المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خيانة الوسطاء‏



اريام الدلوعة
11-18-2007, 12:38 PM
خيانة الوسطاء





لماذا اُختصر الموقف الرسمى العربى كله فى تحرك دولتين دون غيرهما فى إدارة شئون المنطقة ، والدولتان لا يخفيان على أحد وهما مصر والسعودية اللذان يعملان ضمن منظومة المصالح الأمريكية ومعلوم أن تحركهما لا يأتى بخير أبدًا ؟!!
أين دور رؤساء وحكومات باقى الدول العربية ؟!!
أين دور دول المغرب العربى ؟!!
وأين صوت القذافى الذى لم نعد نسمع له حسًا منذ سجد سجدة الذل لأمريكا ولم يرفع رأسه بعدها ؟!!
كيف نكون أمة واحدة والمغرب العربى لا يعلم شيئـًا عما يدور فى المشرق العربى والأطراف لا تعلم شيئـًا عما يدور فى القلب ؟!!
أين دور النقابات المهنية والمؤسسات العلمية ودور المفكرين والأدباء وأجهزة الإعلام فى مواجهة كل ما يحدث على الساحة العربية وتحديدًا بخصوص مساندة المقاومة العراقية وما تواجهه سوريا الآن من ضغوط تخر من هولها الجبال ؟!!
لماذا لا ينطق أحدًا بكلمة حق واحدة يبتغى بها مرضات الله ؟!!
لماذا لا يتحرك مسئول إلا بإذن حكومته وكأن حكومته ستشفع له أمام الله ؟!!
ألا يكفى ما حدث للعراق ؟!!
إن سوريا فى أمس الحاجة لكل من يقف إلى جوارها ويساندها فى مواجهة عصابات الشر المتربصة بالأمة وليس كما يتصور البعض بسوريا وحدها ؟!!
هل سنترك الأسد حتى يُخصى ويصبح مثل القذافى أم سنترك سوريا حتى تهلك وتتحول إلى ساحة من الفوضى مثلما هو حادث الآن فى العراق ؟!!
إن من المؤسف حقـًا ألا يجد الشرفاء فى هذا الزمان غير العملاء ليعملوا كوسطاء ما بين الذئب والحمل وما بين الحق والباطل ..
إن النظام المصرى والسعودى بوضعه الحالى لا يصلح لأن يكون ممثلا للحقوق العربية ولا يصلح أى منهما للعمل كوسيط ما بين أمريكا وسوريا ..
إنهم يتفاوضان من أجل ذر الرماد فى العيون العربية ويتفاوضان مع الأسد ويسألانه : من أى الأماكن تحب أن تؤكل ، ثم يعودا إلى أمريكا ويسألاها : ومن أى الأجزاء يحلو لك إلتهام سوريا .. إنهم يمكنون الذئب من الفريسة وينظموا الافتراس ويقننوا الجور وفى حياتهما لم يدفعوا ضررًا عن الأمة ولم يردوا أذى عنها .. كل ما فى الأمر أنهم يرغبوا فى الظهور أمام شعوبهم بأنهم قد فعلوا كل ما فى وسعهم لكن الأعمار بيد الله ولا راد لحكمه !!
كل يوم اجتماعات ومفاوضات ولقاءات ومباحثات والمحصلة دائمًا صفر فعلى باب مكه وشرم الشيخ تعلق لافتة كبيرة لا تقول : (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) ولا تقول : (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله )) ولا تقول : (( واعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم فاحذروه )) ولا تقول : (( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة )) .... وإنما تقول : ( على الضحية الإلتزام بالشرعية الدولية ) !!!..
الشاعر شفيق سلوم ـ وهو من شعراء العامية ـ يقول فى ديوانه "إملالى كاس يا وطن" :


إملالى كاس يا وطن بالمر تانى إملا

سقط العرب فى الحساب والنحو والإملا

ونجحوا فى الصرف لحد ما ضاعت العمله

دايمًا يقولوا لنا كنا وكان ياما كان

السيف وقع من إديهم والفرس جربان

أجادوا لعب الورق وامتازوا فى الكونكان

وجم فى يوم الإمتحان مكونوش جمله !!
هذا هو حالنا ، وفى مثل هذه الظروف يجد الإنسان السوى كل الأمور معكوسة وكل الأشياء مقلوبة وكل الطرق لا تؤدى إلا إلى الهلاك والدمار ..
حكامنا لا يعقدوا قمة من أجل سوريا وإنما يعقدوها من أجل تفجير حافلة ركاب فى تل أبيب !!
بشار المهدد هو الذى يذهب لعبد الله المرفه فى السعودية ثم يعرج إلى شرم الشيخ ـ الممزق ـ ليقابل مبارك ثانى إثنين لم يبخل أحدهما بجهد فى تدمير العراق وأسر صدام وتركيع القذافى ، وهؤلاء هم الوسطاء وتلك هى نتائجهم ... دمار وأسر وتركيع وهوان !!
ولأن هذا هو موقف الحكام فلابد أن يكون ذلك هو موقف الإعلام التابع لهم .. كل الجرائد اليوم تحدثنا وكثير من وسائل الإعلام عن جرائم الأسد وكبته للحريات ، وهذا يذكرنا بما سبق وقالوه عن صدام وجرائم صدام ..
لماذا لا نذكر جرائم الضحايا إلا عند الغضب الأمريكى ؟!!
لماذا لم نتذكر جرائم صدام ـ إن كانت له جرائم ـ إلا عند مواجهته لأمريكا وكان من قبل بطل القادسية وحامى البوابة الشرقية ؟!!
ولماذا لم نتذكر جرائم الأسد ـ إن كانت له جرائم ـ إلا عندما توجهت السهام تجاه قلبه وكنا من قبل أصحاب وأحباب وإلى عهد قريب جدًا ... أيام "عاصفة الصحراء" ؟!!
ينبش حكامنا دون حياء بعصا العمالة فى مواضع حياء الأمة وبعد الفضائح يرجعوا كل شئ للقضاء والقدر .. يفعلوا كل ذلك من أجل تعبيد الأرض لفلول الغدر وجيوش الشرك ..
فلسطين ثم أفغانستان ثم العراق ... واليوم سوريا ، وما بين كل دولة وأخرى يجلس الوسطاء ـ وجهًا لوجه ـ على مقاعد الحكم لإلتقاط الأنفاس وانتظار التعليمات الجديدة من أجل التحرك نحو الضحية القادمة ، ويوم تخلو الساحة العربية إلا من مصر والسعودية سينظر مبارك وعبدالله للجلاد الأمريكى ويسألاه معًا : من منا سيحظى بشرف النفس الأخير ويكون "الوسيط" !!
يا لهوان الحاضر ..
ويا لسواد المستقبل ..
ويا لضياع الكنز الذى ورثناه والطوق الذى فيه النجاه ..
يقول رسولنا الكريم : (( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدًا : كتاب الله وسنتى )) ويأبى الوسطاء إلا أن يقولا فى نفس واحد : لا .. بل سنتمسك بالقرارات الدولية والعلاقات المتميزة مع أمريكا لا بالكتاب ولا السنة .. سنأوى إلى جبل الشرعية الدولية الذى سيعصمنا من الماء وسنساند بكل ما نملكه من جهد وأموال وأبناء فى مساندة من يعز ويذل فى الدنيا وسنترك أمر الآخرة لرب غفور رحيم قال لنا : (( إلا أن تتقوا منهم تقاة )) .. وها نحن نتقى الأضرار بالتسامح والأخطار بالتنازل والحروب بالتفريط !!
فلتكف الأقلام عن العبث بعورات سوريا ، فعورات النظام السورى لا تقاس إذا ما قورنت بعورات من حولها .. سوريا هى الشوكة الوحيدة الباقية فى حلق إسرائيل وهى التى يعيش شعبها فى رباط منذ عقود من السنين .. سوريا لا تحتاج منا إلى فتح الملفات القديمة وإنما تحتاج منا إلى مواقف الإسلام العظيمة ..
إننا بتهجمنا على النظام السورى نخدم الأعداء من حيث لا ندرى لأننا نسلب من سوريا التعاطف العربى التى هى فى أمس الحاجة إليه .. لا يُعقل أن نترك النار مشتعلة فى البيت السورى ونظل نردد أن صاحب البيت قديمًا فعل كذا وكذا .. إن للنقد أوقات وللمساندة أوقات وللنصح والإرشاد أوقات ... لا يجب أن نترك الجسد ينزف دون إسعاف تشفيًا فى مواقف قديمة الله أعلم بصحتها ودوافعها . يقول رسولنا الكريم : (( أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا )) ولم يقل أنصره مظلومًا وأتركه ظالمًَا .
إن سوريا لم تعتدى على أحد ولم تحتل بلاد أحد .. هى التى يعتدى عليها وهى التى لها أراضى محتلة .. ليس فى سوريا أسلحة دمار ـ وياليت بها ـ وليس فيها من يساند الإرهاب وإنما فيها من يساند المقاومة ، وإذا كان الغرب لا يفهم ذلك فما هو عذر حكامنا ؟!!
الغرب حتى الآن لا يريد أن يُعرف الإرهاب رغم عشرات المؤتمرات التى أقيمت من أجل محاربة الإرهاب لأن مصلحة الغرب تكمن فى خلط الأوراق وعدم التفريق ما بين المقاومة والإرهاب .
ومن فضل الله علينا ورحمته بنا أننا مازلنا بخير ولا نعيش الكارثة كاملة وإنما نعيش جزء منها ، فما نعيشه يمثل مقدمات حقيقية للكارثة الكبرى التى تنتظر أمتنا العربية والإسلامية إن لم يتغمدنا الله برحمته ... إننا مازلنا فى المراحل التى تمكننا من تصحيح الأوضاع ومعالجة الأخطاء شريطة أن ننحى الخونة والعملاء ، فلا يعقل أن نترك مصير الأمة مرهونـًا بيد حسنى وعبدالله ، ولا يعقل أن تنجح أمريكا لكونها امتلكت نظامين عميلين فى المنطقة أصبحا يعملان جهارًَا نهارًا لخدمة كل ما يكيد للإسلام وأهله !!
لقد تحولت عواصمنا العربية فى الفترة الأخيرة ـ بسبب سياسة حكامنا ـ إلى ما يشبه الجزر المعزولة والمستباحة يتجول فيها من يشاء وقتما يشاء دون إذن أو حياء .. يحدث ذلك فى العراق والسودان واليمن ولبنان ومصر وكثير من العواصم العربية ، وهذا أمر ترفضه حتى الكلاب ، فالكلاب تقاتل بشراسة للزود عن مناطق نفوذها ومنع الغرباء من المرور من أمامها ، فما بال قادتنا وقد تحولوا إلى سجاد أحمر يداس عليه فى المطارات العربية بالأحذية والنعال من أجل البقاء على كراسى الحكم !!
بسبب حكامنا يحق لنا كشعوب أن نحزن ونخفض رؤوسنا بين الأمم لكوننا صبرنا على هؤلاء الخنازير !!
يعلم العالم كله أن المنطقة العربية كلها ليس فيها حاكمًا واحدًا يحاول استخلاص العبر والدروس من بين كل الأحداث التى تموج بها المنطقة .. لا يوجد حاكم واحد يبحث للأمة عن مخرج ويأخذ بها إلى بر النجاة ، والمشكلة الحقيقية أن حكامنا لا يعلمون أن الخطر محدق بالجميع لا فرق بين حاكم ومحكوم .. ياسر عرفات مات مسمومًا .. صدام حسين عاش مأسورًا .. بشار الأسد يعيش محاصرًا ، فأى شئ هذا الذى يطمئن الحاكم ويجعله ينام قرير العين ؟!!
كان الأجدر بحاكم السعودية أن يجمع دول منظمة العالم الإسلامى لا من أجل إدانة الإرهاب وإنما من أجل الوقوف إلى جانب سوريا .. كان عليه أن يجعل بيان مكة لخدمة الإسلام وليس الأعداء .. كان بإمكانه أن يعكس الإتجاه الذى سار عليه هو ومبارك زمنـًا طويلاً وينقلبوا مع المؤتمرين على تلك الدمى الغربية التى يخشونها أشد من خشيتهم لله .. كان عليهم رفع راية العصيان والتحدى والوقوف إلى جانب سوريا والعمل على إنهاء الوجود الصليبى على حدود المملكة ومساندة المقاومة العراقية وتأييد الحقوق المشروعة لشعب فلسطين وتأييد البرنامج النووى الإيرانى وفتح صفحة جديدة فى العلاقات الدولية لمن يريد أن يتعامل مع الأمة على هذه الأسس والمبادئ ..
ولأن شئ من ذلك لم يحدث فعلى الجميع أن يتوقع مزيدًا من الكوارث والمحن وزيادة جرعة الإهانة والاستهانة التى نلقاها من الغرب وزيادة نهب الثروات والخيرات وأكل حقوقنا بالباطل ، ومن الغريب والمؤسف حقـًا أن يوجد من المشايخ والعلماء ـ رغم كل هذه الأجواء الملبدة بالمصائب والمحن ـ من يطالبنا بطاعة أولى الأمر وعدم شق الصف عليهم ، وكان الأجدر بهم أن يكونوا أول من ينادوا بعزل الحكام والخروج عليهم بعدما تبين لهم أن كل ما فى الأوطان صار معرضًا للخطر .. الإنسان والمقدسات والحاضر والمستقبل والكبير والصغير والعالم والجاهل والحاكم والمحكوم ، فأى بلاء يمكن أن يكون أشد من هذا البلاء ؟!!
دول مهلهلة..
وأنظمة فاسدة ..
وثروات منهوبة ..
وشعوب مقهورة ..
وحقوق مهدرة ..
فما الذى يجعلنا نبقى الأنظمة ؟!!
يقول لنا العلماء لا يجوز شرعًا الخروج على الحاكم مهما كانت الأسباب ، وحجتهم فى ذلك أن الخروج على الحاكم يسبب الكوارث والفتن ويلحق الضرر بالوطن ، ولم ينظروا لحجم الكوارث والفتن التى لحقت بهذا الوطن على يد هؤلاء الحكام ..!!
إن الخوف من المجهول يجب ألا يمنعنا من مقاومة ما هو معلوم ، ولابد من الخروج على الأنظمة وإقصاء هؤلاء الحكام الخونة ، فلا توجد فتن أكثر من التى نحياها ولا توجد كوارث يمكن أن تحدث وتكون فى حجم الكوارث التى أوجدها الحكام لنا ، وإن لم نخرج عليهم فى الدنيا فهل سنخرج عليهم فى الآخرة ؟!!
إن أكثر علماء هذا الزمن الغابر تربوا على موائد السلطان ، فكيف نثق فى فتواهم وهم جزء من هذا النظام ؟!! ... والفتوى حتى وإن خرجت من فم عالم إن لم تكن جديرة بالاحترام فلا يمكن أن يلتزم بها مسلم عاقل ، وقد نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : (( استفت قلبك ولو أفتوك )) ولا محل هنا للإلتزام بفتاوى تصب فى صالح الحاكم ولا تصب فى صالح الوطن والمواطن .