لحن الخلود
11-18-2007, 04:46 AM
الكاتب زكي ابراهيم السالم ---
الحلقه الاولى
بداية وقبل أن أُتهم باتهامات أزعم إنها باطلة ومتجنية أقول إنني أثمن الدور الفاعل والكبير الذي يضطلع به كثير من إخوتنا وأبنائنا الرواديد فهم بلا شك خدموا وما زالوا يخدمون المذهب وأسهموا بشكل قوي في إلهاب المشاعر الملتهبة أصلا والمتأججة تجاه ما تعرض له أهل بيت العترة من ظلم ومصائب وويلات من خلال بعث آلامهم والعزف على أوتار جراحهم لتظل نازفة راعفة في جسد الأمة لتتلمسه بين الحين والآخر فتحس به وتتوجع لتبقى جذوته متوقدة في أذهانهم على الدوام..
ولكن وأعوذ بالله من «لكن» خرج علينا في الآونة الأخيرة رواديد لم ينزل الله بهم من سلطان ابتعدوا بما يقدمونه عن هذا النهج القويم فجنحوا إلى قوالب وأطوار لا تمت بصلة لما يريده منا أهل البيت ..
فمع انتشار هذه القنوات الفضائية وحاجتها الملحة والكبيرة لملء ساعاتها بما هب ودب سعت سعيها الدؤوب وناصبت جهدها الجهيد لبث أناشيد ومواليد ولطميات أقل ما توصف أنها أدخلتنا بشكل مباشر أو غير مباشر للأغاني وأطوارها كما أسماها سماحة العلامة الفاضل السيد منير الخباز في نقده لهذه الظاهرة الغريبة..
فالمتتبع لهذه القنوات لا يجد صعوبة في ملاحظة هذا المنحى الذي نحاه بعض الرواديد فمن متنغم ومتمايل بألحان تماثل إلى حد كبير ألحان الغناء، إلى آخر لم يُتعب نفسه في تلحين قصيدته بل لجأ ومباشرة إلى ألحان غنائية وأخذها عنوة وبلا استئذان من أصحابها وبدأ في تسجيلها لتتلقفها منه هذه القنوات وتبثها على الملأ حتى وإن دخلت فيها الموسيقا - والتي يندر أن تجد رادوداً لم يُدخلها في وصلته - ولستُ أدري هل سأل هؤلاء عن شرعية هذه الموسيقا فإن كانت شرعية فما الفرق بين سماعها من مغنيها الأصلي أو من رادود حسبها على أهل البيت وقذفها في أسماعنا دون استئذان منا.. وإلا «هواوين في سطح واحد» كما يقول المرحوم الوائلي..
هذا من جهة وأما من جهة أخرى فهذا التمايل والتراقص والتنطيط الذي يمارسه هؤلاء الرواديد لدرجة أنني دعوتُ ومن زمن بعيد إلى ضرورة مراجعتهم مصحات نفسية للكشف عن صلاحية عقولهم.. ولا أرى في ذلك عيباً أو ضرراً فالمريض يراجع الطبيب ليصلح ما أفسده الدهر من عقله، وإلا بربك ما تفسير هذه الظواهر التي شاهدتها بأم وخالة عيني في كثير من الاحتفالات فقد رأيت أحدهم يتنطط وسط الناس كالسعادين ويقفز قفز مودع دون خوف من سقوط أو هوية على رؤوس عباد الله..
وفي احتفال آخر والذي تشرفتُ بالمشاركة فيه شاهدتُ أحدهم يفتر وينبرم ويخبط برجليه ويتمضرع بيديه ويصرخ في وجوه الناس قائلاً لهم: أنتم لستم شيعة ولا علاقة لكم بالتشيع.. لماذا ياحبيبنا؟ قال لأنكم لا تتفاعلون معي ولستُ أدري هل التفاعل معه أصل من أصول الدين ليسقط من لا يعتقد به من المذهب..
وآخر شاهدته أيضاً بأم وعمة عيني يُقسّم الحسينية إلى أقسام ليجعل القسم الأيمن يتأوه بطريقة معينة والأوسط بتأوه ثانٍ والأيسر بتأوه ثالث لا أريد وصفه بمواء القطط.. ويصرخ فيهم هيا رددوا معي.. ويا ويل وسواد ليل من لا يستجيب له فهو خارج بلا محالة من المذهب..
وفي احتفال ثالث شاهدتُ أحدهم بعد أن نقز وصرخ وتمطمط نزل من المنصة وبدأ يجوب بين الناس ليُعطي المايك لهذا وذاك ليُمارس هؤلاء جنونهم بطريقة هستيرية فمن طفل يصرخ في المايك ومن كبير في السن يخرج ويدخل لسانه أي «يتملحس» بعد أن أدى وصلته التي طلبها من هذا الرادود وأصبح الحفل بكل جلاله وهيبته ورفعته بانتمائه للإمام صاحب الليلة أصبح مسخرة ووقعنا معه في هرج ومرج..
ورابعة الأثافىء إن كان لها رابع.. شاهدت بنفس الأم والعمة لعيني أحدهم أوقف الحسينية كلها على رجل وبدأ الحضور في التمايل والتصفيق بطريقة لا أريد وصفها.. بربكم هل هذا ما يريده منا أهل البيت؟..
ولو أردنا الإطناب فسنتوقف عند صورهم التي يلصقونها على أغلفة أشرطتهم فمن مشغول بإخراج ساعته ورزها أمام الناس إلى مشغول بقصته - التي أبقاني الله جلت قدرته لأرى أشكال وألوان القصات التي كنا نراها تُزين رؤوس لاعبي كرة القدم ومغني الروك - عشتُ لأراها تُزين بعض ولا أقول كل بل بعض رواديدنا ومن أراد التأكد فليشاهد كليباً يُبث الآن على إحدى قنواتنا الفضائية.فهل هذا ما يُريده منا أهل البيت.
وللحديث بقية..
الحلقه الثانيه
ولن أطنب في الحديث عن الاشتراطات المالية التي يشترطها البعض ليتكرم ويتلطف علينا بمشاركتنا احتفالنا، ففي قريتي الصغيرة استدعى الإخوة أحد الرواديد المشهورين فاشترط الأخير عليهم أن يضعوا في حسابه مبلغاً معيناً قبل أن يغادر بلدته وإلا لن يأتي وفعلا هذا ما حصل..وأخبرني أحد الإخوة الشعراء الذين يكتبون لرادود شهير – والعهدة عليه - أن هذا الأخير استلم عن شريط من أشرطته التي أنتجها مبلغ 80000 دينار كويتي أي ما يعادل 900000 ريال والحسبة عليكمفعلا مبلغ كويس أوي لا يأخذه عتاة ومردة المغنين فهل هذا ما يريده من أهل البيت؟
ولن أجدني متجنياً إن قلتُ إنني شاهدتُ بعضهم وفوجئت بلون براطمه الشاحبة فقد تعودتُ أن أراها تلفزيونياً بلون الطماطم البلدي مشبعة بالحمرة وزالت مفاجئتي طيبة الذكر عندما أخبرني أحد المؤمنين الثقاة في معرفة البراطم وما يجري عليها وما يعرج فيها بقوله: إنه يستخدم ملوناً خفيفاً تستخدمه النساء عادة أي كما تفعل المغنيات «فرد شكل».. فهل هذا ما يريده منا أهل البيت؟..
ولن أتحدث بتفصيل ممل عن رسائل sms التي تتناقز على شاشة التلفزيون مثل «فور علوز» والتي أفردت لها إحدى فضائياتنا ثلاثة خطوط، ولن تكون نوعية ما يُكتب فيها أسوأها فالمار عليها مرور الكرام سيجد العجب العجاب وخاصة من قبل أخواتنا المؤمنات الفاضلات فهذي تُسمي نفسها «عاشقة فلان» وتلك «متيمة علان» وأخرى «منحورة....» وهكذا دواليك.. حتى بلغ بنا الأمر أن ننشر أسرارنا العائلية على هذا الشريط.. وأن نرسل القبلات لبعضنا البعض من خلاله وعلى عينك يا تاجر.
ولن أكون مجانباً الصواب لو انتقدت الطريقة السمجة والاستجداء من الناس رشحوا هذا وصوتوا لهذا مع وعود ومواثيق بجوائز قيمة إن فزتَ معهم وبمعنى آخر تدفع من جيبك ومن قوت عيالك أموالاً مؤكدة باحتمال فوز ضعيف.. ولست أدري هل هذا جائز شرعا.. طبعا لا نناقش هنا أحقية هذه القنوات في دعمها مادياً لتقف على رجليها ويُكتب لها النجاح والاستمرار ولكن ليس بطريقة الاستجداء والوعود المخملية البراقة بل بحث الناس حثاً رقيقاً رفيقاً وتسهيل طرق الدعم أمامهم وأنا الزعيم بأنهم سيبذلون ما يستطيعونه، فحبُ الخير متأصل في نفوس شيعة أهل البيت.
ولنعد مرة أخرى للرواديد فنتحدث عن تلك الابتسامات التي تشطر وجوههم نصفين وهم يُنشدون المراثي واللطميات على أبي الشهداء عليه السلام فهل تجدها مناسبة أن نتحدث عن جوانب من مصرعه الشريف بابتسامة تعلو محيانا كأننا نغرد في عُرس.. فهل هذا ما يريده منا أهل البيت؟
حتى وصل بنا الأمر لجلب ممثلين يعلم الله وحده تاريخهم الأسود وإقحامهم بفيديو كليب عن سيد الشهداء وهم يتباكون ويعتصرون أنفسهم «تمثيلاً طبعا» لمصاب الحسين.. سؤالي هنا هل هذا المصاب لا يصل قلوب الناس إلا بهذا الممثل، تذكرتُ هنا قراراً في هوليود يشترط على من يمثل شخصية المسيح أن لا يكون مارس التمثيل قبلها ولا يمارسه بعدها لكي يضمنوا ألا تُخدش شخصية المسيح بممثل له تاريخ أسود ماض أو لاحق.. ولكم أن تتصوروا لو مثل شخصية الإمام الحسين عليه السلام شخص تافه كعادل إمام – لا سمح الله - فهل سنقتنع نحن به يؤدي هذا الدور أم سننتفض ونرفضه رفضاً قاطعا، وكل ما أخشاه أن ننحدر لهذا المستوى لأن مبدأ جلب ممثل سوري شهير ودحشه دحشاً بفيديو كليب لرادود شهير أيضاً هو استغلال شهرته ومعرفة الناس به، فمن يضمن ألا ننـزلق لمن يفوقه ابتذالاً وفسقا وبعدا عن الله وندفع له أموالاً لينير كليبنا..
أقول إنني كما كررتُ مسبقاً لا أنكر الدور الايجابي الذي يقدمه خدام الحسين والرواديد بالذات وأنا هنا لا أنتقدهم وجوداً ولا أرومُ إلغاءهم ولكني أتحدث عن شريحة منهم بدأت تطفو على السطح في حين يرسب من هو أكفأ منها ديناً ووعياً وتمسكاً بنهج أهل البيت القويم..
لعل إيراد هذه الأمثلة كان مفاجئة للبعض وتجريحاً ونشر غسيل للبعض الآخر، أو ربما يوسمها آخر بأنها لم ترق لمستوى الظاهرة بعد.. ولكني على المستوى الشخصي ولطبيعة مشاركاتي الاحتفالية في الأحساء والدمام والقطيف والبحرين أكادُ ألمسها متربعةً في كل هذه الأماكن ويندر أن تجد حفلاً هنا أو هناك لا تتضمن فقراته رادوداً هو في أمس الحاجة لزيارة طبيب نفسي حتى حدا بشاعر عملاق من شعرائنا أن ينظم قصيدة يُعالج فيها بعضاً من هذه الظاهرة ويُصدّرها بهذا البيت:
خَلِّ الحفلْ يالشاعر المقرودْ للشيخ نص، ونص للـرادود
أما من جهة بعدها الديني فلستُ هنا لأناقشها من هذا الجانب ولستُ مضطراً أيضاً لاستعراض آراء فقهائنا الأجلاء فيها لأني لم أتناولها من هذا البعد ومن أراد ذلك فليذهب لمظانـها في مواقع سادتنا ومراجعنا العظام وسيرى الرأي التفصيلي حولها وحكم ألحان الغناء المستخدمة وما إلى ذلك..ما يُهمني هنا هو البعد الشكلي والضمني للقضية حتى وإن كانت هذه الألحان وهذه النغمات في تناول مصاب الحسين جائزةًً شرعاً فلن يكون هذا الجواز شافعاً لها لنيل رضانا، فليس كل ما هو مجاز شرعاً تعمله الناس، فعندنا شرعاً مثلاً أن عورة المحارم هي من السرة إلى الركبة فقط فهل نعيش نحن هذه الحالة بحيث أن الأخت تجلس مع أخيها ساترةً هذه المنطقة فقط وتطلق الريح للباقي وهو جائز بانتفاء الريبة والتلذذ.. طبعاً لا، أيضا «ولا يزعل الحمار» فأكل لحمه جائز شرعاً هنيئا مريئا.. ولكن من منّا فكر في اصطياد حمار شهي وافتراسه أو شويه على الكورنيش..
أحبتي.. ربما كان النقد قاسياً، وربما كان الهمس عاليا، وربما كان النسيم عاتيا ولكن يعلم الله بالنيات.. فبزعمي أن الضربة الموجعة واللسعة اللاذعة هي الوصفة الناجعة بل الوحيدة لكثير من العلل.. ولو رأيتَ ابنك في طريقه للسقوط من مكان عالٍ فستجذبه من ذراعه حتى لو انخلع.. نحن هنا لا نتحدث عن مشكلة اجتماعية أو خلافٍ في وجهات نظر حيال قضية أدبية أو فنية.. إذ لو كان الأمر كذلك لهان علينا صعبُه وفتر ندبه، ولكننا نخوض غمار قضية متعلقة تعلقاً مباشرا بمسألة العقيدة وما تربينا عليه..
هؤلاء الرواديد لا يُنشدون أو يتداولون ألحاناً في عشق أو حب أو ما شابه ذلك هؤلاء يعزفون وتر أبي عبد الله الحسين ويتغنون باسمه، ويصدحون بمصابه وينكؤون جرحه.. هؤلاء يتحسسون مشاعر شيعةٍ تبحثُ عن أي سبيل يوصلهم إلى الحسين عليه السلام.. فلو انحصر هذا السبيل في نغم راقص أو رادود برجليه فاحص فسيكون تعلقهم أوهن من بيت العنكبوت إذ لم يُبنَ على أساس متين من فكرٍ راقٍ وقراءة متأنية متفحصة وعقيدة تُزرع في قلوبهم زرعاً لتنبت مع الزمن حديقةً غناء من المودة والولاء والعشق الأزلي والذوبان إلى درجة الانصهار في الحسين.. وهنا يأتي دور سادتنا طلبة العلم للتصدي والأخذ على يد كل من تسول له نفسه أن يعبث في هذا المقدس.. أو حتى يدنو منه.. فتحرك طلبة العلم في هذا الجانب لم يكن بالمستوى المطلوب مع كل أسف.
ولن يُقنعني تعليلٌ يتكرر بأن هذه الألحان والنغمات أبعدت الناس عن الغناء.. فبزعمي أن هذه الأناشيد قربتهم من الغناء وسهلت عليهم مطلبه ورققت خشنه.. كان الناس إلى عهد قريب يجلسون أمام التلفزيون والريموت بأيديهم خوفاً من موسيقا عابرة أو لحن طافر فيبادروا بكتمه.. أما الآن فلا نستطيع أن نجبر أبناءنا ألا يقتنوا أشرطة تعج بالموسيقا من أولها لآخرها.. وإن اعترضنا قيل لنا هذا لطم هذه مواليد فننطم..
ربما نكون متخلفين وغارقين في تخلفنا لأننا نشأنا مع رواديد كحمزة الصغير وياسين الرميثي وأضرابهما، كنا صغارا لا نعي كثيرا مما يقولون بيد إننا لا نستطيع حبس دمعة تصارعنا أو عبرة تخنقنا.. ولقد شاهدتُ وأنا في سن مبكرة كيف كان آباؤنا يغادرون مجلس العزاء لينخرطوا في بكاء هستيري من شدة التفاعل مع العزاء وكثرة التأثر من لحن شجٍ عبر بهم كل المسافات ليستقر في عرصة كربلاء وسلط الضوء على ما يغلي هناك.. هكذا كانتْ رسالة العزاء وهكذا كانوا يتمتعون بعقيدة لا تزلزلها الرواسي..
منقول
الحلقه الاولى
بداية وقبل أن أُتهم باتهامات أزعم إنها باطلة ومتجنية أقول إنني أثمن الدور الفاعل والكبير الذي يضطلع به كثير من إخوتنا وأبنائنا الرواديد فهم بلا شك خدموا وما زالوا يخدمون المذهب وأسهموا بشكل قوي في إلهاب المشاعر الملتهبة أصلا والمتأججة تجاه ما تعرض له أهل بيت العترة من ظلم ومصائب وويلات من خلال بعث آلامهم والعزف على أوتار جراحهم لتظل نازفة راعفة في جسد الأمة لتتلمسه بين الحين والآخر فتحس به وتتوجع لتبقى جذوته متوقدة في أذهانهم على الدوام..
ولكن وأعوذ بالله من «لكن» خرج علينا في الآونة الأخيرة رواديد لم ينزل الله بهم من سلطان ابتعدوا بما يقدمونه عن هذا النهج القويم فجنحوا إلى قوالب وأطوار لا تمت بصلة لما يريده منا أهل البيت ..
فمع انتشار هذه القنوات الفضائية وحاجتها الملحة والكبيرة لملء ساعاتها بما هب ودب سعت سعيها الدؤوب وناصبت جهدها الجهيد لبث أناشيد ومواليد ولطميات أقل ما توصف أنها أدخلتنا بشكل مباشر أو غير مباشر للأغاني وأطوارها كما أسماها سماحة العلامة الفاضل السيد منير الخباز في نقده لهذه الظاهرة الغريبة..
فالمتتبع لهذه القنوات لا يجد صعوبة في ملاحظة هذا المنحى الذي نحاه بعض الرواديد فمن متنغم ومتمايل بألحان تماثل إلى حد كبير ألحان الغناء، إلى آخر لم يُتعب نفسه في تلحين قصيدته بل لجأ ومباشرة إلى ألحان غنائية وأخذها عنوة وبلا استئذان من أصحابها وبدأ في تسجيلها لتتلقفها منه هذه القنوات وتبثها على الملأ حتى وإن دخلت فيها الموسيقا - والتي يندر أن تجد رادوداً لم يُدخلها في وصلته - ولستُ أدري هل سأل هؤلاء عن شرعية هذه الموسيقا فإن كانت شرعية فما الفرق بين سماعها من مغنيها الأصلي أو من رادود حسبها على أهل البيت وقذفها في أسماعنا دون استئذان منا.. وإلا «هواوين في سطح واحد» كما يقول المرحوم الوائلي..
هذا من جهة وأما من جهة أخرى فهذا التمايل والتراقص والتنطيط الذي يمارسه هؤلاء الرواديد لدرجة أنني دعوتُ ومن زمن بعيد إلى ضرورة مراجعتهم مصحات نفسية للكشف عن صلاحية عقولهم.. ولا أرى في ذلك عيباً أو ضرراً فالمريض يراجع الطبيب ليصلح ما أفسده الدهر من عقله، وإلا بربك ما تفسير هذه الظواهر التي شاهدتها بأم وخالة عيني في كثير من الاحتفالات فقد رأيت أحدهم يتنطط وسط الناس كالسعادين ويقفز قفز مودع دون خوف من سقوط أو هوية على رؤوس عباد الله..
وفي احتفال آخر والذي تشرفتُ بالمشاركة فيه شاهدتُ أحدهم يفتر وينبرم ويخبط برجليه ويتمضرع بيديه ويصرخ في وجوه الناس قائلاً لهم: أنتم لستم شيعة ولا علاقة لكم بالتشيع.. لماذا ياحبيبنا؟ قال لأنكم لا تتفاعلون معي ولستُ أدري هل التفاعل معه أصل من أصول الدين ليسقط من لا يعتقد به من المذهب..
وآخر شاهدته أيضاً بأم وعمة عيني يُقسّم الحسينية إلى أقسام ليجعل القسم الأيمن يتأوه بطريقة معينة والأوسط بتأوه ثانٍ والأيسر بتأوه ثالث لا أريد وصفه بمواء القطط.. ويصرخ فيهم هيا رددوا معي.. ويا ويل وسواد ليل من لا يستجيب له فهو خارج بلا محالة من المذهب..
وفي احتفال ثالث شاهدتُ أحدهم بعد أن نقز وصرخ وتمطمط نزل من المنصة وبدأ يجوب بين الناس ليُعطي المايك لهذا وذاك ليُمارس هؤلاء جنونهم بطريقة هستيرية فمن طفل يصرخ في المايك ومن كبير في السن يخرج ويدخل لسانه أي «يتملحس» بعد أن أدى وصلته التي طلبها من هذا الرادود وأصبح الحفل بكل جلاله وهيبته ورفعته بانتمائه للإمام صاحب الليلة أصبح مسخرة ووقعنا معه في هرج ومرج..
ورابعة الأثافىء إن كان لها رابع.. شاهدت بنفس الأم والعمة لعيني أحدهم أوقف الحسينية كلها على رجل وبدأ الحضور في التمايل والتصفيق بطريقة لا أريد وصفها.. بربكم هل هذا ما يريده منا أهل البيت؟..
ولو أردنا الإطناب فسنتوقف عند صورهم التي يلصقونها على أغلفة أشرطتهم فمن مشغول بإخراج ساعته ورزها أمام الناس إلى مشغول بقصته - التي أبقاني الله جلت قدرته لأرى أشكال وألوان القصات التي كنا نراها تُزين رؤوس لاعبي كرة القدم ومغني الروك - عشتُ لأراها تُزين بعض ولا أقول كل بل بعض رواديدنا ومن أراد التأكد فليشاهد كليباً يُبث الآن على إحدى قنواتنا الفضائية.فهل هذا ما يُريده منا أهل البيت.
وللحديث بقية..
الحلقه الثانيه
ولن أطنب في الحديث عن الاشتراطات المالية التي يشترطها البعض ليتكرم ويتلطف علينا بمشاركتنا احتفالنا، ففي قريتي الصغيرة استدعى الإخوة أحد الرواديد المشهورين فاشترط الأخير عليهم أن يضعوا في حسابه مبلغاً معيناً قبل أن يغادر بلدته وإلا لن يأتي وفعلا هذا ما حصل..وأخبرني أحد الإخوة الشعراء الذين يكتبون لرادود شهير – والعهدة عليه - أن هذا الأخير استلم عن شريط من أشرطته التي أنتجها مبلغ 80000 دينار كويتي أي ما يعادل 900000 ريال والحسبة عليكمفعلا مبلغ كويس أوي لا يأخذه عتاة ومردة المغنين فهل هذا ما يريده من أهل البيت؟
ولن أجدني متجنياً إن قلتُ إنني شاهدتُ بعضهم وفوجئت بلون براطمه الشاحبة فقد تعودتُ أن أراها تلفزيونياً بلون الطماطم البلدي مشبعة بالحمرة وزالت مفاجئتي طيبة الذكر عندما أخبرني أحد المؤمنين الثقاة في معرفة البراطم وما يجري عليها وما يعرج فيها بقوله: إنه يستخدم ملوناً خفيفاً تستخدمه النساء عادة أي كما تفعل المغنيات «فرد شكل».. فهل هذا ما يريده منا أهل البيت؟..
ولن أتحدث بتفصيل ممل عن رسائل sms التي تتناقز على شاشة التلفزيون مثل «فور علوز» والتي أفردت لها إحدى فضائياتنا ثلاثة خطوط، ولن تكون نوعية ما يُكتب فيها أسوأها فالمار عليها مرور الكرام سيجد العجب العجاب وخاصة من قبل أخواتنا المؤمنات الفاضلات فهذي تُسمي نفسها «عاشقة فلان» وتلك «متيمة علان» وأخرى «منحورة....» وهكذا دواليك.. حتى بلغ بنا الأمر أن ننشر أسرارنا العائلية على هذا الشريط.. وأن نرسل القبلات لبعضنا البعض من خلاله وعلى عينك يا تاجر.
ولن أكون مجانباً الصواب لو انتقدت الطريقة السمجة والاستجداء من الناس رشحوا هذا وصوتوا لهذا مع وعود ومواثيق بجوائز قيمة إن فزتَ معهم وبمعنى آخر تدفع من جيبك ومن قوت عيالك أموالاً مؤكدة باحتمال فوز ضعيف.. ولست أدري هل هذا جائز شرعا.. طبعا لا نناقش هنا أحقية هذه القنوات في دعمها مادياً لتقف على رجليها ويُكتب لها النجاح والاستمرار ولكن ليس بطريقة الاستجداء والوعود المخملية البراقة بل بحث الناس حثاً رقيقاً رفيقاً وتسهيل طرق الدعم أمامهم وأنا الزعيم بأنهم سيبذلون ما يستطيعونه، فحبُ الخير متأصل في نفوس شيعة أهل البيت.
ولنعد مرة أخرى للرواديد فنتحدث عن تلك الابتسامات التي تشطر وجوههم نصفين وهم يُنشدون المراثي واللطميات على أبي الشهداء عليه السلام فهل تجدها مناسبة أن نتحدث عن جوانب من مصرعه الشريف بابتسامة تعلو محيانا كأننا نغرد في عُرس.. فهل هذا ما يريده منا أهل البيت؟
حتى وصل بنا الأمر لجلب ممثلين يعلم الله وحده تاريخهم الأسود وإقحامهم بفيديو كليب عن سيد الشهداء وهم يتباكون ويعتصرون أنفسهم «تمثيلاً طبعا» لمصاب الحسين.. سؤالي هنا هل هذا المصاب لا يصل قلوب الناس إلا بهذا الممثل، تذكرتُ هنا قراراً في هوليود يشترط على من يمثل شخصية المسيح أن لا يكون مارس التمثيل قبلها ولا يمارسه بعدها لكي يضمنوا ألا تُخدش شخصية المسيح بممثل له تاريخ أسود ماض أو لاحق.. ولكم أن تتصوروا لو مثل شخصية الإمام الحسين عليه السلام شخص تافه كعادل إمام – لا سمح الله - فهل سنقتنع نحن به يؤدي هذا الدور أم سننتفض ونرفضه رفضاً قاطعا، وكل ما أخشاه أن ننحدر لهذا المستوى لأن مبدأ جلب ممثل سوري شهير ودحشه دحشاً بفيديو كليب لرادود شهير أيضاً هو استغلال شهرته ومعرفة الناس به، فمن يضمن ألا ننـزلق لمن يفوقه ابتذالاً وفسقا وبعدا عن الله وندفع له أموالاً لينير كليبنا..
أقول إنني كما كررتُ مسبقاً لا أنكر الدور الايجابي الذي يقدمه خدام الحسين والرواديد بالذات وأنا هنا لا أنتقدهم وجوداً ولا أرومُ إلغاءهم ولكني أتحدث عن شريحة منهم بدأت تطفو على السطح في حين يرسب من هو أكفأ منها ديناً ووعياً وتمسكاً بنهج أهل البيت القويم..
لعل إيراد هذه الأمثلة كان مفاجئة للبعض وتجريحاً ونشر غسيل للبعض الآخر، أو ربما يوسمها آخر بأنها لم ترق لمستوى الظاهرة بعد.. ولكني على المستوى الشخصي ولطبيعة مشاركاتي الاحتفالية في الأحساء والدمام والقطيف والبحرين أكادُ ألمسها متربعةً في كل هذه الأماكن ويندر أن تجد حفلاً هنا أو هناك لا تتضمن فقراته رادوداً هو في أمس الحاجة لزيارة طبيب نفسي حتى حدا بشاعر عملاق من شعرائنا أن ينظم قصيدة يُعالج فيها بعضاً من هذه الظاهرة ويُصدّرها بهذا البيت:
خَلِّ الحفلْ يالشاعر المقرودْ للشيخ نص، ونص للـرادود
أما من جهة بعدها الديني فلستُ هنا لأناقشها من هذا الجانب ولستُ مضطراً أيضاً لاستعراض آراء فقهائنا الأجلاء فيها لأني لم أتناولها من هذا البعد ومن أراد ذلك فليذهب لمظانـها في مواقع سادتنا ومراجعنا العظام وسيرى الرأي التفصيلي حولها وحكم ألحان الغناء المستخدمة وما إلى ذلك..ما يُهمني هنا هو البعد الشكلي والضمني للقضية حتى وإن كانت هذه الألحان وهذه النغمات في تناول مصاب الحسين جائزةًً شرعاً فلن يكون هذا الجواز شافعاً لها لنيل رضانا، فليس كل ما هو مجاز شرعاً تعمله الناس، فعندنا شرعاً مثلاً أن عورة المحارم هي من السرة إلى الركبة فقط فهل نعيش نحن هذه الحالة بحيث أن الأخت تجلس مع أخيها ساترةً هذه المنطقة فقط وتطلق الريح للباقي وهو جائز بانتفاء الريبة والتلذذ.. طبعاً لا، أيضا «ولا يزعل الحمار» فأكل لحمه جائز شرعاً هنيئا مريئا.. ولكن من منّا فكر في اصطياد حمار شهي وافتراسه أو شويه على الكورنيش..
أحبتي.. ربما كان النقد قاسياً، وربما كان الهمس عاليا، وربما كان النسيم عاتيا ولكن يعلم الله بالنيات.. فبزعمي أن الضربة الموجعة واللسعة اللاذعة هي الوصفة الناجعة بل الوحيدة لكثير من العلل.. ولو رأيتَ ابنك في طريقه للسقوط من مكان عالٍ فستجذبه من ذراعه حتى لو انخلع.. نحن هنا لا نتحدث عن مشكلة اجتماعية أو خلافٍ في وجهات نظر حيال قضية أدبية أو فنية.. إذ لو كان الأمر كذلك لهان علينا صعبُه وفتر ندبه، ولكننا نخوض غمار قضية متعلقة تعلقاً مباشرا بمسألة العقيدة وما تربينا عليه..
هؤلاء الرواديد لا يُنشدون أو يتداولون ألحاناً في عشق أو حب أو ما شابه ذلك هؤلاء يعزفون وتر أبي عبد الله الحسين ويتغنون باسمه، ويصدحون بمصابه وينكؤون جرحه.. هؤلاء يتحسسون مشاعر شيعةٍ تبحثُ عن أي سبيل يوصلهم إلى الحسين عليه السلام.. فلو انحصر هذا السبيل في نغم راقص أو رادود برجليه فاحص فسيكون تعلقهم أوهن من بيت العنكبوت إذ لم يُبنَ على أساس متين من فكرٍ راقٍ وقراءة متأنية متفحصة وعقيدة تُزرع في قلوبهم زرعاً لتنبت مع الزمن حديقةً غناء من المودة والولاء والعشق الأزلي والذوبان إلى درجة الانصهار في الحسين.. وهنا يأتي دور سادتنا طلبة العلم للتصدي والأخذ على يد كل من تسول له نفسه أن يعبث في هذا المقدس.. أو حتى يدنو منه.. فتحرك طلبة العلم في هذا الجانب لم يكن بالمستوى المطلوب مع كل أسف.
ولن يُقنعني تعليلٌ يتكرر بأن هذه الألحان والنغمات أبعدت الناس عن الغناء.. فبزعمي أن هذه الأناشيد قربتهم من الغناء وسهلت عليهم مطلبه ورققت خشنه.. كان الناس إلى عهد قريب يجلسون أمام التلفزيون والريموت بأيديهم خوفاً من موسيقا عابرة أو لحن طافر فيبادروا بكتمه.. أما الآن فلا نستطيع أن نجبر أبناءنا ألا يقتنوا أشرطة تعج بالموسيقا من أولها لآخرها.. وإن اعترضنا قيل لنا هذا لطم هذه مواليد فننطم..
ربما نكون متخلفين وغارقين في تخلفنا لأننا نشأنا مع رواديد كحمزة الصغير وياسين الرميثي وأضرابهما، كنا صغارا لا نعي كثيرا مما يقولون بيد إننا لا نستطيع حبس دمعة تصارعنا أو عبرة تخنقنا.. ولقد شاهدتُ وأنا في سن مبكرة كيف كان آباؤنا يغادرون مجلس العزاء لينخرطوا في بكاء هستيري من شدة التفاعل مع العزاء وكثرة التأثر من لحن شجٍ عبر بهم كل المسافات ليستقر في عرصة كربلاء وسلط الضوء على ما يغلي هناك.. هكذا كانتْ رسالة العزاء وهكذا كانوا يتمتعون بعقيدة لا تزلزلها الرواسي..
منقول