تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : امرأتان ورجل.. لبنت الهدى



حنين الأمل
12-17-2007, 12:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم حبيت اكتب لكم روايه من روايات بنت الهدى الرائعه
اتمنى انكم تستانسون عليها مثلي

إمرأتان ورجل..
بسم الله الرحمن الرحيم
الآن وبعد أن انتهى كل شيء حيث تربّعت حسنات على عرش السعادة زاعمة لنفسها أنها قد رسمت خطوط المستقبل بشكل منسجم الزوايا والأبعاد .
الآن وقد انفضّ الجمع بعد أن حقق لحسنات أمنية العمر وبعد أن صفق لها طويلاَ وهي تطوق أصبعها بخاتم خطوبتها لفارس أحلامها الجميل.
الآن وقد أخلدت حسنات إلى فكرها تنسج منه خيوطاّ ذهبيه لحياة زوجية سعيدة منتظرة.
الآن وقد عاد كلّ إلى بيته وهو يمجد العروس تارة ويمجد خطيبها تارة أخرى.
الآن وقد حدث هذا وحدث ماهو أقسى من هذا بالنسبة إليّ أعود أنا إلى غرفتي هذه يحطمني السأم ويعذبني الملل، نعم أعود أنا وحيدة غريبة وهل هناك أقسى من غربة الروح؟
ومن أجدر مني بالغربة وإن كنت بين أهلي وأصدقائي, إنهم يتمرّدون عليّ بدعوى أنني متمردة وهم يبتعدون عني لحجّة أنني منحرفة ولكن أليسوا هم المنحرفون؟ أفلا يسمى انحرافاً هذا التعقيد الذي اختاروه لأنفسهم في الحياة؟ أليس انحرافاً هذه الأفكار الرجعية العتيقة التي جعلوا منها المحور الذي تدور حولها تحركاتهم في هذه الحياة؟ نعم إنهم هم المنحرفون حتى حسنات هذه التي تحسب أنها قد اتخذت لنفسها طريقاً صالحاً وتريد أن تجعل من نفسها قدّيسة, حتى حسنات هذه أليست منحرفة وشاذّة حينما وافقت على الزواج من إنسان لم تره ولم تتعرّف عليه من قبل؟ إنسان بعيد لم يكلّف نفسه حتى مشقة السفر لحضور العقد وإنما اكتفى أن يوكل أباه بدلاً عنه لماذا؟ لأنه متدين لأنه يماثلها في الشذوذ وإلاّ وإذا لم يكن شاذاً فلماذا يترك فتيات أوروبا الجميلات ليفتش في الزوايا عن زوجة مثل حسنات وهو لا يعوزه شيء عن التمتع كما يريد بأحلى الحسناوات وأغلاهن فهو شاب جميل. نعم جميل. ومتمكن مادياً فأي شذوذ وتعقيد دفعه أن ينصرف عن حسناوات إنكلترة ليفتش عن فتاة مثل حسنات؟ صحيح أن حسنات جميلة أيضاً وعلى مستوى عالٍ من الثقافة ولكنني أكرهها وما كنت أتصور أنها تحظى بعريس مثل هذا, ولكنه معقّد على كلّ حال وسوف لا و لن تستعد معه حسنات...؟
إلى هنا انتهى حديث رحاب مع نفسها فحاولت أن تشغل نفسها بشيء فأخذت قصة لنجيب محفوظ اسمها ( لاشي يهم ) وبدأت تقرأ وهي تحاول أن تصدق مع الكاتب أن لاشي يهم. فلا الكرامة مهمة ولا الضمير مهم ولا ما بعد الموت مهم, ولهذا فقد سهرت مع هذه القصة التي كتبت لها ولمثيلاتها إلى ساعة متأخرة من الليل.
******************
استيقظت رحاب في ساعة متأخرة من الصبح فنهضت من فراشها متثاقلة فسمعت أصوات أمها وأخواتها تصلها من الغرفة المجاورة فخرجت إليهم وهي تتكّلف الابتسام فطالعها وجه حسنات وهي في غلالة بيضاء وقد شاعت على وجهها إشراقة من الرضا والسعادة ألهبت النار في قلبها وأججت مشاعر الحسد والغيرة ولكنها تماسكت وحيتهم بشكل طبيعي ثم استدارت نحو حسنات قائلة : وأنت كيف أنتِ يا عروس ؟؟ فردت حسنات قائلة: بخير والحمد لله يا رحاب وأرجو أن نراك عروسة أيضاً في أقرب وقت..
وكأن هذه الكلمات قد استفزّت رحاب و فجرّت لديها بركان الغيرة والحسد قائلة في سخرية: لعلّ هناك رجل من قارة أفريقيا يرسل ليخطبني كما أرسل ليخطبك من قارة أوروبا وكأن الرجال قد انعدموا من هنا .
ويبدو أن حسنات لم تشأ أن تفتح مع أختها الجدل فردّت قائلة باقتضاب : إن الله أعرف بالصالح يا أختاه ...وهنا ضحكت رحاب بتهكم ثم قالت : إنني أعرف كيف أبني مستقبلي بيدي يا حسنات فأنا لست مثلك أرتبط مع رجل لا أعرف عنه كل شيء.. وهنا رأت حسنات أنّ عليها أن تجيب دفاعاً عن الفكرة التي تؤمن بها فقالت : كيف تقولين إنني لا أعرف عنه شيئاًُ وأنا أعرف عنه كل شيء ويكفي أن يكون إنساناًُ متديناًُ.أختاه فأنا ما كنت أهب وجودي لرجل يتقلب بين أحضان الغانيات
قالت رحاب: وهل أنّ الدين هو كل شيء يا حسنات أنّك مازلتِ صغيرة وأخشى أن تتعرفي على الواقع بعدة ي فوات الأوان..
قالت حسنات : أي واقع تقصدين يا رحاب؟
قالت:مثلاً أن العروس في مثل هذه الأيام ينبغي لها أن لا تفترق عن خطيبها ساعة لكي تتمكن أن تحول بينه وبين الإتصال بغيرها , وليس مثلك أنت حيث تجلسين هنا بين جدران أربع ورجلك الذي الذي وهبت له وجودك يتقّلب بين أحضان الغانيات..
قالت حسنات: يؤسفني أن أقول بأنك غلطانة يا أختاه فأنا ما كنت أهب وجودي لرجل يتقلّب بين أحضان الغانيات, إنّ مصطفى رجل مؤمن مستقيم لا يقلب حتى عينيه في وجوههن , وهذا هو ما دفعني إلى قبوله بكل سعادة ورضا, ما دمت أعلم أن لديه رادع من نفسه ودينه أكون واثقة منه في قربه وبعده لأنّ هذه هي الحصانة الوحيدة التي تلازمه في مكة كان أو باريس.
وحاولت رحاب أن تجيب ولكن الأم أرادت أن تقطع عليهما طريق الجدل والنقاش فتدخلت بينهما قائلة: كفى كفى فإنّ لديكما الكثير من الأعمال , ولدينا ضيوف ظهر اليوم.
***********************
مرّت الأيام ناعمة وسعيدة بالنسبة لحسنات لولا مضايقات رحاب, وبطيئة بالنسبة لرحاب , فقد كان مما يغيظها جداً أن تجد حسنات سعيدة وأن تسمع التهاني والتبريكات تنهال عليها دونها, وبعد أسبوع حيث كانت رحاب عائدة من وظيفتها إلى البيت وجدت ساعي البريد يحاول أن يطرق بابهم , وعندما وجدها داخلة سلّمها رسالة باسم أختها حسنات, وكانت تحمل طابع الممكة المتحدة الشيء الذي جعلها تعرف أنها من مصطفى فاستلمت الرسالة بيد ترتجف وبشكل لا اختياري أخفتها في حقيبتها ودخلت دون أن تشير إليها , ثم تعجّلت في الذهاب إلى غرفتها بعد الغداء, وهناك وبدافع شرير من الغيرة والحسد فتحت الرسالة , ثم بدأت تقرأ الرسالة فكانت:
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزتي حسنات, يا من اصطفيتك لنفسي على بعد الطريق والمسافات, ها أنا أكتب إليك لأول مرة وإن كنت قد عشت معك الأيام الماضية بجميع أدوارها, عشت الأمل فيك , وعشت الانتظار لك , وعشت الشوق واللهفة بعد أن طالت فترة تطلعي نحوك يا حسنات, والآن وقد حقق الله أملي, حيث وجدت فيك تلك الأمنية الغالية, وذلك الكنز الثمين, وجدتني أكتب إليك عسى أن تعوض الكتابة عن بعض مراتب الحرمان من اللقاء, ثم لك أحدثك عن نفسي, التي أصبحت نفسك منذ الآن,
فأنا إنسان أحببتك بعمق قبل أن أراك, لأنني عرفت بأنك تحبين ما أحب, وتؤمنين بما أؤمن, وأنا إنسان أخلصت لك بصدق, منذ اللحظة التي تم فيها ارتباطنا المقدس, لأن هذا الإرتباط لم يكن ليتم لولا إخلاصك لدينك, واقتناعك بي من أجل ذلك, وأنا إنسان أجد في الحياة الزوجية شركة روحية وفكرية متجردة عن المادية وزيفها ولهذا اخترتك أنت دون سواك, لكي نبني معاً حياة زوجية مثالية, مفروشة بزهور الإيمان, منارة بأشعة القرآن, مدعومة بتعاليم الإسلام, كلها حبّ وكلها وداد, وكلها إخلاص ووفاء, فأنا لله أولاً ولك ثانياً بكل وجودي مادمتِ أنت لله أولاً ولي ثانياً بكل وجودك يا حسنات, فليبارك الله وحدتنا الروحية , وليرع حبنا بعين رعايته , وليسدد خطواتنا للسير على دربه.
وأخيراً كان بودي لو أطيل معك أكثر فأكثر, لأن حديثي معك طويل وطويل, ولكنني أنتظر منك الجواب لأعرف منه ذوقك بقصر الرسالة وطولها, فتقبلي تحياتي وحبي واسلمي لإيمانك ولي إلى الأبد. مصطفى
ملاحظة : أرجو أن تتقبلي صورتي التي تجدينها مع هذه الرسالة مع طلب صورة منك في أسرع وقت .
أتمت رحاب قراءة الرسالة وهي تشعر المرير من الألم, وكأن عذوبة كلماتها كانت بالنسبة لها لذعات من نار, ودفعها حقدها أن تتخذ وبشكل نهائي قرارها بعدم تسليم الرسالة إلى حسنات, وانقضى يومها ذاك وهي بين الألم والحيرة, ألمها لوجود الرسالة وحيرتها لاختيار الطريقة التي تتخلص بها منها, فهي لا تفتأ تعيد القراءة بين حين وحين, وكلما أعادتها تضاعف لديها إحساس الألم, وتمنت لو كانت هذه الرسالة موجهة إليها دون حسنات, وفي الليل, وعندما تقدمت ساعاته وعيناها لم تجد للنوم سبيلا, جلست على سريرها لتعيد قراءة الرسالة للمرة العاشرة من جديد... وحدثت نفسها تقول: الخط جميل والصورة أجمل والكلمات عذبة, تحكي عن روح أعذب بكثير, لشدّ ما كانت تفرح بها حسنات لو وصلتها , لاشك أنها كانت تبدو سعيدة بعد استلامها وسعادتها لا تريحني أبداً... وإلى هنا قررت رحاب تمزيق الرسالة لكي لا يمكن لها أن تصل إلى يد حسنات, وقبل أن تبدأ بالتمزيق خطرت لها فكرة, فرددت مع نفسها قائلة: كلا إنني لن أمزقها ولكنني سوف أحرقها فإن مما يلذ لي أن أتابع النار وهي تلتهم كلماتها الرقيقة ( الدينية ) قالت هذا ثم ذهبت إلى خزانتها تفتش عن شمعة, فوجدت عدداً من الشموع الملونة الصغار مطوقة بشريط ذهبي كتب عليه: عيد ميلاد سعيد مع تمنياتي لك بالسعادة والإيمان.. فضحكت في عصبية, واستخرجت شمعة منها وهي تقول لطيف أن أحرق رسالة مصطفى إليها بالشموع التي أهدتها هي إليّ , نعم إن هذه الشمعة الصغيرة النحيلة واحدة من مجموعه الشموع التي أهدتها إليّ بمناسبه عيدي الثامن عشر, وقد بقيت الآن رهينة هذه الخزانة تنتظر أن تكون أداة حرقاً لرسالة مصطفى وبالتالي أداة حرق لراحتها وسعادتها, وكانت رحاب خلال ذلك توقد الشمعة وتحاول أن تثبتها على حافة المنضدة ثم أخذت الرسالة بيدها لتدنيها من النار. وهناك خطرت لها فكرة, فما جدوى أن تحرق هذه الرسالة لأنه سوف يرسل لها رسالة ثانية وثالثة وسوف لن يصدف لها أن تجد ساعي البريد أمام الباب في كل مرة, إذن فإن حرق هذه الرسالة وحده لا يكفي, ولا يجدي شيئاً, وفكرت لحظات, ثم لاحت لها فكرة سرعان ما اقتنعت بصوابها, فهي سوف تكتب إليه بلاً عنها وسوف تحاول بكتابتها أن تحطم في نفسه هذه الثقة بحسنات, ثم إن عليها أيضاً أن تعطيه عنوناً آخر غير عنوان هذا البيت, وهذا ليس بالصعب عليها فهي تتمكن أن تعطي عنوان دائرتها ولكن بإسم صديقتها هناك, وفعلاً فقد صممت أن تنفذ هذه الفكرة, إذن فإن عليها أن تحتفظ بالرسالة, فلعلّها سوف تحتاج إلى مراجعتها فيما تكتب, فجلست لكي تكتب إلى مصطفى قائلة:
عزيزي مصطفى : استلمت رسالتك مع مزيد من الشكر, فأعجبني اسلوبك المهذب وكلماتك الرقيقة,وحسناً صنعت باختصار الرسالة لأنني لا أحب الإطالة بالكتابة...
أما ما ذكرت عن أنّ الكتابة قد تعوّض عن اللقاء, فهو أمر وهمي, قد يوحيه الإنسان الخيالي إلى نفسه من أجل إقناعها, وإلا فأي جدوى للرسائل؟ وماذا عساها تغني؟ مادمت لا‘عرف أين أنت؟ وكيف أنت؟ وبأي شكل تعيش أو مع من تعيش؟ وأنت في تلك الأرض الزاخرة بجميع ملاذ الحياة ومتعها, فماذا سوف يتبقى منك لي يا ترى؟ ثم ألا تجد معي أنّ حاجتنا لأن نعيش الدين هكذا وبالشكل الذي ذكرته في رسالتك قد انتهت, فلم تعد هناك متناقضات طبقية أو فئات ظالمة مستغلة , كما أنه لم تعد هناك أيضاً مجموعة ضعيفة مستغلة, لكي يدعونا ذلك لنفتش بين جوانب هذا الظلم عن منفذ, ونبحث خلال هذه الظلمة عن كوّة من نور, ثم لا نتمكن أن نجد المنفذ لصلابة البناء الغاشم ولا نهتدي إلى النور لحلكة الظلام القاتم فلا يسعنا حيال ذلك إلا أن نوجد لنا- مختارين - قوّة عليا , هي أعلى من الظلم, وأقوى من الظلام , ثم نبدأ نوحي لأنفسنا الأمل بهذه القوة , وبانتظار حلّها لمشاكلنا ورفعها لآلامنا ومحننا...إن هذا هو السبب الذي طرح على صعيد العالم فكرة الإيمان بالله , وفكرة الدين نتيجة لذلك, ولهذا أفلا تجد معي أننا لم نعد في حاجه لشيء مما ذكرت بعد أن عرفت البشرية كيف تحقق لها العدالة المتوخاة ؟
وهذا وأنني استمحيك عذراً إذا كنت قد جابهتك بما لا يعجبك من الأفكار , ولكنني إنسانة صريحة وأحب أن أتعامل مع الآخرين على أساس الصراحة ولك مني أخيراً تحياتي وتمنياتي. حسنات
ملاحظه : أرجو إرسال الجواب وكل رسالة أخرى على العنوان الآتي : مديرة الري - قسم الإحصاء -الآنسة ميادة ناجي.
بادرت رحاب إلى إبراد الرسالة على العنوان الذي ذكره مصطفى في رسالته , وقد استشعرت بشيء قليل من تأنيب الضمير لأن رسالتها كانت كفيلة بهدم سعادة أختها , ولكنها استعادت طاقات الحقد الموجودة لديها وأبعدت عنها التفكير بتأنيب الضمير , وبقيت تنتظر النتائج.
********************************

حنين الأمل
12-17-2007, 01:03 PM
وصلت الرسالة إلى مصطفى , فاستلمها على لهفة الشوق والحنين , وأسرع إلى قراءتها بفرحة وسعادة , ولكنه سرعان ما أحس بالصدمة والخيبة , ثم بالذهول والحيرة , وحاول أن يكذب عينيه , فأعاد القراءة من جديد , ولكن إعادة القراءة لم تزده إلا يقيناً بما يرى , إنها حسنات , الفتاة الطيبة المؤمنة الطاهرة التي اختارتها له أخته زينب ومدحتها له بشكل جعله يقدم على خطوبتها من دون أن يراها , نعم إنها حسنات , تلك التي عقد على حياته معها الآمال الكبار , والأماني العذاب , فإذا بها تكتب إليه لتقول وبصراحة , بأنها لاتؤمن حتى بوجود الله !! فما أقسى هذا وأدهاه ؟ ولكن كيف حدث هذا ياترى ؟ وكيف انخدعت بها زينب على هذا الشكل , وهي صديقتها المفضلة , ثم كيف له أن يتصرف حيال هذا الموقف المرير ؟ وحاول مصطفى أن يفكّر بموقفه بعد أن تخلّص قليلاً من هول الصدمة , فكان أول ماخطر له أن يرسل على زينب تأنيب ومعها توكيل بالطلاق , ولكنه عاد فخطر له أن تعجله بالطلاق يعني تهرّباً من مسؤليته تجاهها , وهي مسؤلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فلعلّه الآن قادر على محاولة هدايتها , وله بعد ذلك وعلى فرض نجاحه أو فشله أن يتصرف تجاهها كما يشاء , وكان كلما فكّر أكثر ترجّحت عنده هذه الخطوة , فكتب إليها الجواب , وحرصا أن يكون جواباً للشبة لا أكثر ولا أقل فكان هكذا :
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك ياحسنات ورحمة الله وبركاته .
يؤسفني أن أكون قد أبطأت عنك في الكتابة ولكنني كنت خلال هذه الفترة أحاول أن أتخلص من آثار الصدمة التي صدمت بها , بعد أن استلمت رسالتك الصريحه ( على حد تعبيرك ) وجينما عجزت عن التخلص من الصدمة عدت إلى واجبي الديني تجاهك , وقد وقفت أمام ما كتبتِ عن عدم الحاجة إلى الدين وقفة الحزين , أفتراك جادة فيما كتبتِ ؟ أم أنك كنتِ تهزلين ولا أدري أي وضع مؤسف أملى عليك هذه الأفكار ؟ وكما أرى ضحية من ضحايا الخداع والتضليل فإنني أكتب إليك كما يكتب الأخ لأخته , مستشعرً بالمسؤلية الدينية تجاهك و الإجتماعية تجاهك , أما ماذكرتيه في خصوص ارتفاع حاجتنا عن الإيمان بالله , وبالتالي عن الدين , فاعلمي أن الإيمان بالله - الذي هو الطرق إلى الدين- ليس كما تتوهمين وليد فترة ظلم أو استغلال لأنه وجد من قبل أن يوجد الظلم , وقبل أن يوجد الإختلاف والتباين في الطبقات , أنه ليس وليد تناقض طبقي كما خيّل لكِ وإلاّ فأيّ تناقض طبقي يمكن أن يتصوره الإنسان في بداية الخليقة , حيث كان الغذاء واحد , والكساء واحد , وحدود المعرفة واحد , والإيمان بالله وجد منذ بدء الخليقة , ومنذ عرف الإنسان معنى الوجود , ولعلّك هنا تتسائلين , كيف يمكن ليّ أن أدعيّ هذا وأؤكد عليه ؟ ولكن ألا ترين أنّ لكل شيء آثاراً وسماتاً , وآثار الشيء ترسم وجودها على صفحات التاريخ , والتاريخ يحمل إلينا ذلك بوضوح , وهاك هذا المثال على ذلك... ففي مصر مثلاً , كان المصريون من أعرق الأمم التي آمنت بالروح وبالبعث والثواب والعقاب , ولكن على مستوى فهمهم البدائي لكلّ ذلك , ورمزوا للروح رموزاً عديدة تارة ( كا ) وتارة زهرة وتارة رمزوا إليه بصوره طائر له زي وجه آدمي , وصور هذه الرموز وآثارها مازالت واضحة بين الآثار , وفي صفحات التاريخ , ثم عبادتهم البدائيه لفتاح , وماكانو عليه في تلك الفترة من محاولة التقرّب إلى المعاني الروحية كما جاء في إحدى صلوات فتاح = الفؤاد واللسان للمعبودات ومنه يبدأ الفهم والمقال , فلا ينبعث من ذهن ولا لسان فكر أو قول بين الأرباب أو الناس أو الأحياء أو كل ذي وجود إلاّ وهو من وحي فتاح = ثم وبعد ذلك , وحين تولى أخناتون الملك , وقد كان معروفاً بالتأمل والتفكير , بدأ يصحح ( وعلى مدى إمكانياته وطاقاته الفكرية ) من طبيعة العبادة كما جاء في صلواته التي يحفظها التاريخ قوله = ماأكثر خلائقك التي نجهلها , أنت الإله الأحد الذي لا إله غيره , خلقت الأرض بمشيئتك , وتفرّدت فعمرت الكون بالإنسان والحيوان والكبار والصغار = هذا في مصر . ثم إننا نتمكن من أن نستخلص من التاريخ أن الإنسان قد آمن بفكرة الإله الواحد قبل الميلاد بأكثر من عشرة قرون .....
هذه ياحسنات نبذة صغيرة , ولمحات قصيرة , تدل وبوضوح على أسبقية فكرة الإيمان بالله لكلّ ما ذكرت من أسباب , وأنني حينما أذكرها لك لا أريد أن أقول أنها وبجميع
أدوارها فكر صحيحة متبلورة , فهي خاضعة كما ترين لمستوى الإنحطاط الفكري لكل جيل تمرّ فيه , وهي مشوبة كما ترين بطبيعة الأفكار المعاشة في ذلك العصر , ولهذا نجدها في أغلب حالاتها مغايرة للايمان بالوحدانية المطلقة وإن كانت تدل بوضوح على وجود الإيمان بالله , ولكن بشكل يلائم النضوج الفكري المعاش حين ذلك , أرجو أن لا أكون قد أطلت عليك ولعلّك لو قرأت كتاب الله للعقاد لزدت معرفة بما ذكرت , ويقينا بما كتبت , والله من وراء القصد , وأتمنى لك كل خير .. مصطفى
انتهت رحاب من قراءة الرسالة , وباتت ليلتها تلك مؤرقة تفكّر فيما كتب مصطفى , وتحاول أن تطابق بينه وبين ما تعرف لتجد أي المعرفتين أقوى , وأيهما تستند إلى قواعد أصلب , وركائز أعمق , ولم تتمكن أن تتوصل إلى شيء عن طريق الفكر , فتوجهت نحو طريق العناد , نعم العناد الذي سيطر عليها دائماً وأبداً , فنشطت منذ الصباح إلى الكتابة وقبل أن ترى أختها حسنات , خشية أن تستشعر شيئاً من العواطف التي تقعد بها عن الكتابة , سيما أنها كانت تجد حسنات في الفترة الأخيرة طويلة الصمت , قليلة الضحك , قد لوّنت صفاء وجهها مسحة من شحوب , وكانت تعلم أن ذلك من أجل مصطفى ولسبب عدم تسلمها رسالة منه , وكانت هي يلذ لها أحياناً , ويؤلمها في فترات قليلة عندما كان تأنيب الضمير يلحّ عليها بشدة , ولهذا فقد كتبت الجواب قبل أن تبرح الغرفة وسارعت إلى ابراده نفس اليوم , وقد كتبت إليه تقول :
عزيزي مصطفى , يعزّ عليّ أن أجدك متألما لصراحتي وقد كنت أنتظر منك كلاماً رقيقاً ناعماً على غرار كلماتك في الرسالة الأولى , ولكنك اندفعت وراء إثبات أفكارك تاركاً جانباً إثبات عواطفك , ولعلّك وجدتني غير أهل لها فأهملتها , وعلى أي حال فإن جوابك عن قِدم الإيمان بالله لطيف , والأدلة التاريخية واضحة , ولكنني لا أزال أقول إنّ الإيمان بالله ليس إلاّ وسيلة الضعفاء عند شعورهم بالعجز أمام الأقوياء , ان هذا الضعيف حينما يجد أنه عاجزاً عن صيانة نفسه ودفع الخطر عنها , يبدأ يفتش عن قوة وهمية , تحميه وتذوذ عنه الخطر , ومن هنا نشأت فكرة الإيمان بالله , وبالتالي فكرة الدين , هذا ما أعتقده يامصطفى وحينما كنّا نتمكن أن ندفع عن أنفسنا الخطر بتخلف أساليب الوقاية والحماية التي هي متوفرة الآن , لمات كنّا هكذا , فلماذا نعود لنرتبط مع مجهول من أجل أن نستمد منه الطاقة التي لم تعد تعوزنا في هذه العصور , نعم لماذا ياترى ؟ ليتك تجيبني إن استطعت , هذا ولك من تحياتي وأنا في انتظار الجواب. حسنات
**********************************
بقيت رحاب تنتظر الجواب في لهفة تختلف عن لهفتها السابقة , فهي الآن تريد أن تسمع الجواب عن سؤالها بعد أن استوعبت الجواب الأول وصدقت فيه , وكانت قد بدأت تنهش افتضاح أمرها الشيء الذي لم تلتفت إليه من قبل , فماذا لو عادت أخته من سفرها ؟ وماذا لو كتب لها معاتباً لاختيارها , وماذا لو استنكرت أخته ذلك وبحثت الموضوع مع حسنات وهي صديقتها المفضلة , وماذا لو عرف كل شيء , وكانت كلما وصلت في تصوراتها إلى هنا شعرت بالاختناق , فحاولت أن تبعد عنها هذه التصورات كي تبقى سائرة في خطواتها إلى آخر الطريق , ولم تطل بها فترة الانتظار , فقد استلمت الجواب وتعجلت قراءته في هذه المرة من أجل أن تسمع الجواب عمّا سألت وقد وجدت فيه مايلي :
**********************************
انتظروا رد مصطفى في الجزء التالي
تحياتي
ريووووووووووووش

سعاد حمزه
02-14-2008, 01:43 AM
ابدعتي ريوشششششششششش
ننتظر التكمله

أباالصلط
03-01-2008, 03:20 AM
أبداع جميل منك

مشكورا

بارك الله بكي