يوم سعيد
01-22-2008, 10:38 PM
أبو حسن ..!!
أبو حسن هذا هو رجل من الطراز القديم لحيته كثة بيضاء كاللجين وبشرته مزركشة بالتجاعيد الجميلة كأنها لوحة تراثية حاكها حكيم من حكماء الماضي وعروق يديه المحفورة من شقاء الزمن تذكرني بأنهار مزارعنا وهي تتجارى لتعانق فسائل نخيل رطب الخلاص والماجي والخنيزي والشيشي وقضوب اللوز والتين والكنار والموز 0
هذا الرجل المدعو بأبو حسن توفي قبل فترة وقد كان لوفاته وقع مؤلم حزّ في نفسي غير إنني ترحمت عليه وأثنيت على بساطته وتواضعه وصبره وقدمت العزاء لعشته اليتيمة ( كوخ صغير من خوص وسعف النخيل ) قبل أن أقدم مراسم العزاء لأولاده وأهله وعائلته المفجوعة به ..!!
أبو حسن رحمه الله رجل من إحدى قرى محافظة القطيف الذي اشتهرت بجذورها الأصيلة وشهامة أبنائها وأهلها وكرم ضيافتهم الجزيلة ، استضافني الحظ ذات يوم في نخله المدجج بسور من جذوع النخيل وسعفها اليابس ، ورغم قصر الحضار ( السور ) وطوله المغري للسرقة إلا أن هذا الرجل البسيط كان يأمن على نفسه ونخله من السطو المسلح فقد كان صاحب قلب واسع ومفتوح من كل الجهات يستضيف الأجنبي قبل البلدي ، فحين وصلت إلى مقر مزرعته لم أجد جرساً أقرعه فناديته بصوت أجش وقوي : يا أبا حسن وينك يبو حسن ..! أجابني ببحة حنجرته الدافئة بحنان الأبوة والتي أرهقتها النارجيلة المفخخة بجمر جذوع النخيل وفزّ على طوله ترحيباً بي .. وابتسامته تحتضنني قبل ذراعه ، وما قصّر أبو حسن فقد أقعدني في إيوان عشته وتربعت على إحدى الحصر القديم واعتذر مني قائلاً : يا ولدي إن المكان مو قد المقام ..!! فخجلت منه ومن طيبته اللبقة ..!! لم استحي فقد جلست على الحصير ولم أشغل نفسي بهندامي النظيف فليتسخ طالما هذا الرجل النظيف معي ينقط لسانه عسلاً يزيل قروح النفس وأدرانها ..!!
واحترت كيف استفيد من هذه الفرصة الثمينة فشكله الرثّ خطفني إلى أجدادي ومستوى معيشتهم البسيطة البريئة ، فتارة أضع عيني بعينيه الكسولتين وحواجبه المترهلة على رموشه الذابلة وتارة أخرى أطلق لعيني العنان في أن تنال قسطاً من الراحة وهي تلهو بأشجار النخيل والمياه المنسكبة في تلك العين الصغيرة التي تغذي كافة النخيل والمزروعات ..!!
كان يوماً جميلاً ذلك اليوم الذي دوّنته في مذكرة أيامي ، ولم أنسى معها ذلك أبريق الشاي القديم المتفحم بدخان النار الأسود ونكهته اللذيذة التي أنستني بساطة الإعداد والتجهيز ..!! وتلك الحبات من التمر المغبرّ والحشرات المتطايرة حولي ورغم كل هذا فلم يطالني تقزز من هذه الحالة الوضيعة ، فالراحة النفسية لا تتأتى بالرفاهية والترف في كل الأحوال ..!! قضيت معه سويعات قليلة وداهمنا الليل بعد أن غربت الشمس وزال قرصها من سماء خلوتنا ..!!
استأذنته على أمل أن ألبّي دعوته في زيارة متكررة إلا أن القدر لم يمهلني أن ألبي دعوته فقد مات بعدها ببضعة أيام في ذات المكان بين أصدقائه النخيل والأشجار التي شيعت جثمانه في تلك العشة المكتظة بالأحزان والتي تساقطت على أثر وفاته أوراق الأشجار وتوقفت جداول المياه من الانسكاب ..!! مات مستلقياً على تلك الخشبة اليابسة التي كانت تقاسمه الصبر والتعب والإجهاد ..!!
رحمك الله يا أبا حسن ومثواك الجنة ..!! ربما نزورك يوماً ما عن قريب آجل وإن تأخرت عليك فحتماً مصيري أن ألتقي بك ..!!!
تحياتي
مأجورين
أبو حسن هذا هو رجل من الطراز القديم لحيته كثة بيضاء كاللجين وبشرته مزركشة بالتجاعيد الجميلة كأنها لوحة تراثية حاكها حكيم من حكماء الماضي وعروق يديه المحفورة من شقاء الزمن تذكرني بأنهار مزارعنا وهي تتجارى لتعانق فسائل نخيل رطب الخلاص والماجي والخنيزي والشيشي وقضوب اللوز والتين والكنار والموز 0
هذا الرجل المدعو بأبو حسن توفي قبل فترة وقد كان لوفاته وقع مؤلم حزّ في نفسي غير إنني ترحمت عليه وأثنيت على بساطته وتواضعه وصبره وقدمت العزاء لعشته اليتيمة ( كوخ صغير من خوص وسعف النخيل ) قبل أن أقدم مراسم العزاء لأولاده وأهله وعائلته المفجوعة به ..!!
أبو حسن رحمه الله رجل من إحدى قرى محافظة القطيف الذي اشتهرت بجذورها الأصيلة وشهامة أبنائها وأهلها وكرم ضيافتهم الجزيلة ، استضافني الحظ ذات يوم في نخله المدجج بسور من جذوع النخيل وسعفها اليابس ، ورغم قصر الحضار ( السور ) وطوله المغري للسرقة إلا أن هذا الرجل البسيط كان يأمن على نفسه ونخله من السطو المسلح فقد كان صاحب قلب واسع ومفتوح من كل الجهات يستضيف الأجنبي قبل البلدي ، فحين وصلت إلى مقر مزرعته لم أجد جرساً أقرعه فناديته بصوت أجش وقوي : يا أبا حسن وينك يبو حسن ..! أجابني ببحة حنجرته الدافئة بحنان الأبوة والتي أرهقتها النارجيلة المفخخة بجمر جذوع النخيل وفزّ على طوله ترحيباً بي .. وابتسامته تحتضنني قبل ذراعه ، وما قصّر أبو حسن فقد أقعدني في إيوان عشته وتربعت على إحدى الحصر القديم واعتذر مني قائلاً : يا ولدي إن المكان مو قد المقام ..!! فخجلت منه ومن طيبته اللبقة ..!! لم استحي فقد جلست على الحصير ولم أشغل نفسي بهندامي النظيف فليتسخ طالما هذا الرجل النظيف معي ينقط لسانه عسلاً يزيل قروح النفس وأدرانها ..!!
واحترت كيف استفيد من هذه الفرصة الثمينة فشكله الرثّ خطفني إلى أجدادي ومستوى معيشتهم البسيطة البريئة ، فتارة أضع عيني بعينيه الكسولتين وحواجبه المترهلة على رموشه الذابلة وتارة أخرى أطلق لعيني العنان في أن تنال قسطاً من الراحة وهي تلهو بأشجار النخيل والمياه المنسكبة في تلك العين الصغيرة التي تغذي كافة النخيل والمزروعات ..!!
كان يوماً جميلاً ذلك اليوم الذي دوّنته في مذكرة أيامي ، ولم أنسى معها ذلك أبريق الشاي القديم المتفحم بدخان النار الأسود ونكهته اللذيذة التي أنستني بساطة الإعداد والتجهيز ..!! وتلك الحبات من التمر المغبرّ والحشرات المتطايرة حولي ورغم كل هذا فلم يطالني تقزز من هذه الحالة الوضيعة ، فالراحة النفسية لا تتأتى بالرفاهية والترف في كل الأحوال ..!! قضيت معه سويعات قليلة وداهمنا الليل بعد أن غربت الشمس وزال قرصها من سماء خلوتنا ..!!
استأذنته على أمل أن ألبّي دعوته في زيارة متكررة إلا أن القدر لم يمهلني أن ألبي دعوته فقد مات بعدها ببضعة أيام في ذات المكان بين أصدقائه النخيل والأشجار التي شيعت جثمانه في تلك العشة المكتظة بالأحزان والتي تساقطت على أثر وفاته أوراق الأشجار وتوقفت جداول المياه من الانسكاب ..!! مات مستلقياً على تلك الخشبة اليابسة التي كانت تقاسمه الصبر والتعب والإجهاد ..!!
رحمك الله يا أبا حسن ومثواك الجنة ..!! ربما نزورك يوماً ما عن قريب آجل وإن تأخرت عليك فحتماً مصيري أن ألتقي بك ..!!!
تحياتي
مأجورين