المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ياسمين



حباً والف كرامة
06-26-2005, 03:30 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنقل لكم قصة واقعية حدثت منذ فترة في المملكة العربية السعودية وقد أخذت موافقة كاتبها لنشرها ..

.: نــــبـــــــدأ :.

كان ذلك في يوم من أيام صيف 1996 في مدينة الدمام في المملكة العربية السعودية وبالتحديد في فندق الأوبري الضخم حيث كنت على موعد مع صديق لشرب القهوة العربية بعد صلاة العصر .. وصلت إلى الفندق وتحديداً إلى قاعة المقهى المكيف الجميل ذي الديكورات الخلابة وذلك قبل الموعد بساعة ..

دخلت المقهى ولم أكن اعرف اين اجلس أو أنتظر إلا أن جمال المكان شدني للتجوال في انحاءه لرؤية كل زاوية فيه ، وبالفعل تنقلت بين روعة الفن والديكور والأعمال الخشبية والزجاجية الجميلة حتى وصلت إلى زاوية في آخر المقهى حيث وضع اثاث جميل وهادئ الالوان .. وإضاءة خفيفة جداً ولا يرى الانسان هناك إلا صفحة الوجه .. شدني ذلك الديكور الرائع .. وتقدمتُ قليلاً وبهدوء شديد إلى الجالس على تلك الأريكة فقط لكي أهنئه على حسن اختياره لتلك الزاوية .. ولكنني رأيت رجلاً في الخمسينات نحيف الوجه .. قد خط فيه الزمن خطوطه .. وعيناه غائرتان ومليئتان بدمعتين من الحجم الكبير جداً .. وكان يجاهد لكي يمنعهما من التدحرج على خديه ..

تقدمت إليه فرأيته غارقاً في فكر بعيدٍ جداً يخترق بنظرته الخمسينية ما وراء الفندق والدمام والكرة الأرضية كلها .. فقلت له : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. فنظر إلي نظرة استغراب لأنه لا يعرفني ولا أعرفه ..

وقال : وعليكم السلام .. وسكت

فقلتُ له : هل يمكنني الجلوس علىالأريكة المقابلة أم أنها محجوزة ؟!.

فقال كالمنزعج لانقطاع حبل أفكاره : لا .. نعم .. تفضل .. تفضل ..

فعرفت من طريقة كلامه بإنه من أهل الشام وبالتحديد من لبنان .. فجلست وأنا ساكت .. ولكن كيف للثرثار بأن يجلس دون تعذيب لسانه ..

فقلتُ : عفواً .. ولكن لماذا تعذب عينيك وتمنع دمعتيك من التدحرج على خدك .. لو كنت مكانك لأرحت عيني من تحمل حرارة الدمع الحزينة وأرسلتها على خدي ..

فما إن سمع كلامي حتى تدحرجت الدموع على خديه وسلكت التقاطيع الكثيرة في وجهه ولكنه لم يمسحها بمنديل ..

قلت : لابد أنك تذكرت أناس أعزاء عليك !!

قال : وما يدريك؟!

قلت : أرى معزتهم في عينيك ومحياك ..

قال : نعم أعزاء جداً جداً ..

قلت : ومتى ستلتقيهم ؟.

قال : والله أتمنى في كل لحظةٍ السفر إليهم ولكن المسافة بعيدة جداً جداً ..

قلت : وأين سُكانهم؟.

قال : آخر لقائي بها كان في أمريكا قبل ثلاث سنوات ولكننا افترقنا فلم نكن نلتقي إلا في المنام أو الأحلام .

قلت : أيها العاشق ، أخبرني بقصة عشقك إن لم يكن في ذلك تدخلّ شخصي في حياتك ..

قال وبابتسامةٍ صغيرة : لا أبداً .. ليس هناك بيني وبين ياسمين أية أسرار بل وستكون سعيدة حسب ظني بها لو أنني قصصت عليك قصة حبنا الكبير .. ولكن دعني أصحح لك معلومة صغيرة وهي إن ياسمين هي ابنتي التيكانت تبلغ من العمر عشر سنوات ..

ففوجئت بالمعلومة .. ثم استطرد قائلاً :

هل تحب أن تسمع قصة حبنا الكبير ؟!

قلت متحمساً : نعم وبكل شوق ..

قال : عشت في الدمام عشر سنين ورزقت بابنةٍ واحدة أسميتها ياسمين ، وكان قد ولد لي من قبل ابن واحد أسميته أحمد وكان يكبرها بثمان سنين وكنت أعمل هنا في مهمة هندسية .. فأنا مهندسّ وحائز على درجة الدكتوراة ..

كانت ياسمين آية من الجمال لها وجه نوراني وملائكي زاهر .. ومع بلوغها التسع سنوات رأيتها من تلقاء نفسها تلبس احجاب وتصلي وتواظب على قراءة القرآن بصورة مُلفتةٍ للنظر .. فكانت ما إن تنتهي من أداء واجباتها المدرسية حتى تقوم على الفور وتفترش سجادة صلاتها الصغيرة وتأخذ بقرآنها وهي ترتله ترتيلاً طفولياً ساحراً .. كنت أقول لها قومي إلعبي مع صديقاتك فكانت تقول : صديقي هو قرآني وصديقي هو ربي ونعم الصديق .. ثم تواصل قراءة القرآن ..

وذات يوم اشتكت من ألم في بطنها عند النوم .. فأخذتها الى المستوصف القريب فأعطاها بعض المسكنات فتهدأ ألامها ليومين .. ثم تعاودها .. وهكذا تكررت الحالة .. ولم أعطِ الأمر حينها أي جدية ..

وشاءت الأقدار أن تفتح الشركة التي أعمل بها فرعاً في الولايات المتحدة الأمريكية .. وعرضوا علي منصب المدير العام هناك فوافقت .. ولم ينقضي شهر واحد حتى كنا في أحضان أمريكا مع زوجتي وأحمد وياسمين .. ولا أستطيع وصف سعادتنا بتلك الفرصة الذهبية والسفر للعيش في أمريكا هذا البلد العملاق الذي يحلم بالسفر إليه كل إنسان ..

بعد مضي قرابة الشهرين على وصولنا إلى أمريكا عاودت الآلام ياسمين فأخذتها إلى دكتور باطني متخصص .. فقام بفحصها وقال : ستظهر النتائج بعد أسبوع ولا داعي للقلق .. أدخل كلام الطبيب الإطمئنان إلى قلبي .. وسرعان ما حجزت لنا مقاعد على أقرب رحلة إلى مدينة الألعاب " أورلاندو " وقضينا وقتاً ممتعاً مع ياسمين .. بين الألعاب والتنزه هنا وهناك .. وبينما نحن في متعةِ المرح .. رن صوت هاتفي النقال .. فوقع قلبي .. لا أحد ي أمريكا يعرف رقمي .. عجباً أكيد الرقم خطأ فترددت في الإجابة .. وأخيراً ضغطت على زر الإجابة ..

آلو .. من المتحدث؟؟

أهلاً يا حضرة المهندس .. معذرة على الإزعاج فأنا الدكتور ستيفن .. طبيب ياسمين هل يمكنني لقائك في عيادتي غداً ؟.

وهل هناك ما يقلق في النتائج؟!

في الواقع نعم .. لذا أود رؤية ياسمين .. وطرح عدد من الأسئلة قبل التشخسص النهائي ..

حسناً سنكون عصر غدٍ عند الساعة الخامسة في عيادتك إلى اللقاء ..

اختلطت المخاوف والأفكار في رأسي .. ولم أدرِ كيف أتصرف فقد بقي في برنامج الرحلة يومان وياسمين في قمة السعادة لأنها المرة الأولى التي تخرج فيها للتنزه منذ وصولنا إلى أمركيا ..

وأخيراً أخبرتهم بأن الشركة تريد حضوري غداً إلى العمل لطارئٍ ما .. وهي فرصة جيدة لمتابعة تحاليل ياسمين فواقوا جميعاً على العودة بشرط أن نرجع إلى أورلاندو في العطلة الصيفية ..

وفي العيادة استهل الدكتور ستيفن حديثه لياسمين بقوله :

مرحباً ياسمين كيف حالك؟

جيدة ولله الحمد .. ولكني أحس بآلام وضعف ، لا أدري مم ؟.

وبدأ الدكتور يطرح الأسئئلة الكثيرة .. وأخيراً طأطأ رأسه وقال لي :

تفضل في الغرفة الأخرى ..

وفي الحجرة أنزل الدكتور على رأسي صاعقة .. تمنيت عندها لو أن الأرض انشقت وبلعتني .. قال الدكتور :

منذ متى وياسمين تعاني من المرض؟.

قلت : منذ سنة تقريباً وكنا نستعمل المهدئات وتتعافى ..

فقال الطبيب : ولكن مرضها لا يتعافي بالمهدئات .. إنها مصابة بسرطان في الدم وفي مراحله الأخيرة جداً .. ولم يبقى لها من العمر إلا ستى أشهر .. وقبل مجيئكم تم عرض التحاليل على أعضاء لجنة مرضى السرطان في المنطقة وقد أقروا جميعاً بذلك من واقع التحاليل ..

فلم أتمالك نفسي وانخرطت في البكاء وقلت : مسكينة .. والله مسكينة هذه الوردة الجميلة .. كيف ستموت وترحل عن هذه الدنيا .. وسمعت زوجتي صوت بكائي فدخلت ولما علمت أغمي عليها .. وهنا دخلت ياسمين وابني أحمد وعندما علم أحمد بالخبر احتضن أخته وقال : مستحيل أن تموت ياسمين .. فقالت ياسمين ببرائتها المعهودة : أموت .. يعني ماذا أموت؟.

فتلعثم الجميع من هذا السؤال .. فقال الطبيب : يعني سترحلين إلى الله ..

فقالت ياسمين : حقاً سأرحل إلى الله ؟!.. وهل هو سيئ الرحيل إلى الله ألم تعلماني يا والدي بأن الله أفضل من الوالدين والناس وكل الدنيا .. وهل رحيلي إلى الله يجعلك باكياً يا أبي ويجعل أمي يُغمى عليها ..

فوقع كلامها البريء الشفاف علينا كمثل صاعقةٍ أخرى فياسمين ترى في الموت رحلة شيقة فيها لقاء مع الحبيب .. فهي دوماً كانت تسأل متى سأرى الله ؟. وكنا نقول لها : بأن الله لا يُرى وإنما يُرى نور الله .. فقالت : آمنا بالله ولكن هل سأرى رسول الله محمد (ص) وعلياً وفاطمة والأئمة (ع) وجبرئيل وميكائيل والملائكة جلوساً عند الله .. فكنا نقول : إن شاء الله سترينهم جميعاً ولكن عليكِ الآن أن تبدأي العلاج .. فقالت إذا كان لابد لي من الموت فلماذا العلاج والدواء والمصاريف ..

نعم يا ياسمين .. نحن الأصحاء أيضاً سنموت فهل يعني ذلك بأن نمتنع عن الأكل والعلاج والسفر والنوم وبناء المستقبل .. فلو فعلنا ذلك لتهدمت الحياة ولم يبقى على وجه الأرض كائن حي ..

الطبيب : تعلمين يا ياسمين بأن في جسد كل غنسان أجهزة والات كثيرة هل كلها أمانات من الله أعطانا إياها لنعتني بها .. فأنتِ مثلاً .. إذا أعطتكِ صديقتكِ لعبة .. هل ستقومين بتكسيرها أم ستعتنين بها ؟.

ياسمين : بل سأعتني بها وأحافظ عليها ..

الطبيب : كذلك هو الحال لجهازك الهضمي والعصبي والقلب والمعدة والعينين والأذنين كلها أجهزة ينبغي عليك الاهتمام بها وصيانتها من التلف .. والأدوية والمواد الكيميائية التي سنقوم بإعطائك اياها إنما لها هدفان .. الأول تخفيف آلام المرض والثاني المحافظة قدر الإمكان على أجهزتك الداخلية من التلف حتى عندما تلتقين بربك وخالقكِ تقولين له لقد حافظت على الأمانات التي جعلتني مسؤلى عنها .. ها أنا أعيدها لك إلا ما تلف من غير قصدٍ مني ..

ياسمين : إذا كان الأمر كذلك فأنا مستعدة لأخذ العلاج حتى لا أقف أمام الله كوقوفي أمام صديقتي إذا أنا كسرت لعبها وحاجياتها ..

مضت الستة أشهر ثقيلة وحزينة بالنسبة كأسرة ستفقد ابنتها المدللة والمحبوبة .. عكس ذلك كان بالنسبة لابنتي ياسمين فكان كل يوم يمر يزيدها إشراقاً وجمالاً وقرباً من الله تعالى .. قامت بحفظ سور من القرآن .. وسألناها لماذا تحفظين القرآن ؟؟ قالت : علمت بأن الله يحب القرآن فأردتُ أن أقول له يا رب حفظت سُور القرآن لأنك تحب من يحفظه .. وكانت كثيرة الصلاة وقوفاً ..

وأحياناً كثيرة تصلي على سريرها .. فسألتها عن ذلك فقالت : سمعت أن رسول الله ( ص ) يقول : " قرة عيني الصلاة " فأحببت أن تكون لي الصلاة قرة عين ..

وآخر ما فعلته انها حفظت سورة يس والقرآن الحكيم .. فقلت لها ولماذا حفظت هذه السورة بالذات؟؟ فقالت لي : ما تحدثت لي يا أبي عن سيرة إمام من الأئمة إلا وقلت عنه بأن آخر ما يقرأه قبل رحيله هو سورة يس فأحببت أن أكون مثلهم ..

وجان يوم رحيلها .. وأشرق بالأنوار وجهها .. وامتثلت شفتاها بابتسامة واسعة .. وأخذت تقرأ سورة يس التي حفظتها وكانت تجد مشقة في قراءتها إلى أن ختمت السورة ثم قرأت سورة الحمد وسورة قل هو الله أحد ثم آية الكرسي .. ثم قالت : الحمدلله العظيم الذي علمني القرآن وحفظني اياه وقوى جسمي للصلاة وساعدني وأنار حياتي بوالدين مؤمنين مسلمين صابرين حمداً كثيراً أبداً .. وأشكره بأنه لم يجعلني كافرة أو عاصية أو تاركة للصلاة ..

ثم قالت : تنح يا والدي قليلاً فإن سقف الحجرة قد انشق وأرى أناساً مبتسمين لابسين البياض وهم قادمون نحوي ويدعونني لمشاركتهم في التحليق معهم إلى الله تعالى ..

وما لبثت أن أغضمت عيناها وهي مبتسمة ورحلت إلى الله الرب العالمين .

ثم أجهش الأب بالبكاء وبكى بكاءً مريراً كل من في قاعة المقهى في الفندق يلتفتون إلى الزاوية التي نحن فيها فقلت له : هون عليك فهي في رحمة الله عليها وكنفه ورعايته فليرحمها الله ويلهم قلوبكم الصبر على فراقها .. فقال : رحمة الله عليها فقد كانت ابنة بارة مؤمنة قانتة لم تترك صلاتها ولا قرآنها حتى آخر لحظات عمرها .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :.

(مـــــا من رجــل علــم ولده القـــرآن إلا توج الله أبــــويه يــــــوم القيامة بتـــاج الملك وكسيــا حلتـــين لم يـــر النـــــاس مثلهـــما )

صدق رسولنا الكريم

تحياتي

بيسان
06-26-2005, 09:41 AM
اللهم صلى على محمد وال محمد

قصة حلوه وحزينة في نفس الوقت

ومشكوووووووووور اخي على النقل ارائع

وبالتوفيق

سعيد درويش
06-26-2005, 10:20 AM
فعلا قصة كارثية جدا ويعطيك العافية أخي حبا وألف كرامة

أمير العاشقين
06-26-2005, 10:51 AM
مشكور اخوي على النقله الحلوة

ماتقصر والله
عساك على القوة يارب

ملاحظة : اخوي انت حظيت الموضوع مرتين وانا نقلت واحد المحذوفت

تحياتي
أمير العاشقين