المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا خسرت الامة حينما ولت امرها من لا يستحق



كميل الفضلي
09-06-2007, 09:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا ان هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق والحمد لله الذي جعلنا من الموفين بعهده وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاة امره والقوّام بقسطه ولم يجعلنا من الجاحدين المكذبين بيوم الدين، وصلى الله على رسوله والائمة الميامين من آله وسلم تسليماً كثيراً.

كانت وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الاثنين الثامن والعشرين من صفر على ما هو المشهور فتكون رزية يوم الخميس كما سماه عبد الله بن عباس يوم الرابع والعشرين من صفر أي في مثل يوم امس وكانت رزية حقاً اذا انقطع في ذلك اليوم آخر أمل لتمسك الامة بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الامام والخليفة من بعده واعلنوا معارضتهم الصريحة والواضحة لهذا التعيين لذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لاهل بيته: (انتم المستضعفون بعدي) واوصى امته بهم خيراً ولو كان يعلم ان الامر يؤول اليهم لما احتاج الى الوصية بهم وفي حديث للإمام الصادق (عليه السلام) يعبر فيه عن المه العميق من تضييع الأمة لبيعة يوم الغدير ولحق أمير المؤمنين فيقول: (ان حق الرجل يثبت بشاهدين وقد أضيع حق جدي أمير المؤمنين وعليه سبعون ألف شاهد)، ولا أريد ان أناقش أسباب هذا التضييع وإهمال الأمة لهذا الحق الذي أخذه الله على كل المؤمنين فلهذه المناقشة محل آخر لكنني اعتقد ان أحد هذه الاسباب والذي لا زال في ذهن الناس مما يقلّل من خطورة هذا التضييع هو القصور في فهم النزاع فقد فهموه على انه نزاع بين شخصين هما علي بن ابي طالب (عليه السلام) ومن نازعه الامر فهم لا ينكرون فضل علي (عليه السلام) وسابقته وجهاده وعلمه وقربه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشجاعته وفنائه في الله لكنهم يرون ان المقابل ايضاً من السابقين إلى الاسلام وثاني اثنين اذ هما في الغار وصهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبدري واحدي بل حاولوا تلفيق بعض المناقب ليساووه بامير المؤمنين أو يقتربوا منه (عليه السلام) وازاء هذه المقارنة لم يجدوا المسألة مهمة بهذه الدرجة ولا تستحق ان ينشق المسلمون الى طائفتين عظيمتين ولا جدوى في البحث فيها فقد اكل عليها الدهر وشرب.
ولو فهموها بصورتها الصحيحة لغيروا عقيدتهم ولما وجدوا أي تردد في قبول المذهب الحق لان الخلاف ليس بين شخصين وانما بين مبدأين وخطين كان علي (عليه السلام) رمز الاول ومنافسه رمز الثاني:
الأول: مبدأ وخط رسمه الله تبارك وتعالى خالق السموات والارض العالم بخفيات الامور وبواطن النفوس وبما كان وسيكون واختاره للامة لتصل الى كمالها المنشود وبلّغه رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم الغدير يقف في اول الخط علي بن ابي طالب (عليه السلام) ومن بعده الحسنان سبطا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده الائمة الطاهرون الذين اطبقت الامة على نزاهتهم وعلمهم وتمثيلهم الكامل للشريعة الالهية ومن بعدهم العلماء العارفون الاتقياء الصالحون حتى يرث الله الارض ومن عليها.
الثاني: خط يصنعه البشر باهوائهم واساليبهم الشيطانية من قهر واذلال أو اغراء بالمال أو ظلم وتعسف أو تضليل وتمويه وادعاءات باطلة وكان الآخر راس هذا الخط فقد اختارته قريش -كما يقول الخليفة الثاني- وليس الله الذي اختاره ويتتابع على هذا الخط معاوية الذي يقول: والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولتزكوا وانما لاتأمّر عليكم، ومن بعده يزيد شارب الخمر على منابر المسلمين والذي احرق الكعبة بالمنجنيق وقتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده الاخرون الذين سفكوا الدماء وهتكوا الاعراض ونشروا الفساد وضلّوا واضلّوا (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) وعندما تعرض المقارنة بهذا الشكل ولو استوعبها الصحابة والاجيال جميعاً بهذا الشكل لما ترددوا في الايمان بصحة الخط الاول على انهم غير معذورين من اول الامر لان القرآن صريح (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) وقال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) بل ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه لم يكن له هذا الحق حينما عرض عليه بنو عامر ان يسلموا مقابل ان يجعل لهم الامر من بعده فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس الامر لي وانما هو بيد الله يختار له من يشاء).
ومحل الشاهد اني اعتقد ان طرح الموضوع بهذا الشكل يكون اجدى واوضح ولكي نزيده وضوحاً نطرح سؤالاً وهو ماذا خسرت الامة بتضييعها وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخليفة من بعده ؟ وماذا ترتب على هذا الاهمال من نتائج سلبية ؟ وحينما اتناول هذا البحث فاني لا اريد فقط ان اناقشها كقضية تاريخية وان كانت من الاهمية بمكان لابتناء اصل من اصول الدين وهو اصل الامامة عليها ولكن الذي اريده هي الاستفادة من هذا الدرس واستخلاص العبرة لان الامامة بالحمل الاولي وان كانت مختصة بالاسماء المعينة الا انها بالحمل الشايع اعني النيابة العامة عن الامام وولاية امر المسلمين المتمثلة بالمرجعية الشريفة مستمرة الى ان يرث الارض ومن عليها الامام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فاذن يبقى باب هذه النتائج السلبية التي سنتعرض لها باذن الله تعالى مفتوحاً لها كلها أو بعضها كلما ولت الامة امرها الى من لا يستحق فيكون من الضروري الالتفات اليها فنعود الى اصل السؤال وهو ماذا خسرت الامة عندما ولت امرها غير صاحب الحق الشرعي وماذا ترتب على ذلك من نتائج سلبية:
النتيجة الأولى: تصدي اناس غير مؤهلين لامامة الامة فمن المعلوم ان اية رسالة واية ايديولوجية -بتعبير اليوم- لا بد ان يكون حاملها مستوعباً لها بشكل كامل فهماً وتطبيقاً بحيث تكون هذه العقيدة هي الموجهة له في كل سلوكه وتصرفاته وافكاره وعلاقاته ولم يكن القوم كذلك وانما هم اناس عاديون كبقية افراد المجتمع ويوجد كثير غيرهم ممن استوعب الرسالة وجسدها في حياته خيراً منهم وقد كانوا يعترضون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته ويتمردون على اوامره حتى آخر حياته بتخلفهم عن جيش اسامة وعدم تلبية امره (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما طلب قرطاساً في رزية يوم الخميس. وكانت الجاهلية تعيش في نفوسهم حيث قضوا اكثر عمرهم فيها وقد كشف عن عدم اهليتهم جهلهم وتخبّطهم في الامور ويصف امير المؤمنين امرتهم المنحرفة في الخطبة الشقشقية (فواعجباً !! بينما هو يستقيلها في حياته اذ عقدها لآخر بعد وفاته -لشدَّ ما تشطر ضرعيها- فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمهـــا -أي تجرح جرحاً عظيماً- ويخشُنُ مسُّها ويكثر العثار فيها والاعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة ان اشنق لها خَرَم وان اسلس لها تقحَّم، فمني الناس لعمر الله بخَبَطٍ وشماس -وهو اباء الفرس عن ركوب ظهره- وتلون واعتراض -أي سير غير مستقيم). حتى قال الثاني (كل الناس افقه من عمر حتى ربات الحجال) بعد ان نهى عن زيادة المهر عن حد معين فاجابته امرأة: اما سمعت قوله تعالى (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) وقد أشكلت عليهم الكثير من المسائل حتى الاعتيادية منها التي كانت تكرر في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كالصلاة على الجنائز ولما سئل الثاني عن سبب قلة استفادتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الهانا الصفق بالاسواق، وكانوا يشككون حتى بنبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعصمته فيقول له احدهم وجهاً لوجه: (انت الذي تزعم انك رسول الله) أو يقولون عنه (ان الرجل ليهجر).
في مقابل ذلك كان هناك شخص يعدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اعداداً خاصاً لكي يتسلم هذا الموقع ذاك هو علي بن ابي طالب (عليه السلام) فاستمع اليه يتحدث عن هذه التربية الخاصة (ولقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وانا ولد يضمني الى صدره ويكنفني الى فراشه ويمسّني جسده ويشمُّني عَرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلةً في فعل) الى ان قال (عليه السلام) (ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فاراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة وانا ثالثهما ارى نور الوحي والرسالة واشم ريح النبوة، وقد سمعتُ رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله ما هذه الرنّة ‍ فقال: هذا الشيطان أيس من عبادته، انك تسمع ما اسمع وترى ما ارى الا انك لست بنبي ولكنك وزير وانك لعلى خير) وفي نهاية خطبة مماثلة اخرى يسأل (عليه السلام) مستنكراً: (فمن ذا احق به مني حياً وميتاً).
هكذا كان يتم تهيئة الامامة البديلة اما هؤلاء فلم يتلقوا شيئاً من ذلك لذا فقد افرز تصدي هؤلاء غير المؤهلين عدة آثار خطيرة:
1- تشوّه صورة الاسلام نفسه لان كثير من الامم والشعوب دخلت الاسلام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي لم تأخذه من مصدره وانما نقل لها عبر كلام وسلوك اصحابه ولما كان هؤلاء غير مؤهلين لتمثيل الاسلام بصورته النقية الكاملة ولم يعرف المسلمون الجدد غير هذه الصورة المعروضة امامهم فَتَبنّوها على انها الاسلام الحقيقي وتزايد هذا البعد عن الاسلام بمرور الزمن حتى صرت ترى اقواماً لا تفقه من الاسلام شيئاً غير الاسم وبعض الشكليات.
2- تجرّي اعداء الاسلام خصوصاً اليهود عليه وما كانوا يستطيعون ان يظهروا شيئاً منه في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعدم وجود ثغرة يمكن ان يدخلوا منها اما وقد تصدى لهذا الموقع العظيم ناس غير مؤهلين لهذا الموقع ويمكن التغلب عليهم واحراجهم فمن السهولة اذن هز ثقة المسلمين بدينهم بتكرر الفشل من قادتهم وبالنتيجة تخليهم عن هذا الدين فلم يكن من الغريب حصول هذه الهجمة العنيفة من الامتحانات العسيرة والمتنوعة التي احرج بها اليهود الخليفة الاول والثاني وتزعزعت ثقة المسلمين وشعروا بالاحباط وكادوا يرتدون لولا وجود امير المؤمنين (عليه السلام) بالمرصاد الذي كان يجيبهم على كل اسئلتهم ويرد كيدهم الى نحورهم.
3- انفتاح باب الطمع بهذا المنصب الشريف لكلّ محبي الرئاسات والجاه واتباع الهوى بعد ان اصبح نيله ليس بالاستحقاق وفق معايير الرسالة وانما هو لمن غلب وقهر ولو بالسيف حتى اصبح مستساغاً ان يولي معاوية ابنه يزيد المعروف بالفسق والفجور على رقاب المسلمين
النتيجة الثانية: فتح باب الاجتهاد مقابل النص أي الحكم والتشريع بالاراء الشخصية خلافاً للنص الالهي الحكيم وهو يعني ان الانسان ينصب نفسه مشرعاً والهاً يطاع في مقابل الوهية الله تبارك وتعالى الذي هو وحده له حق التشريع والحاكمية وهو ما رفضه الله تبارك وتعالى رفضاً قاطعاً وجعل كل حكم وتشريع ليس مستنداً الى الشريعة المقدسة جاهلية فقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، وفي آية اخرى الظَّالِمُونَ وفي ثالثة الْفَاسِقُونَ) وكان من شروط الايمان الكامل: التسليم والاذعان لحكم الله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) لكن القوم فتحوا باب الاجتهاد واسعاً ولم يكترثوا كثيراً للنص الشرعي لعدة اسباب:
.
1- جهلهم وعدم اطلاعهم الكامل على احكام الشريعة فراحوا يستنبطون من انفسهم ما يسد نقصهم.
2- لاجل المحافظة على الاغراض والمصالح التي ارادوها فلا بد من تعطيل النصوص التي تتعارض مع المنهج الذي اختطوه وتبرير الافعال المخالفة بصراحة لحكم الله تبارك وتعالى.
3- تغييب الممثل الحقيقي واللسان الناطق بالشريعة.
وقد عطل هذا الاجتهاد الكثير من التشريعات التي كانت مصدر خير للامة وعلى رأسها الزواج المؤقت الذي قال عنه امير المؤمنين (عليه السلام): (لولا نهي فلان عن المتعة ما زنى إلا شقي) وبالمقابل برّر هذا الاجتهاد أشنع المنكرات فمثل مالك بن نويرة الذي شهد له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجنة يُقتل ويدخل خالد بزوجته في نفس الليلة ويأتي جواب الخلافة ببرود: تأول خالد فأخطأ. ويخرجون لقتال إمام زمانهم بكل المقاييس التي عندهم في معارك طاحنة في الجمل وصفين وكله اجتهاد يؤجرون عليه وان أخطأوا فلهم اجر واحد.
وقد تأصل هذا الاجتهاد فيما بعد وتعمق ووضعوا له اصول وقوانيين وأصبحت مذاهب في مقابل مذهب الحق.
النتيجة الثالثة: عرقلة تربية الأمة وتكاملها فقد شاءت الإرادة الالهية ان ينقذ البشرية بهذه الرسالة المباركة من حضيض الجاهلية التعبة إلى سمو التوحيد وطهارة الايمان وسعادة الدارين وقد قدر لهذه المسيرة ان تتكامل لتنشأ امة متكاملة على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة المعصومين من آله لكن ابعاد الائمة (عليهم السلام) عن موقع قيادة المجتمع ادى إلى عرقلة هذه المسيرة وبطئها من عدة جهات:
1- ان من العناصر المهمة في التربية هو القدوة والاسوة الحسنة على تعبير القرآن لانه يمثل التطبيق للافكار التربوية فاذا غاب القدوة أو كان القدوة منحرفاً فلا ينفع الكلام مهما كثر ويبقى مجرد حبر على ورق والقوم لم يكونوا يمثلون قدوة حسنة ولم يستطيعوا عكس صورة نقية للسلوك الاسلامي بل انه على مرور الايام كان النموذج المعروض مناقضاً تماماً لتعاليم الاسلام فكيف نتوقع منه ان يربي الامة ويقودها نحو التكامل ففي حين يبقى في اخلاق الاسلام (لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى) يجد في التعامل تفضيل العرب على غيرهم الذي يسمونهم الموالي ويعتبرونهم مواطنين من الدرجة الثانية وبينما يقرأ في القرآن (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) يجد الخلافة تتبع اهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت كل حجر ومدر قتلاً وتشريداً وسجناً، وبينما يقرأ حرمة شرب الخمر في القرآن يجد الخليفة يشربه على منابر المسلمين ويتقيأه في محاربهم.
2- فرص الانحراف الكثيرة التي توفرت للناس في ظل الخلافة المنحرفة والنفس بطبيعتها ميالة للشهوات مع غياب الرادع الذي يحصّن الامة من الانحراف وهم الذين عناهم الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وقد بدأت هذه النفوس الامارة بالسوء تظهر في ايام الخلافة الاولى في وقت مبكر وبدأت الدنيا تنمو في قلوبهم واصبحت هذه الامتيازات والمصالح واقعاً ثابتاً لا يرضون بتغييره بحيث ان عبد الرحمن بن عوف الذي جُعل حكماً في امر تعيين الخليفة من بين الستة اهل الشورى يشترط على علي (عليه السلام) ان يبايعه بشرط ان يعمل بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة الشيخين، فما هي سيرة الشيخين التي يضمها عبد الرحمن إلى كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ انها هذه الامتيازات الطبقية وهذه الدنيا المحضة التي وفرتها لهم الخلافة الاولى بحيث ان عبد الرحمن هذا وامثاله تركوا من الذهب ما يُكسر بالفؤوس –حسب ما ينقل التاريخ- ولم يكن امير المؤمنين (عليه السلام) ليوافق على هذا الشرط فيكون منه امضاءاً واعترافاً بهذه السيرة لان هذه السيرة ان كانت موافقة للكتاب والسنة فلا داعي لذكرها وان كانت مخالفة فارم بها عرض الجدار، فما الوجه لضمها إلى اصلي التشريع.
3- الصورة المشوهة للشريعة التي كانت معروضة للامة من خلال العلماء والرواة المتزلفين للخلفاء والطامعين بما في ايديهم فكيف نتوقع من شخص لم يشاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يطلع على مواقف علي (عليه السلام) مباشرة ان يوالي علياً ويتبعه وهو يسمع صحابياً يروي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ان الاية الشريفة: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل) نزلت في علي بن ابي طالب.
فلا نتوقع من اغلب المسلمين في الارض الا ان يحملوا هذه الصورة المشوهة للاسلام لانهم لم يسمعوا غيرها ولم يشاهدوا غيرها فكان طبيعياً ان يعتقدوا جازمين ان هذا هو الاسلام.
ومن هنا اقتضت الحكمة الالهية ان تغيب الامام الثاني عشر (عليه السلام) هذه المدة الطويلة إلى ان يأذن الله تعالى له بالظهور كل ذلك لتستمر تربية الامة مدة اطول ولتمر بتجارب وابتلاءات وتمحيصات اكثر حتى تصل إلى مستوى النضج والكمال المطلوب الذي يؤهلها لمواصلة مسيرة الكمال مع الامام المهدي (عليه السلام) بينما لو قدر لهذه الامة ان تتربى في احضان الائمة المعصومين (عليهم السلام) لوصلت إلى درجة الكمال قبل هذا التاريخ بكثير.
النتيجة الرابعة: تمزق الامة وتشتتها وتفرقها شيعاً واحزاب (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) وهذه نتيجة طبيعية للابتعاد عن الامامة الحقيقية لان سر تشريع الامامة هو تحصين الامة من التمزق والانحراف كما قالت الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الشهيرة بعد وفاة ابيها (صلى الله عليه وآله وسلم): (وجعل امامتنا نظاماً للملة) أي تنتظم بها امورهم وتستقر وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) وحبل الله الممدود من السماء إلى الارض هما الثقلان كتاب الله وعترة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)-كما بينت في شكوى القرآن- مضافاً إلى ان هذا الموقع بعد ان خرج عن مستقره وابعد عنه اهله اصبح مطمعاً لكل حالم به وشهوة التسلط اقوى الشهوات وفيها استجابة للانانية واستكبار النفس فمن الطبيعي ايضاً ان تكثر الصراعات حول هذا المنصب وتداس في خضم هذا الصراع كل القيم والاخلاق وتكفي وقفة تأمل واستطلاع بسيط للتاريخ لنقرأ بكل اسف والم يفتت القلوب الماسي التي جرها التنازع على السلطان والخسائر الفادحة في الانفس والاعراض والاموال التي هدرت في هذا الصراع فمن الذي يتحمل هذه المسؤولية ومن الذي فتح هذا الباب على المسلمين وماذا يجني من يحدث هذا الفتق في امة الاسلام وخير معبر عن هذه الالام وهذه الخسائر احد الادعية الواردة في لعن اعداء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والبراءة منهم إلى ان يقول: (اللهم العنهم بعدد كل منكر آتوه وحق اخفوه ومنبر علوه ومؤمن ارجوه ومنافق ولّوه وولي آذوه وطريد آووه وصادق طردوه وكافر نصروه وامام قهروه وفرض غيروه واثر انكروه وشر آثروه ودم اراقوه وخير بدلوه وكفر نصبوه وارث غصبوه وفيئ اقتطعوه وسحت اكلوه وخمس استحلوه وباطل اسسوه وجور بسطوه ونفاق اسروه وغدر اضمروه وظلم نشروه ووعد اخلفوه وامان خانوه وعهد نقضوه وحلال حرموه وحرام احلوه وبطن فتقوه وجنين اسقطوه وضلع دقوه وصك مزقوه وشمل بددوه وعزيز اذلوه وذليل اعزوه وحق منعوه وكذب دلسوه وحكم قلبوه، اللهم العنهم بكل آية حرفوها وفريضة تركوها وسنة غيروها ورسوم منعوها واحكام عطلوها وبيعة نكثوها ودعوة ابطلوها وبينةٍ انكروها وحيلة احدثوها وخيانة اوردوها وعقبة ارتقوها وشهادات كتموها ووصية صنعوها).

كميل الفضلي
09-06-2007, 09:50 PM
تتمه
ولو شئنا لذكرنا أمثلة وشواهد على كل فقرة لكنها مما لا تخفى على المطلع على التاريخ فأي قلب لا يذوب أسىً على ما سببه ذلك التضييع للحق الصريح.
النتيجة الخامسة: عزل الدين عن إدارة الحياة بكل أبعادها وتفاصيلها واقتصاره على الطقوس التعبدية والشؤون الفردية فقط فان القوم وان استطاعوا بالترغيب والترهيب ان يسلبوا السلطة الدنيوية من الامام (عليه السلام) الا انهم لا يستطيعون باي حال من الاحوال ان يسلبوا مكانته من القلوب وهيبته في النفوس ورجوع الناس اليه في شؤونهم الدينية هذا الانفصال الذي عبر عنه هرون الرشيد –كما يسمونه- لولده المأمون حينما استغرب من تكريمه للامام الكاظم (عليه السلام) بما لا نظير له فقال: (ويلك هذا امام القلوب وانا إمام الأبدان) والإمام وان سكت عن المطالبة بحقه في السلطة الدنيوية من اجل حفظ الاسلام وكيان المسلمين الا انه لا يمكنه باي حال من الاحوال التنازل لهم عن الامامة الدينية أو الاعتراف بهم وامضاؤهم كممثلين لهذه السلطة فان في ذلك خيانة لله ولرسوله وللاسلام على ان هذا الحق لا يتصور التنازل عنه فانه ليس امتيازاً أو موقعاً حتى يتخلى عنه، بل قدرة وقابلية على تلبية احتياجات الامة فكل من كان قادراً على ذلك ووجدت الامة حاجتها وآمالها وطموحاتها عنده اصبح اماماً وهكذا كان علي (عليه السلام) فما سمعنا انه احتاج إلى احد في شيء بل على العكس كانوا يرجعون اليهم في مسائلهم ومشاكلهم وقراراتهم حتى اشتهر قول الثاني: (لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها ابو الحسن). ولذا استدل بعضهم على امامة امير المؤمنين باحتياج الناس اليه واستغنائه عن الناس.
وهذا الفصل بين السلطتين ترسخ وتعمق وانعكس على الدين نفسه فاصبح مرتكزاً في الاذهان ان ادارة شؤون الحياة ليس من شؤون الامامة الدينية وان دورها يقتصر على العبادات وبعض الاحكام الشخصية والتقوا بذلك مع نظرة الجاهلية (ما لله لله وما لقيصر لقيصر) وهذا هو الشرك بعينه فان الملك كله لله وحده والحكم كله لله وحده وما من واقعة الا ولله فيها حكم، اترى ان الشريعة التي لم تغفل عن تنظيم ابسط التصرفات الحياتية كالتخلي والنوم والاكل والجماع ووضعت لها احكاماً وآداب فهل تغفل عن وضع انظمة وقوانين تنظم حياة المجتمع من جميع الجهات ؟ وهذه حقيقة دامغة لا تقبل الشك الا انهم لا يذعنون لها لعدة امور:
1- ان الشريعة لا تنسجم مع اهوائهم وانانيتهم وحبهم للاستئثار بالفيء وسائر الامتيازات وتتعامل مع الجميع على حد سواء.
2- ان تحكيم الشريعة فيه اظهار لجهلهم وقصورهم وتقصيرهم وهو ما تأباه نفوسهم الامارة بالسوء.
3- ان ذلك ايضاً يعني احتياجهم للامامة الدينية وبالتالي يعني تفوق اولئك عليهم واستحقاقهم لهذا الموقع بدلاً عنهم.
النتيجة السادسة: حدوث الانفصال بين الامة والخلافة لان الامر لم يعد في نظر المتصدين امر اصلاح وهداية وتكميل النفوس ونيل رضا الله تبارك وتعالى حتى تتعلق بهم الامة وتهفوا اليهم القلوب، بل زعامة وملك ومصالح واستئثار واستعلاء وقد عبر عنه القوم من اول يوم وهم بعد في السقيفة فكان لسانهم: انما السلطان سلطان قريش فلا ينازعنا فيه احد وكانت المسألة اوضح بالنسبة للاقوام الاخرى التي دخلت الاسلام وقد اشعروهم بان الخلافة ملك للعرب فاذا كان ملكاً عضوضاً وهم المستفيدون منه فما الذي يشد الامة اليهم وما الذي يحثهم عن الدفاع عنهم وما هي العلقة التي تربطهم بهم ؟ بل على العكس سادت روح الكراهية والحقد والانتقام كما حصل لابي لؤلؤة الفارسي غلام المغيرة بن شعبة الذي سأم من كثرة التعيير لقومه الفرس والاستهزاء بهم فثار لعنصريته ولعصبيته الجاهلية.
وبالمقابل كان هناك علي (عليه السلام) وبنوه الذين ملكوا القلوب فاستجاب الله تعالى بهم دعوة جدهم ابراهيم (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) والذي لم تستطيع الخلافة بكل جبروتها ان تنتزعه منهم، وقضية هشام بن عبد الملك واضحة في اذهانكم عندما عجز عن الوصول إلى الحجر لازدحام الناس فتنحى إلى زاوية في البيت الحرام وما ان قدم الامام السجاد (عليه السلام) حتى انفرج عنه الناس سماطين فمشى بكل وقار وهيبة حتى وصل إلى الحجر الاسود وهشام ينظر. وكان امير المؤمنين (عليه السلام) رغم تواضعه بين اصحابه حتى كأنه احدهم الا ان له هيبة عظيمة في نفوسهم كما وصفه ضرار بن حمزة لمعاوية. وذاب اصحابهم في حبهم قربة إلى تعالى ووفاء لجدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرفاناً لحقهم عليهم وتحملوا في سبيل ذلك ما تقشعر منه الابدان فهذا ميثم بن يحيى التمار تقطع يداه ورجلاه ويصلب على جذع نخلة فيطلب من الناس الاجتماع حتى يحدثهم بفضائل امير المؤمنين B فلم يمهله الفسقة حتى قطعوا لسانه، وهذا حجر بن عدي يؤخذ مقيداً إلى الشام ويحفر له القبر ويفرش له النطع ويؤمر بسب امير المؤمنين والا فالقتل ومعه ابنه فيختار ولاية امير المؤمنين (عليه السلام) ويقدم ابنه ليحتسبه عند الله تبارك وتعالى ولئلا يعظم على الابن قتل ابيه فيتراجع ثم قدم فقتل صابراً محتسباً، وهذا عمار بن ياسر يقاتل في صفين على كبر سنه ويقول: (والله لو ضربونا باسيافهم حتى ابلغونا سعفات هجر لعلمنا اننا على الحق وانهم على الباطل)، وأصحاب الحسين (عليه السلام) وما ادراك ما اصحاب الحسين (عليه السلام) الذين لم ير لهم نظير في الولاء والصدق والاخلاص والتضحية يقدم احدهم على الموت وهو مبتسم فيقال له ما عهدناك هازلاً قبل اليوم؛ قال: وكيف لا ابتسم وما بيني وبين معانقة الحور العين الا ان يميل عليَّ هؤلاء باسيافهم فالتحق بالاحبة محمد وصحبه.
النتيجة السابعة: تأخر ركب الحضارة الانسانية بحيث احتجنا إلى اربعة عشر قرناً لكي نصنع الطائرة والكومبيوتر ونغزو الفضاء وكان يمكن لهذه الامور وغيرها مما لم يصل اليه العقل الانساني إلى الان ان تتحقق قبل مدة طويلة لان اليد الالهية واضحة التأثير في قيادة ركب الحضارة البشرية بفضل ما بثه الانبياء والائمة (عليهم السلام) من علوم أو من خلال الالهام والايحاء ولولا الرعاية الالهية لما استطاع الانسان ان يهتدي إلى ابسط الامور حتى دفن موتاه في التراب لا يعرفه حتى بعث الله له غراباً يبحث في الارض ليريه كيف يواري سوأة اخيه وان القرآن الكريم ليضم اسرار ومفاتيح العلوم كلها فيه (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) فيشير إلى غزو الفضاء بالوسائل العلمية (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ) وهو سلطان العلم والتكنولوجيا كل هذه الاسرار ومفاتيح العلوم كانت عند امير المؤمنين (عليه السلام) علمه اياه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الف باب من العلم ينفتح لي من كل باب الف باب من العلم) وان شئت الاطلاع على ما كان يمكن ان يقدمه على وبنوه (عليهم السلام) ليقدموا ركب الحضارة الانسانية وليوفروا لها السعادة والحياة الطيبة فراجع عدة كتب الفت في هذا المجال ولم يكن يحتاج إلى تطبيق معادلات وقوانين احتمالية أو يخوض تجارب طويلة حتى يصل الحقيقة بل كانت الحقائق العلمية كلها حاضرة في ذهنه يراها بالبصيرة والوجدان رأي العين فحفر الكثير من الابار والعيون واوقفها للمسلمين في وقت كان الاخرون يعجزون عن التعرف على مواقع وجود الماء فاين علم الجولوجيا من هذه المعرفة الدقيقة بطبقات الارض وما تحتها من كنوز ومعادن وكان يقول: (لو شئت لاتخذت لكم من هذا الماء نوراً) يقصد توليد الطاقة الكهربائية من شلالات الماء، وغيرها الكثير في مختلف حقول العلم والمعرفة ثم جاء اولاده من بعده ليبثوا ما تسمح به الحال من علوم الكمياء والرياضيات والفلك والفيزياء والنبات والحيوان وغيرها.
فان قلت: اذن ما الذي حبسهم عن اعطاء هذه العلوم التي يحملونها إلى البشرية وهي مسألة لا تتعلق بتسلمهم موقع القيادة والامامة وعدمها.
قلت: ان التقدم المادي مرتبط تماماً بالتكامل الروحي من خلال البناء الصحيح للعقيدة ولا بد ان يتقدما معاً وان الاول بدون الثاني يصبح وبالاً على البشرية ويقودها نحو الدمار كالذي نشاهده اليوم ممن يسمون انفسهم بالقوى العظمى والدول الكبرى ولما كانت البشرية قد تخلفت وتدنت في الجانب الثاني وهو العقائدي والاخلاقي فلا يمكن اعطاءها من الجانب الاول الا بالمقدار الذي لا يكون خطراً عليها هكذا اقتضت الارادة الالهية ان يلهم الانسان بعض الافكار التي طورت حضارة البشر ودلته على اكتشافات وحقائق علمية مهمة في اوقاتها المناسبة وبالشكل الذي يحفظ توازن المجتمع الانساني (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) ولو كانت مستحقة للمزيد بالتزامها بخط الخلافة الالهية لما بخل عليها الله تبارك وتعالى بالعطاء فلا يغتر الانسان ويظن انه هو الذي يحقق ذلك بل هو من الهام الله تبارك وتعالى وايحائه وللعلماء والمكتشفين كلمات تدل على ذلك ولو خليّ إلى نفسه لما عرف كيف يتخلص من موتاه بالدفن حتى علمه الغراب –كما ذكرنا-.
هذه بعض النتائج التي افرزها عدم التزام الامة بحديث الغدير واذا كانت الامور تعرف باضدادها كما قالوا فيمكن ان نعرف سمو المعاني والاثار التي نالها الملتزمون بولاية امير المؤمنين (عليه السلام) فحق لهم ان يحتفلوا بهذا العيد الاغر اعظم عيد في الاسلام، سئل الامام الصادق (عليه السلام): هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والاضحى والفطر ؟ قال: نعم، اعظمها حرمة، قال الراوي واي عيد هو ؟ قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) امير المؤمنين (عليه السلام) وقال: من كنت من مولاه فعلي مولاه) وفي حديث ابي نصر عن الرضا (صلوات الله عليه) قال: (يا ابن ابي نصر اينما كنت فاحضر يوم الغدير عند امير المؤمنين (عليه السلام) فان الله تبارك وتعالى يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة ويعتق من النار ضعف ما اعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، ولدرهم فيه بالف درهم لاخوانك العارفين. وافضل على اخوانك في هذا اليوم، وسر فيه كل مؤمن ومؤمنة، والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات).
ونحن كما تعودنا في مثل هذه الكلمات لا نستهدف فقط تثبيت العقيدة وترسيخها والدفاع عنها وان كان هذا في نفسه نفيساً الا انه مما لا يقل عنه اهمية اخذ الدروس والعبر منه وهنا تكمن روح العلم والمعرفة فالعلم بلا عمل وبلا استفادة منه في الحياة لا قيمة له ونحن اذ توسعنا في فهم هذا الموضوع فسنطبق هذه التجربة على كل رسالة اصلاحية تعمل على هداية الناس وتكميل نفوسهم كالمرجعية الشريفة وهي لها شكلان:
الأول: المرجعية الفردية التي يقتصر عملها على استنباط الحكم الشرعي من دون العمل على تطبيقه ودفع المجتمع إلى امتثاله والامر راجع إلى المكلف ان شاء طبق أو لا ولا تتدخل الا في حدود الشؤون الفردية وما يبرئ ذمم المكلفين كافراد وهو عمل ليس بالهين وقد قاموا بجهود مضنية حفظت لنا فقه آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين لكن هذا الشكل خارج عن موضوعنا لانحسار دورها عن الامامة الاجتماعية اصلاً.
الثاني: المرجعية الاجتماعية التي لا تكتفي بمستوى النظرية أي مجرد التقنين والتشريع وانما تعمل على تهيئة كل الفرص واتخاذ مختلف الاساليب لاقناع الناس بتطبيق الشريعة في كل تفاصيل حياتهم واذا لم تنفع وسيلة جربت اخرى، وقد شبهت الاولى بالام التي تهيئ الطعام لولدها المريض وتترك الباقي عليه ان شاء اكل وان شاء لم يأكل وقد لا يعرف مصلحته فيموت جوعاً. والثانية تشبه الام التي لا تكتفي باعداد الطعام بل تطيبه وتعمل كل المرغبات والمحفزات لولدها كي يأكل ويحفظ حياته ويستعيد عافيته ولا شك ان الثانية ارحم وأرأف واكرم واصبر من الاولى أو قل انها اكثر اتصافاً بالاسماء الحسنى التي ورد الحث على التخلّق بها.
وهذه المرجعية الثانية هي الاكثر التصاقاً بالناس واعمق تأثيراً فيهم والاكثر تعلقاً بهم وهي الاجدر بتمثيل دور المعصومين (عليهم السلام) فلا غرو ان تكون عرضة لطمع المتنافسين فاذا تصدى لها غير المؤهل لها وصنع (سقيفة) ثانية لابعاد مستحقيها ترتبت كل أو بعض الاثار التي ذكرناها ولا بد ان نستفيد من تلك التجربة لنكون واعين وحذرين من تكرارها وقد ذكرنا في محاضرتين بمناسبة عيد الغدير عام 1421 -وطبعت كمقدمة لكتاب اصل الشيعة واصولها للشيخ كاشف الغطاء- الاشكال الثلاثة التي خطط بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للخليفة من بعده وكيفية تأسي المرجعية به (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المجال ومسؤولية الامة في صيانة هذا الموقع الشريف والتمسك بأهله فيكون هذا البحث مكملاً له ومما ذكرنا هناك ان لهذا الموقع شروطاً صنفتها إلى ثابتة ومتحركة والاولى هي التي دأبت على ذكرها الرسائل العملية اما المتحركة فتتغير تبعاً للظروف الموضوعية التي تعيشها المرجعية.
اللهم انا نشهدك
انا ندين بما دان به محمد وآل محمد صلى الله عليه وعليهم
وقولنا ما قالوا وديننا ما دانوا به، ما قالوا به قلنا وما دانوا به دنا وما انكروا انكرنا ومن والوا والينا ومن عادوا عادينا ومن لعنوا لعنا ومن تبرأوا منه تبرأنا منه ومن ترحموا عليه ترحمنا عليه
آمنا وسلمنا ورضينا واتبعنا موالينا صلوات الله عليهم،
اللهم فتمم لنا ذلك ولا تسلبناه واجعله مستقراً ثابتاً عندنا ولا تجعله مستعاراً وأحينا ما احييتنا عليه وامتنا اذا أمتنا عليه،
آل محمد أئمتنا فبهم نأتم واياهم نوالي وعدوهم وعدو الله نعادي فاجعلنا معهم في الدنيا والآخرة ومن المقربين فانا بذلك راضون يا ارحم الراحمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ابو طارق
09-06-2007, 11:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد

بالفعل انه كتاب رائع جدا وقد قرأته

وهو مؤلف من محاورات رائعة بين

سلطان الواعظين ، السـيّد محمّـد الموسوي الشيرازي


وعلماء من اخواننا اهل السنة في عشرة مجالس

كل ليلة مجلس وفيه حوارات اكثر من رائعة

وكل الحوارات مسنودة بمراجع كلها من كتب اخواننا اهل السنة

اشكرك

(( اية الله نجفي ))

على طرح هذا الكتاب للتداول

محمود سعد

كميل الفضلي
09-06-2007, 11:54 PM
السلام عليكم
ارجوا من الاخوة نقل موضوع ماذا خسرت الامة حينما ولت امرها من لا يستحق ليتسنا للاخوة التعلق على موضوع ليالي بيشاور