرنا مسيحيين ثم ولدنا ماركسيين لأن آباءنا ذلك، اشتراكيين لأن آباءنا ذلك، فصرنا الأمة التي نرث انتماءاتها ولا تصنعها.

نحن لا نريد إلغاء ما نرثه ولكن علينا أن نفهم ما نرثه، علينا أن نختاره، أن نناقشه لأن كثيراً مما ورثناه قد تتداخل فيه الخرافة مع الحقيقة، من أين جاءت لنا كل الخرافات التي حدقت بالأديان؟ جاءتنا لأن الأديان ليست صنع فكر عندنا ولكنها وراثة {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم} {أولو كان آباؤكم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون}.

أنسنة الوطن

لذلك عندما نعيش إسلامنا ومسيحيتنا لا نعيشها فكراً يحاور فكراً، جمدنا الإسلام وجمدنا المسيحية وانطلقنا من أجل أن نتنازع طائفياً هنا وطائفياً هناك وحولنا الإسلام إلى علبة طائفية والمسيحية إلى علبة طائفية ثم أغلقنا العلبة وأضعنا المفتاح وبقيت علبة تواجه علبة لا عقل يواجه عقل.

نحن إذا أردنا أن نصنع لوطننا، لأمتنا، مستقبلاً فعلينا أن نؤنسن الوطن أن نؤنسن إنسانيتنا في داخلنا، أن يكون الإنسان نفسه لا أن يكون الإنسان غيره. مشكلتنا أننا تعلمنا أن نكون الصدى وتركنا الصوت للآخرين، تعلمنا أن نكون الظل وتركنا كل مواقع الظلال للآخرين.

الفعل وردّ الفعل

أن نكون الصوت الذي يحمل الفكرة، الصوت الذي يحرك الواقع، الصوت الذي يتحدى، الصوت الذي يواجه التحدي، أن لا نكون الصدى للآخرين، يفرضون علينا الفكرة ونأخذها ونحملها دون أن نناقشها. هم يفرضون علينا مصطلحاتهم لأننا لا ننتج المصطلحات. أنتجوا لنا النظام العالمي الجديد ودرجنا نفكر فيما هو النظام العالمي الجديد، وطرحوا لنا العولمة وبدأنا نفكر فيما هي العولمة، وطرحوا لنا الإرهاب وبدأنا نتناقش في شكل الإرهاب، ويطرحون ونشغل أنفسنا في ما يطرحون، لكن من منا يملك شجاعة أن يطرح على العالم مفهوماً جديداً، وفكراً جديداً. لماذا نحبس أنفسنا في زاوية يقتحمنا الآخرون عليها ولا نحاول أن نكون أفقاً رحباً ينطلق للعالم ليكون لنا أدب عالمي وفلسفة عالمية وتشريع عالمي؟ هل نحن بعيدون عن إنتاج الحياة من حولنا؟ لكنهم علّمونا أننا مجتمع التخلف وفرضوا علينا حرّاس التخلف وحرّاس كل الجهل وحرّاس كل العنف الذي هو ضد الآخر، والذي يأكلنا من الداخل. فرضوا علينا ملوكاً وأمراء ورؤساء لو حدقت في كل واحد منهم لرأيت الجهل كله والتخلف كله ولرأيت العبودية للآخرين، ولكنهم يعيشون كل الطاووسية أمامنا نحن الذين أردنا أن نكون العصافير الصغيرة.

إننا بحاجة إلى أن نعيد النظر في هذا الإنسان الذي هو نحن، أن نعيد النظر لننتجه من جديد لنؤصله من جديد. هناك آية قرآنية تقول عن موقف الإنسان غداً أمام الله " يومَ تأتي كلُّ نفسٍ تُجادِلُ عن نفسِها" أنت تدافع عن نفسك، تدافع عن فكرك كيف اخترته تدافع عن انتمائك كيف انتميت إليه إذا كنت لا تفهم فكرك ولا تفهم موفقك ولا تفهم انتماءك فكيف تُجادل عن نفسك أمام ربّ العزّة يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا مَنْ أتى الله بقلبٍ سليم.

لذلك حتى بالنظرة الأخروية الروحية نحتاج إلى أن نفهم مَنْ نحن حتى نعرف كيف نتولى الدفاع عن كل مَنْ هو " النحن ".

نحن والآخر

نحن مجتمع عدم الاعتراف بالآخر ولذلك هذا العنف، عنف الفكر ضدّ مَنْ يحمل فكراً آخر، عنف الدين ضدّ مَنْ يحمل ديناً آخر، عنف الموقف ضدّ مَنْ يحمل موقفاً آخر .. إنّنا لا نعترف بالآخر، ولأنّنا لا نعترف بالآخر لم نستطع أن نكون مجتمعاً يلتقي فيه الناس على التنوّع ويلتقي فيه الناس على الفكر المتنوّع والموقف المتنوّع ليكون الحوار القاعدة التي تتحرّك فيها الحقيقة، لأنّنا لم نعترف بالآخر .. انطلقت مسيرتنا في هذا الاتجاه، الأب لا يعترف بأسرته أن يكون لها موقف يختلف عن موقفه، الرجل لا يعترف بالمرأة أن تكون شريكة له تفكّر معه وتقف الموقف الذي قد يختلف معه.

إنّ هذا التمييز العنصري للرجل ضدّ المرأة ينطلق من قاعدة عدم الاعتراف بالآخر. الرجل لا يعترف بأنّ للمرأة عقلاً يفكّر، وأنّ لها قلباً يمكن أن يأخذ استقلاله بالحبّ، وأنّ لها ثقافة يمكن أن تنتج فكراً، وأنّ لها موقفاً يمكن أن تؤصله في حياتها، ولذلك عدم الاعتراف بالآخر وإنكار الآخر تحوّل إلى ظلم للآخر.

لقد درجت المسألة أن الحاكم لا يعترف بشعبه، والمسؤولين الكبار لا يعترفون بالصغار. وتنطلق المسألة، فالمسيحيون لا يعترفون بالمسلمين، والمسلمون لا يعترفون بالمسيحيين، والشيعة لا يعترفون بالسنّة، والسنّة لا يعترفون بالشيعة، وكل شخص يبقى في موقفه وليس مستعدّاً أن يتقدّم نحو الآخر، لأنّه يريد أن يأتي الآخر معه .. أما منتصف الطريق فإنّه أمر لا يفكّر فيه لا هذا ولا ذاك.

شبكة الناصرة
12-21-2003, 06:38 PM
مشكورة اختي على الموضوع الرائع سلمت يداك

شاهزنان
12-21-2003, 07:31 PM
العفو ...شكرا على المرور شبكة الناصرة

لؤلؤة البحر
12-21-2003, 08:22 PM
تسلمين خيتو على هالموضوع الرائع ..


فــ ـروته.

شجن
12-23-2003, 07:52 PM
مشكورة شاهزنان على الموضوع الأكثر من رائع

والله يعطيك العافية

abu noura
02-14-2005, 03:02 PM
شاهزنان

بارك الله فيك على المجهود الجميل ولا حرمنا وياك بحق لا اله الا الله وبحق محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم

تحياتي


ابو نوره

القلب المرح
02-14-2005, 07:08 PM
مشكورة اختي
على طرح الموضوع
ولا احرنا الله من مواضيعك المفيده
وتحياتي ..

ahmed
02-21-2005, 07:48 PM
مشكورة على الموضوع الرائع سلمت يداك