القلب المرح
03-08-2005, 11:15 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلي علة محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
هناك ثلاثة أسباب قد يكون كل واحد منها بصورة مستقلة سبباً لنشوء الشك:
1- مرافقة الشكاكين:
قد يكون الإنسان في أصله متيقناً لكن لكثرة تعاطيه وتداخله مع أهل الشك، تأخذ الشكوك في التكون لديه، لأن البيئة تؤثر على الإنسان شاء أم أبى، خاصة إذا كان ضعيف الحصانة. ولعله لهذا الوجه أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين في المدينة المنورة بالابتعاد عن المنافقين الذين يكثرون من إثارة الشكوك والأوهام بصور خفية، حيث قال تعالى: ﴿ فأعرضوا عنهم إنهم رجس .. ﴾.
واتساقاً مع نفس الغرض أمر الأئمة المؤمنين بتعليم أولادهم القرآن والحديث قبل أن يختلطوا مع الفرق المغايرة. يقول الإمام علي : ((علموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به, لا تغلب عليهم المرجئة برأيها)). فالاختلاط مع أصحاب الأفكار خاصة إذا لم يكن بعد حصانة تامة، لابد أن يؤثر على فكر الإنسان. فإن كان أولئك من أهل الشك فإن جزءاً من شكوكهم ستنتقل إليه أراد أم لم يرد. لذا قال الإمام علي : ((خلطة أبناء الدنيا تشين الدين وتضعف اليقين)).
ومرافقة الشكاكين لا تقتصر مصاديقها على الصحبة الاجتماعية، وإنما تشمل أيضاً الانفتاح اللامحدود على مستوى المطالعة العلمية، حيث يحصل في كثير من الأحيان أن المثقف يقتصر في مطالعاته على الكتب النقدية المثيرة للجدل والشكوك، ويهمل الكتب اليقينية المؤسسة للقيم والأفكار، وقد يكون إهماله أحياناً دون سابق قصد. وآنئذ لابد أن يكون لذلك أثر سلبي.
2- المرور السطحي على الفكرة:
في كثير من الأحيان تنشأ الشكوك وتتنامى إذا مر الإنسان على الفكرة ولاحت له إشكالات، لكنه مع ذلك لم يتعمق فيها ويبحث في أصولها، وإنما ترك تلك الإشكالات وشأنا، فإنها مع الزمن تتحول إلى شكوك. ولو أن من تحدث لديه مثل هذه الحالة يلبث مكانه ويتعمق في الفكرة طويلاً ويراقب مبانيها ومبادئها، فإنه لا محالة سيحصل عنده يقين إما قبولاً أو رفضاً. وأظن أن أغلب الشكوك التي تنشأ في الساحة الثقافية والاجتماعية هي من هذا القبيل، حيث إن أغلب الناس ليسوا من أهل البحث والتحقيق، ولهذا فإنهم يكتفون بما يخطر عليهم إما سماعاً أو مطالعة. لهذا فإن الإنسان العاقل مدعو لعدم إفساح المجال للشك كي ينمو. يقول الإمام علي : ((لا ترتابوا فتشككوا فتكفروا)).
3- الإحباطات العامة:
حيث يلاحظ من خلال الاستقراء أن العديد من التشكيكات إنما تقفز إلى السطح في زمن الإحباطات. فالإنسان حين يحبط إما نفسياً أو اجتماعياً، فإنه بدلاً من أن ينظر إلى نفسه علّه يجد العجز الحقيقي فيها، يتجه إلى التشكيك فيما حوله علّه يجد مبرراً يرفع عن كاهله المسؤولية. ولعل هذه الحالة هي جزء من نرجسية الإنسان حيث لا يقبل بتوجيه الإشكالات إليه فيوجهها إلى كل من حوله أشخاصاً وأفكاراً. هذه الأمور الثلاثة جذور واقعية لحصول الشك عند الإنسان، ولأن الدين يرفض الشك فقد سعى لمعالجة هذه الجذور قبل كل شيء، فهو من جانب دعا للتفاؤل وذلك لكسر الإحباطات وتجاوزها، التفاؤل بالاعتماد على الله سبحانه وتوقع الخير في كل حين, قال تعالى: ﴿ ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ﴾, و ﴿ ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ﴾.
فالدين دعا للتفاؤل من خلال التوكل على الله سبحانه والأمل في حصول الخير قريباً، وكل ذلك لتجاوز الإحباطات التي تسبب في حال تناميها العديد من الشكوك. وهذا هو السر في العلاقة بين التوكل واليقين الذي طالما لهجت به الروايات كقول الإمام علي : ((التوكل من قوة اليقين)). هذا من جانب، ومن جانب آخر أوصى بمرافقة المؤمنين كي يستغني بهم الإنسان عن رفقة أهل الشك.
ومن جانب ثالث أوصى ـ بل أمر ـ الدين بقطع الشك من بدايته، حتى لا يجد مجالاً للنمو. وذلك ظاهر من سائر النصوص القرآنية والروايات التي سبقت الإشارة إليها. وكل ذلك لكيلا يبقى أثر يذكر للشك، وإنما يبقى القلب سليماً محشواً باليقين الذي يعد العماد الأهم للمحافظة على سلامة مسيرة الإنسان في الحياة والمنهج الأصلح للتفكير.
على هذا يتضح لنا أن المنهج الذي دعا له الدين لصيانة مسيرة التفكير عند الإنسان، هو اليقين المشفوع بالسؤال، لا الشك والتردد. طبعاً ذلك لا يعني أن على الإنسان المؤمن قبول كل ما في المجتمع من قيم وأفكار وممارسات حتى لو كانت خاطئة ـ كما قد يُتوهَّم ـ ، وإنما يعني أن الطريق إلى الحقائق هو اليقين، ومؤداه إما القبول بيقين أو الرفض بيقين أيضاً، لا التردد وافتراض الصحة أو الخطأ.
وتقبلو مني التحيات ..
اللهم صلي علة محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
هناك ثلاثة أسباب قد يكون كل واحد منها بصورة مستقلة سبباً لنشوء الشك:
1- مرافقة الشكاكين:
قد يكون الإنسان في أصله متيقناً لكن لكثرة تعاطيه وتداخله مع أهل الشك، تأخذ الشكوك في التكون لديه، لأن البيئة تؤثر على الإنسان شاء أم أبى، خاصة إذا كان ضعيف الحصانة. ولعله لهذا الوجه أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين في المدينة المنورة بالابتعاد عن المنافقين الذين يكثرون من إثارة الشكوك والأوهام بصور خفية، حيث قال تعالى: ﴿ فأعرضوا عنهم إنهم رجس .. ﴾.
واتساقاً مع نفس الغرض أمر الأئمة المؤمنين بتعليم أولادهم القرآن والحديث قبل أن يختلطوا مع الفرق المغايرة. يقول الإمام علي : ((علموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به, لا تغلب عليهم المرجئة برأيها)). فالاختلاط مع أصحاب الأفكار خاصة إذا لم يكن بعد حصانة تامة، لابد أن يؤثر على فكر الإنسان. فإن كان أولئك من أهل الشك فإن جزءاً من شكوكهم ستنتقل إليه أراد أم لم يرد. لذا قال الإمام علي : ((خلطة أبناء الدنيا تشين الدين وتضعف اليقين)).
ومرافقة الشكاكين لا تقتصر مصاديقها على الصحبة الاجتماعية، وإنما تشمل أيضاً الانفتاح اللامحدود على مستوى المطالعة العلمية، حيث يحصل في كثير من الأحيان أن المثقف يقتصر في مطالعاته على الكتب النقدية المثيرة للجدل والشكوك، ويهمل الكتب اليقينية المؤسسة للقيم والأفكار، وقد يكون إهماله أحياناً دون سابق قصد. وآنئذ لابد أن يكون لذلك أثر سلبي.
2- المرور السطحي على الفكرة:
في كثير من الأحيان تنشأ الشكوك وتتنامى إذا مر الإنسان على الفكرة ولاحت له إشكالات، لكنه مع ذلك لم يتعمق فيها ويبحث في أصولها، وإنما ترك تلك الإشكالات وشأنا، فإنها مع الزمن تتحول إلى شكوك. ولو أن من تحدث لديه مثل هذه الحالة يلبث مكانه ويتعمق في الفكرة طويلاً ويراقب مبانيها ومبادئها، فإنه لا محالة سيحصل عنده يقين إما قبولاً أو رفضاً. وأظن أن أغلب الشكوك التي تنشأ في الساحة الثقافية والاجتماعية هي من هذا القبيل، حيث إن أغلب الناس ليسوا من أهل البحث والتحقيق، ولهذا فإنهم يكتفون بما يخطر عليهم إما سماعاً أو مطالعة. لهذا فإن الإنسان العاقل مدعو لعدم إفساح المجال للشك كي ينمو. يقول الإمام علي : ((لا ترتابوا فتشككوا فتكفروا)).
3- الإحباطات العامة:
حيث يلاحظ من خلال الاستقراء أن العديد من التشكيكات إنما تقفز إلى السطح في زمن الإحباطات. فالإنسان حين يحبط إما نفسياً أو اجتماعياً، فإنه بدلاً من أن ينظر إلى نفسه علّه يجد العجز الحقيقي فيها، يتجه إلى التشكيك فيما حوله علّه يجد مبرراً يرفع عن كاهله المسؤولية. ولعل هذه الحالة هي جزء من نرجسية الإنسان حيث لا يقبل بتوجيه الإشكالات إليه فيوجهها إلى كل من حوله أشخاصاً وأفكاراً. هذه الأمور الثلاثة جذور واقعية لحصول الشك عند الإنسان، ولأن الدين يرفض الشك فقد سعى لمعالجة هذه الجذور قبل كل شيء، فهو من جانب دعا للتفاؤل وذلك لكسر الإحباطات وتجاوزها، التفاؤل بالاعتماد على الله سبحانه وتوقع الخير في كل حين, قال تعالى: ﴿ ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ﴾, و ﴿ ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ﴾.
فالدين دعا للتفاؤل من خلال التوكل على الله سبحانه والأمل في حصول الخير قريباً، وكل ذلك لتجاوز الإحباطات التي تسبب في حال تناميها العديد من الشكوك. وهذا هو السر في العلاقة بين التوكل واليقين الذي طالما لهجت به الروايات كقول الإمام علي : ((التوكل من قوة اليقين)). هذا من جانب، ومن جانب آخر أوصى بمرافقة المؤمنين كي يستغني بهم الإنسان عن رفقة أهل الشك.
ومن جانب ثالث أوصى ـ بل أمر ـ الدين بقطع الشك من بدايته، حتى لا يجد مجالاً للنمو. وذلك ظاهر من سائر النصوص القرآنية والروايات التي سبقت الإشارة إليها. وكل ذلك لكيلا يبقى أثر يذكر للشك، وإنما يبقى القلب سليماً محشواً باليقين الذي يعد العماد الأهم للمحافظة على سلامة مسيرة الإنسان في الحياة والمنهج الأصلح للتفكير.
على هذا يتضح لنا أن المنهج الذي دعا له الدين لصيانة مسيرة التفكير عند الإنسان، هو اليقين المشفوع بالسؤال، لا الشك والتردد. طبعاً ذلك لا يعني أن على الإنسان المؤمن قبول كل ما في المجتمع من قيم وأفكار وممارسات حتى لو كانت خاطئة ـ كما قد يُتوهَّم ـ ، وإنما يعني أن الطريق إلى الحقائق هو اليقين، ومؤداه إما القبول بيقين أو الرفض بيقين أيضاً، لا التردد وافتراض الصحة أو الخطأ.
وتقبلو مني التحيات ..