المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلمان إبن الإسلام



ملكة سبأ
08-31-2007, 09:04 PM
كان الوقت ضحى ، و قد جلس بعض المسلمين في مسجد النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) ينتظرون أذان الصلاة ليؤدوا فريضة الظهر .

دخل " سلمان " المسجد و سلّم على إخوانه من المؤمنين .

أرادوا أن يعرفوا نسب هذا الرجل الفارسي ، فتحدّثوا مع بعضهم البعض بصوت يسمعه " سلمان " .

قال أحدهم أنا من قبيلة تميم .

و قال آخر أنا من قريش .

و قال ثالث : أما أنا فمن الأوس . . و هكذا .

ظلّ سلمان ساكتاً ، فأرادوا يعرفوا نسبه ، فقالوا :

ـ و أنت يا سلمان ، ما هو نسبك و حسبك ؟

أجاب ليعلمهم معنى الإيمان :

أنا ابن الإسلام . .

كنتُ ضالاً فهداني الله بمحمّد .

و كنت فقيراً فأغناني الله بمحمّد .

و كنت مملوكاً فاعتقني الله بمحمّد .

فهذا حسبي و نسبي .

سكت الرجال و قد تعلّموا درساً من دروس الإيمان و الإسلام .

من هو سلمان ؟

و لكن حقّاً ، من هو سلمان الفارسي ؟ و ما هي قصة إيمانه بالإسلام ؟

كان اسمه " روزبه " أي " سعيد " . ولد في قرية من قرى مدينة اصفهان .

http://www.islam4u.com/qesas/ma_sahaba_wa_altabeen/images/7.1.jpg

كان أبوه رئيس القرية و كان رجلاً ثريّاً ، و في ذلك الوقت كان أهل فارس يعبدون النار لأنّها رمز النور .

فالنار مقدسة عندهم ، لهذا كانت عندهم معابد توقد فيها النار لتبقى مشتعلة دائماً ، و هناك رجال مقدّسون يتولّون المحافظة على اشتعالها ليل نهار .

عندما كبر " روزبه " و أصبح فتى أراد أبوه أن يكون له شأن ، فعهد إليه أن يتولّى المعبد و يحافظ على اشتعال النار .

فكّر روزبه في شأن النار ، فأبى ذهنه المتوقد أن تكون النار إلهاً : لأن الإنسان هو الذي يتولّى رعايتها حتى لا تنطفئ .

و ذات يوم خرج الفتى يتجوّل في المروج البعيدة .

شاهد من بعيد بناءً جميلاً فقصده ، و كان البناء كنيسة بناها الرهبان لعبادة الله .

و كانت النصرانية في ذلك الزمان هي دين الله الحقّ .

تحدّث الفتى مع الرهبان ، و دخل قلبه حبّ الدين الإلهي ، فسأل عنه ، فقالوا : أصله من بلاد الشام .

الهجرة

قرّر روزبه الهجرة الى الشام فانتظر عودة إحدى القوافل .

وافق تجّار القافلة اصطحابه الى بلادهم . و عندما وصلها راح يبحث عن دين الله فدلّوه على كنيسة كبيرة .

حلّ الفتى ضيفاً على الأسقف و عاش معه يتعلّم منه أصول الدين و مكارم الأخلاق و تعاليم الإنجيل .

و بعد مدّة مات الأسقف ، فهاجر روزبه الى مدينة الموصل و عاش في إحدى كنائسها ، ثم انتقل الى مدينة اُخرى هي " نصيبين " ثم الى مدينة " عمّورية " .

و في عمّورية عاش روزبه فترة من الزمن ، و كان أسقفها رجلاً صالحاً ، فقال لروزبه قبل أن يموت :

ـ انّ الله سيبعث نبياً في هذا الزمان يأتي بدين إبراهيم الخليل ، و انّه سيهاجر إلى أرض فيها نخيل كثير .

سأل روزبه :

ـ و ما هي علاماته ؟

ـ من علاماته انّه يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة و بين كتفيه خاتم النبوّة .

مات الأسقف الطيب و بقي روزبه وحيداً .

فكّر أن يهاجر إلى جزيرة العرب .

و ذات يوم مرّت قافلة تريد العودة إلى الحجاز ، فعرض عليهم كلّ ما يملك لقاء السفر معهم إلى مكّة .


http://www.islam4u.com/qesas/ma_sahaba_wa_altabeen/images/7.2.jpg

و لكن التّجار لم يكتفوا بما أخذوه من أموال فصادروا حرّيته و باعوه إلى أحد اليهود كرقيق .

تألّم روزبه لهذا الغدر و لكنه صبر ، و راح يعمل باخلاص في بستان الرجل اليهودي .

و تمرّ الأيام ، و ذات صباح جاء من يهود بني قريظة لزيارة ابن عمه ، فرأى روزبه و انهماكه في العمل فقال لابن عمه :

ـ ارجو أن تبيعني هذا العبد .

فرح " روزبه " لأن بني قريظة يسكنون في مدينة يثرب المليئة بأشجار النخيل ، و هي المدينة التي قال أسقف " عمّورية " أن النبي الموعود سيهاجر اليها .

كان روزبه يعدّ الأيام مترقّباً ظهور النبي .

و ذات يوم و بينما كان يعمل في البستان سمع سيّده يتحدّث إلى أحد أصدقائه :

ـ لقد وصل محمّد منطقة " قبا " و قد استقبله بعض أهل يثرب هناك .

و شعر " روزبه " بالفرحة فقد حانت اللحظة التي كان ينتظرها منذ أعوام طويلة .

انتظر إلى المساء ، و عندما حلّ الظلام تسلل " روزبه " بعد أن أخذ معه كمية من التمر .

كانت المسافة بين " يثرب " و " قبا " تبلغ ميلين قطعهما " روزبه " بسرعة . و عندما وصل إلى " قبا " دخل على سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) و قال :

ـ سمعت بأنّك رجل صالح و معك أصحاب غرباء فأحضرت لكم هذا التمر صدقة .

وزّع سيّدنا محمّد التمر على أصحابه و لم يأكل منه .

قال روزبه في نفسه :

ـ هذه العلامة الاُولى .

و في اليوم التالي جاء مرّة اُخرى و معه كمية اُخرى من التمر أيضاً و قال لسيّدنا محمّد :

ـ هذه هدية .

تناول النبيّ التمر شاكراً و وزّعه على أصحابه و أكل منه .

فقال روزبه في نفسه :

ـ و هذه العلامة الثانية .

هكذا تأكّد " روزبه " ان هذا هو النبي الموعود فعانقه و أعلن إسلامه فسمّاه سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) " سلمان " .

الحرية

جاء الإسلام ليحرّر البشر من عبادة غير الله عزّ و جلّ ، فلقد وهب الله الإنسان نعمة الحرّية ، لهذا قال سيّدنا محمّد لأصحابه :

ـ أعينوا أخاكم سلمان على فكاك رقبته .

كان الرجل اليهودي قد اشترط على سلمان أن يغرس له ثلاثمائة نخلة .

جمع له إخوانه فسائل النخل ، و قام سيدنا محمد بغرسها فعاشت جميعاً .

و هكذا أنعم الله على سلمان بنعمة الحرية فعاش سعيداً مع سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) .

الدفاع عن المدينة

في شهر رمضان من العام الخامس للهجرة سمع المسلمون عن نيّة المشركين بغزو المدينة .

كان اليهود يخططون لذلك ، فقاموا بتحريض قريش و القبائل العربية على غزو المدينة و القضاء على الإسلام .

تمكّن اليهود من تحشيد عشرة آلاف مقاتل و أنفقوا من أجل ذلك مبالغ طائلة .

كان سيّدنا محمّد يستشير أصحابه في مواجهة المشاكل التي تعترض المسلمين .

اجتمع المسلمون في مسجد النبي ( صلى الله عليه و آله ) للتشاور .

كان الغزو الجديد يحمل أخطاراً كبيرة ، فالمسلمون لا يملكون العدد الكافي لمواجهة الأعداء ، و القوّات الإسلامية لا تتجاوز الألف مقاتل فقط ، بينما الغزاة عشرة آلاف مسلّحين بأفضل أنواع السلاح .

حار المسلمون في أمرهم و شعر البعض بالخوف . و كان المنافقون يخوّفون الناس و يبثّون الشائعات .

و بينما كان المسلمون يتبادلون الآراء لمواجهة الخطر القادم ، نهض سلمان فقال : ـ يا رسول الله كنّا في أرض فارس إذا غزانا العدوّ حفرنا الخنادق .

و كانت فكرة سلمان مفاجأة للجميع .

استبشر النبي ( صلى الله عليه و آله ) المسلمون جميعاً .

الخندق

كانت نقطة الضعف في شمال المدينة رأى سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) أن يكون طول الخندق خمسة آلاف متر تقريباً ، و بعرض تسعة أمتار ، أما عمقه فيكون سبعة أمتار .

و في اليوم التالي خرج المسلمون و هم يحملون أدوات الحفر . و لكي تكون عملية الحفر منظّمة و دقيقة أمر سيّدنا محمّد أن يشترك كل عشرة مقاتلين بحفر أربعين متراً من الخندق .

كان الفصل شتاءً و الرياح باردة جدّاً و المسلمون صائمون ، و مع كل ذلك كانوا يعملون بحماس و لا يصغون الى الشائعات التي يبثّها اليهود و المنافقون .

و كان سيّدنا محمّد يعمل بنشاط و يبثّ روح العزيمة في نفوس أصحابه و ينشد شعراً حماسياً لأحد أصحابه و هو عبد الله بن رواحة .

اللّهم لولا أنت ما اهتدينا .

و لا تصدقنا و لا صلّينا .

فأنزِلن سكينةً علينا .

و ثبِّت القلوب إن لاقينا .

الصخرة

كان سلمان يعمل مع اخوانه من المهاجرين و الأنصار . و ذات يوم اعترضت عملهم صخرة بيضاء قاسية .

حاول سلمان تحطيمها بمعوله فلم يستطع .

حاول أصحابه و لكنّهم عجزوا أيضاً ، و كانوا كلّما ضربوها تطاير منها الشرر .

فاستشار المسلمون سلمان في ذلك .

ذهب سلمان ليخبر سيّدنا بقصة الصخرة و ان يسمح لهم في تغيير اتجاه الحفر .

جاء النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) إلى منطقة الحفر و أخذ المعول من سلمان و نزل في الخندق ، و طلب منهم أن يحضروا بعض الماء .

صبّ النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) الماء فوق الصخرة ، و أمسك بالمعول و هتف ، بسم الله ، و ضرب الصخرة فانشق ثلثها .

هتف النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) :

ـ الله اكبر أعطيت مفاتيح الشام و الله إني لأبصر قصورها .

و ضرب النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) الصخرة مرّة ثانية فقطع ثلثاً آخر و هتف :

ـ الله أكبر أُعطيت مفاتيح فارس و الله إني لأبصر قصر المدائن .

و ضرب مرّة ثالثة فقطع ما تبقّى من الصخرة فقال :

ـ الله أكبر اُعطيت مفاتيح اليمن و الله إني لأبصر أبواب صنعاء .

فرح المسلمون و استبشروا بنصر الله .

أما المنافقون فقد راحوا يسخرون و يقولون للمؤمنين :

ـ كيف تصدّقون بفتح بلاد فارس و الروم و اليمن و أنتم تحفرون الخندق في يثرب ؟‍

و لكن المؤمنين لم يكونوا يشكّون بنصر الله لأن الله ينصر عباده المخلصين .

استمر المسلمون في حفر الخندق ليل نهار مدّة شهر كامل .

و خلال تلك الفترة كان المسلمون يقومون بعمل آخر و هو نقل المحاصيل الزراعية إلى داخل المدينة ، لكي تساعدهم على تحمّل مدّة الحصار ، و حتى لا يستفيد منها العدوّ .

الحصار

وصلت جيوش " الأحزاب " بقيادة أبي سفيان . و عندما رأى المشركون الخندق تعجّبوا و قالوا :

ـ ان العرب لا يعرفون هذه المكيدة .

و عرفوا انّها فكرة سلمان الفارسي .

فرض المشركون الحصار على المدينة . . و كان أبو سفيان يبحث عن ثغرة في الخندق يمكن اقتحام الخندق منها و لكن لا فائدة .

و خلال مدّة الحصار تبادل المسلمون و المشركون إطلاق السهام .

و ذات يوم تمكّن فرسان المشركين من اقتحام الخندق و العبور إلى جبهة المسلمين .

أمر سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) بقطع الطريق على المقتحمين ، و نهض علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) لقتال قائدهم " عمرو بن عبد ودّ " و كان من أبطال المشركين .

و عندما توجّه الإمام علي لقتال عدوّ الإسلام دعا سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) له بالنصر و قال :

ـ اليوم برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه .

و انتصر فتى الإسلام على عدوّه ، و صاح المسلمون :

ـ الله أكبر . . الله أكبر .

و فرّ المشركون باتجاه الخندق فطاردهم فرسان الإسلام و قتلوا بعضهم .

الانتصار

فشل المشركون في عبور الخندق و طالت مدّة الحصار و نصر الله رسوله و المؤمنين ، فكانت العواصف العاتية تهبّ على جيوش الأحزاب فتقلع و تدخل في قلوبهم الخوف .

و ذات ليلة و بعد أن ملّ المشركون الحصار قرّر أبو سفيان الإنسحاب .

و في الصباح أرسل سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) حذيفة ليستطلع له جبهة العدوّ .

أخبر حذيفة رسول الله بهزيمة جيوش الأعداء .

عمّت الفرحة جيش الإسلام و شكروا الله على أن نصرهم على أعداء الدين و الإنسانية .

و عاد المسلمون إلى منازلهم فرحين بعد حصار بلغ شهراً كاملاً .

في مسجد النبي

اجتمع المؤمنون في مسجد النبي ( صلى الله عليه و آله ) يشكرون الله سبحانه و كانوا ينظرون بحبّ و احترام إلى الصحابي الجليل سلمان الذي أنقذ بخطّته المدينة المنوّرة و الإسلام من الغزاة .

لهذا قال الأنصار من أهل المدينة :

ـ سلمان منّا .

و صاح المهاجرون :

ـ سلمان منّا .

و نظر المسلمون إلى سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) ما يقول في سلمان .

قال النبيّ بحبّ :

ـ سلمان منّا أهل البيت . .

ثم قال ( صلى الله عليه و آله ) :

ـ لا يقولوا سلمان الفارسي و لكن قولوا سلمان المحمّدي .

و منذ ذلك اليوم و المسلمون ينظرون إلى سلمان باحترام و إجلال .

الجهاد

لم يفارق سلمان سيدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) في الجهاد و الدفاع عن رسالة الإسلام ، فاشترك في جميع المعارك الإسلامية ، مع اليهود في " بني قريظة " و " خيبر " و كان في طليعة الذين بايعوا رسول الله تحت " الشجرة " و التي تدعى " بيعة الرضوان " و في فتح مكّة و معركة " حنين " و رافق النبي ( صلى الله عليه و آله ) في مسيرته إلى " تبوك " .

كان سلمان صادق الإيمان مخلصاً في جهاده ، حتى سمع المسلمون سيّدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) يقول :

ـ إنّ الجنّة تشتاق إلى ثلاثة : عليّ و عمّار و سلمان .

ذات يوم كان سلمان يتحدّث الى أخويه بلال الحبشي و صهيب الرومي . كان منظرهم جميلاً فهم من ثلاثة بلدان مختلفة جمعهم الإسلام فأصبحوا إخواناً .

و في الأثناء مرّ أبو سفيان فنظر إليهم باستعلاء ، فهو ما يزال يفكّر بطريقة أهل الجاهلية ، فالعرب في رأيه أفضل من سائر الأقوام و الشعوب .

أما سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) فيقول :

ـ لا فرق بين عربي و أعجمي إلاّ بالتقوى .

أراد سلمان و بلال و صهيب أن يلقّنوه درساً و يذكروه بسماحة الإسلام فقالوا :

ـ ما أخذت السيوف من عدوّ الله ؟

سمع أبو بكر ذلك فقال لهم منزعجاً :

ـ أتقولون هذا لشيخ قريش و زعيمها ؟‍

ذهب أبو بكر ليخبر سيّدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) بما قالوه .

و لكن سيّدنا محمّد قال له :

ـ هل أغضبتهم يا أبا بكر ؟ إن أغضبتهم أغضبت الله .

ندم أبو بكر على ما قاله لهم و عاد إليهم مسرعاً و قال :

ـ يا اخوتي لعلّي أغضبتكم .

أجابوا بتسامح الإسلام :

ـ لا يا أبا بكر يغفر الله لك .

وفاة النبي

في يوم الاثنين 28 صفر ، انتقل سيّدنا محمّد الى الرفيق الأعلى و حزن المسلمون و بكى سلمان .

كان سلمان يحبّ سيدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) كثيراً و كان يقتدي بسيرته و يسير في طريقه و يحفظ كلّ ما يسمعه منه .

لهذا كان سلمان يحبّ عليّاً لأن الله و يحبّه و رسوله ، و قد سمع أكثر من مرّة النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) يقول :

ـ عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ .

ـ أنت مني بمنزلة هارون من موسى و لكن لا نبيّ بعدي .

ـ من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه و عادِ من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله .

كان سلمان قد سمع هذه الأحاديث و غيرها ، و لهذا فهو يعتقد بإمامة علي و انّه خليفة سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) بعده .

البيعة

بويع أبو بكر بالخلافة في سقيفة " بني ساعدة " و كان الإمام علي مشغولاً بتجهيز النبي ( صلى الله عليه و آله ) .

فوجئ الكثير من الصحابة بهذه البيعة و اعترضوا عليها ، لأن الخليفة الحقّ في رأيهم هو عليّ ( عليه السَّلام ) .

لهذا امتنع سلمان و أبو ذر و المقداد و عمّار بن ياسر و عبد الله بن عباس و الزبير بن العوام و قيس بن سعد و اسامة بن زيد و أبو أيوب الأنصاري و عبد الله بن مسعود و غيرهم من الصحابة .

و ظلّ الإمام علي على موقفه من البيعة إلى أن توفيت زوجته فاطمة الزهراء بنت سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) .

بايع الإمام ( عليه السَّلام ) أبا بكر من أجل الإسلام ، و كان سلمان ينتظر ، فقال له الإمام :

ـ بايع يا أبا عبد الله .

كان سلمان مطيعاً لله مطيعاً لرسول الله مطيعاً للإمام ، فبايع .

كان علي ( عليه السَّلام ) يحبّ سلماناً و يقول عنه :

ـ سلمان امرؤ منّا أهل البيت .

ـ من لكم بمثل لقمان الحكيم .

ـ قرأ الكتاب الأوّل و الكتاب الآخر أي الإنجيل و القرآن الكريم .

المدائن

شارك سلمان في معارك الفتح الإسلامي في بلاد فارس و كان يتقدّم المقاتلين بشجاعة نادرة .

و كان إلى جانب قائد الحملة على المدائن سعد بن أبي وقاص فعبر النهر بجواده .

قام بدور الترجمة بين المسلمين و أهل فارس ، فاستسلمت مدينة " إيوان " بدون إراقة الدماء .

عيّنه الخليفة عمر بن الخطاب والياً على المدائن فكان مثالاً للحاكم المسلم العادل .


http://www.islam4u.com/qesas/ma_sahaba_wa_altabeen/images/7.3.jpg

كان المرتّب الذي يتقاضاه خمسة آلاف درهم و لكنه كان ينفقه جميعاً على الفقراء .

كانت حياته بسيطة فهو يشتري خوصاً بدرهم واحد فيصنع منه سلالاً يبيعها بثلاثة دراهم ، ينفق درهماً واحداً على عياله و يتصدّق بدرهم و يدّخر الدرهم الثالث ليشتري به " الخوص " .

كانت ثيابه بسيطة ، و كان المسافرون و الغرباء عندما يرونه يحسبونه رجلاً من فقراء المدائن .

و ذات يوم كان سلمان يمشي في السوق رآه أحد المسافرين و كان معه أمتعة فأمره أن يحملها .

تقدّم سلمان و حمل الأثقال و راح يمشي وراء الرجل .

كان الناس في الطريق ينحنون إجلالاً للأمير و يسلمون عليه باحترام .

تعجّب الرجل الغريب و سأل :

ـ من يكون هذا الرجل الفقير ؟

فأجابوه :

ـ هذا سلمان الفارسي صاحب رسول الله و أمير المدائن .

اندهش الرجل و تقدّم من سلمان معتذراً و طلب منه أن ينزل الأثقال .

رفض سلمان ذلك و قال :

ـ حتى أوصلك .

تأثّر الرجل و أدرك ان سلمان من أولياء الله .

الكوفة

بعد فتح المدائن كان المسلمون يبحثون عن مكان مناسب للسكنى ، فانطلق سلمان و حذيفة بن اليمان للبحث عن أرض تلائم طبيعة المسلمين .

وقع اختيارهما على أرض الكوفة فصلّيا فيها ركعات ، و منذ ذلك التاريخ نشأت مدينة الكوفة التي أصبحت عاصمة للدولة الإسلامية فيما بعد و مركزاً من مراكز العلم و المعرفة .


الجهاد مرّة اُخرى

أصبح عثمان خليفة المسلمين و يأتي قرار بعزله عن الولاية .

فرح سلمان و انطلق الى المدينة ليزور ضريح سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) و يصلّي في مسجده .

كان يحبّ حياة الجهاد دفاعاً عن دولة الإسلام فالتحق بصفوف المقاتلين في فتح مدينة " بلنجرد " و هي من مدن الخزر ( في تركيا ) و كانت له مواقف مشهودة .

العودة

أصبح سلمان شيخاً طاعناً في السنّ .

و يشعر بدنو أجله و هو راقد في فراش المرض ، و يأتي المسلمون لعيادته يدعون الله له بالشفاء .

كانوا ينظرون بحبّ إلى رجل قضى حياته زاهداً يحبّ الله و الناس .

و ذات صباح طلب من زوجته أن تحضر له صرّة . كان سلمان يحتفظ بها مند سنوات .

تساءلت زوجته عنها ، فقال سلمان :

ـ قال لي حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : اذا جاءك الموت حضر أقوام يجدون الطيب و لا يأكلون الطعام .

فتح الشيخ الصرّة و رشّها بالماء ففاحت روائح طيبة ملأت فضاء الحجرة .

طلب سلمان من زوجته ان تفتح الباب .

و مرّت لحظات نورانية و أغمض الشيخ عينيه ليرقد بسلام .

مرقده

في منطقة يقصدها السواح لمشاهدة آثار المدائن حيث يرتفع طاق كسرى ، يجد الزائر مقاماً كبيراً يدعى ( سلمان باك ) ، يضمّ مرقد الصحابي الجليل سلمان المحمدي . . سلمان ابن الإسلام البارّ .

ذلك الفتى الذي غادر أرض إيران و طاف المدن في تركيا و الشام و العراق و الحجاز ليموت في المدائن بعد حياة طويلة قضاها في الجهاد و الزهد و العبادة .

و لا ننسى أن نذكر أن أهل المدائن كانوا يدعونه سلمان باك . و باك كلمة فارسية تعني الطاهر .

نعم كان سلمان طاهر القلب و الروح ، و كان امرءاً من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً .


http://www.islam4u.com/qesas/ma_sahaba_wa_altabeen/images/7.5.jpg

شذى الزهراء
09-01-2007, 02:31 AM
رضي الله عن سلمان الفارسي ..

قال النبي صلى الله عليه وال وسلم ( سلمان منا اهل البيت )..

طرح رائع مشكورة عزيزتي ملوكة ..

.:روح وريحان:.
09-01-2007, 10:04 AM
اللهم صل على محمد وال محمد
رضي الله عنك وارضيته
ياسلمان
"قدر رفع الاسلام سلمان فارساً"
مشكوورة اختي على المعلومات الرائعة عن الصحابي الجليل
..سلمان المحمدي..

نور الهدى
09-01-2007, 12:21 PM
اللهم صلي وسلم وزد وبارك على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين المنتجبين وعجل فرجهم واهلك اعدائهم والعن ظالميهم لقيام يوم الدين



الله يعطيك العافية


وتسلم الايادي


ورحم الله والديك اخية على الطرح

وجعله الله في ميزان اعمالك يا رب

الحال2007مه
09-01-2007, 12:59 PM
سلمان المحمدي من افضل الصحابه وفي معلومه باضيفها حتى لو فيها لقافه على موضوعش اختي
انه لما توفى سلمان رضي الله عنه كان الامام علي عليه السلام في الكوفه وسلمان توفى في المدائن
فطوى الله الارض للامام علي عشان يروح ويصلي عليه في المدائن وصار كل ذلك في ليله وحده بس
مشكوره اختي على سيرة الصحابي الجليل

كميل الفضلي
09-01-2007, 01:57 PM
السلام عليكم
طرحا جميل ومنكي اجمل شكرا جزيلا اختي اتمنا لكي كل الخير والصلاح والاصلاح تقبلي خالص امنياتي لكي بالتوفيق

عماد علي
05-02-2008, 10:36 AM
سلمان الفارسي: رحلة البحث عن الحقيقة




سلمان الفارسي: رحلة البحث عن الحقيقية
عاش سلمان الفارسي(روزبة) حياة قلقة، إذا لم يجد في معتقدات قومه ما يلبي طموحه، فبدأ رحلة البحث عن الحقيقة، ولذلك آثر الطواف في أصقاع العالم، تاركاً نصيبه من الجاه والمكانة الخاصة التي كان ينعم بها ويخصه بها والده (خشفوذان)، الذي كان يؤثره على بقية أخوته، ولا يكلّفه بأيِّ عمل في مزارعه التي كان يملكها، شأنه في ذلك شأن بقية المترفين.
بدأت رحلة البحث عن الحقيقة هذه عندما طلب منه والده أن يقوم بالإشراف على سير عمل الفلاحين في مزرعة له عن كثب، وطلب منه أن لا يتأخر في العودة إليه، كي لا يشغل باله، فمرَّ بكنيسة للنصارى وهم يصلّون، فأعجبه أمرهم، ورأى أن دينهم أفضل مما يعتقد، وبقي عندهم حتى غابت الشمس، يسألهم ويستفسر منهم عن ماهية هذا الدين.
في هذه الأثناء، قلق خشفوذان على ولده، ما حدا به أن يرسل جماعة في طلبه، وبينما هو حائر يفكر في أمره، وإذا بسلمان عائد بعد الغروب بقليل، ليجد والده على هذه الحال، فانتهره وأظهر غضبه عليه.
ولم يجد سلمان سبيلاً لكتمان ما رأى وسمع، فأخبر والده أنّ دين النصارى أفضل مما يدين، ولكن والده حاول إقناعه بأحقية ما يدين به وقومه، ولكن دون جدوى، عندها عمد والده إلى استخدام القوّة لتأديبه، فوضع القيود في رجليه.
وظل سلمان رهين قيده وبيته مدةً من الزمن، وبقي حلم الالتحاق بالدين الجديد يراوده، فعمد إلى بعض من يثق بهم وأرسله إلى النصارى الذين تعرَّف إليهم في الكنيسة يعلمهم عن لسانه بأنه قد أعجبه دينهم، ويطلب منهم أن يعلموه بتحرك أول قافلة نحو الشام حتى يكون في عدادها، ولما توفَّرت له الظروف، ألقى الحديد من رجليه، وخرج مع أول قافلة متوجّهة إلى الشام.
ولما وصل إليها، قصد صومعة رجل الدين الذي يوليه النصارى ثقتهم وقابله هناك، ودخل في خدمته ليتعلم منه شريعة الله التي أنزلها على المسيح، ويقرأ عليه صحائف الإنجيل، ويطلعه على بعض الأسرار...، وبقي معه إلى أن فارق رجل الدين الحياة، وقبل أن يموت دلّه على الراهب الذي يقول بمقالته وهو موجود في أنطاكية.
ومضى سلمان إليه والتحق به، وهكذا حتى مات الراهب، وكان قد دلّه على من هو على طريقته ومقالته، وهو راهب موجود في الإسكندرية.
وصل سلمان إلى الإسكندرية، واستدلَّ على الراهب، والتحق به في صومعته، وأقام معه مدةً من الزمن حتى توفي، ولم يدلَّه على أحد من طريقته، "وما بقي أحد علمه على دين عيسى بن مريم في الأرض". ورأى أن الزمن الذي سيبعث به النبي محمد(ص)، كما أخبره الرهبان، قد دنا، ومن علامات ذلك أنَّ بين كتفيه خاتم النبوة، يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة.
خرج سلمان من الدير، فرأى ركباً يقصدون أرض الحجاز، وعرض عليهم نفسه للخدمة في مقابل أن يقوموا بنفقاته، فقبلوا وسار معهم يخدمهم في رحلتهم تلك، يهيئ لهم ما يحتاجون إليه، وقد عانى في رحلته هذه معاناة شاقة، خاصة بعد أن عرفوا أنه ديراني، وكان ذلك في أعقاب قتلهم شاةً بالضرب ليأكلوا لحمها، فلم يشاركهم في الطعام، فأصّروا عليه، ولكنه بقي على موقفه الرافض، الذي ربما كان منطلقاً من طريقة قتل الحيوان ومنافاته للشرائع السماوية، ووجد خلاف ما كان يتوقع، فالذي ظهر أن القوم يكرهون الأديرة والديرانيين والنصارى أجمعين، وأنهم وثنيون أو يهود، فرأوا وجوده بينهم مدعاة لتعكير صفو عيشهم، فنهضوا إليه يؤدّبونه.
ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، حيث بدأت بوادر المحنة تواكبه من جديد وتضعه على المحك، فجاء أحدهم بالشراب، فأبى أن يشرب، فأوسعوه ضرباً، وإزاء هذا الموقف، أقرَّ لأحدهم بما يعبد، فأخرجه وباعه بثلاثمائة درهم إلى رجل يهودي.
حين اشتراه اليهودي أخذ يسأله عن قصّته، وسلمان يحدّثه بكل ما جرى له منذ أن ترك بلاد فارس حتى التقى براهب الإسكندرية، ولكن اليهودي ما إن سمع بذكر محمد حتى فقد صوابه، وصمَّم على أن ينتقم منه، فاليهود يقرأون في توراتهم ويسمعون من أحبارهم عن ظهور نبي يأتي بالحنيفية ـ دين إبراهيم ـ فكان بعضهم من المؤمنين ينتظر ذلك اليوم، والبعض الآخر تعامى عن الحقيقة فأخذته العزة بالإثم، وكان هذا اليهودي منهم.
وبدأ مع اليهودي رحلة المعاناة، بعد أن أخذ بتعذيبه. ولم يمض وقت قصير حتى باعه لامرأة سَلمية، فأحبّته تلك المرأة وأعطته حائطاً (بستاناً)، حيث مكث معها فترة طويلة يدير لها شؤون بستانها، يسقي الزرع ويؤبر النخل بكل أمانة وإخلاص، ويدعو الله بين الحين والآخر بأن يقرِّب الفرج واللقاء بالنبي الموعود.
في هذه الفترة، كان النبي(ص) قد خرج في مكة يدعو الناس إلى الهدى والحق واتباع دين الله الذي ارتضى، وسلمان لا يعلم بذلك، وقدم النبي إلى المدينة، وبينما كان سلمان في رأس نخلة، إذا به يسمع رجلاً يقول لصاحبه: "أي فلان، قاتل الله بني قيلة* والله إنهم الآن لفي قباء وهم مجتمعون على رجل جاء من يزعمون أنه نبي"، قال:" فوالله ما هو إلاّ أن سمعتها".
وبذلك سنحت الفرصة لسلمان للقاء النبي محمد(ص)، ولكنه تريّث قليلاً، لأن الهرب من مولاته يعقّد الأمور ويعطيه صفة (الآبق) الذي يستحقّ أشدّ أنواع العقوبات في شريعة الجاهليين.
وكان موعد اللقاء المنتظر عندما كان يعمل في البستان، حيث أقبل عليه سبعة رهط، وهم محمد رسول الله(ص)، وعلي بن أبي طالب، والحمزة بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وزيد بن حارثة والمقداد، وأبو ذر الغفاري.
وهنا اغتنم سلمان الفرصة التي كانت بداية خلاصه والتحاقه بركب الإسلام، وبانت له ملامح النبوّة من خلال ما كان يعرفه من مواصفات النبي، وبذلك أدرك سلمان النبي(ص)، ووصل إلى هدفه الذي خرج من أجله، ولكن بقيت مشكلة الرق (المفتعل) الذي تم بسبب أولئك الذين صحبهم سلمان من الإسكندرية، والذي يحول بينه وبين اللّحاق برسول الله(ص)، ولكن الرسول(ص) تدخل في أمر عتقه وافتداه بأربعمائة نخلة...

مع النبي(ص) في جهاده

يذهب أكثر المؤرّخين إلى أن سلمان لم يشارك في غزوات النبي الأولى كبدر وأحد، لأنه كان لا يزال حينها قيد الرق، ولكن بعد أن أعتقه الرسول(ص)، ما انفك سلمان في مصاحبته ومواكبته له في غزواته وحروبه، وإسداء الرأي والنصيحة حينما يتطلب الأمر ذلك، وكان له مواقف هامة في هذا المجال، لعل أبرزها ما أشار به على المسلمين في الحروب والمعارك ضد الشرك، ولا سيّما في غزوة "الخندق"، وذلك عندما استشار النبي(ص) المسلمين في وضع خطة تمنع دخول الأحزاب إلى المدينة، فأشار سلمان بحفر الخندق، قائلاً: "كنا بفارس إذا حوصرنا حفرنا خندقاً يحول بيننا وبين عدوّنا..."، فاستحسن النبي(ص) وأصحابه هذا الرأي، وأمر بحفره، وعندما بدأ المهاجرون والأنصار يبدون تقربهم من سلمان ويدّعي كل طرف بأنه منهم، حسم الرسول(ص) الموقف بقوله: "سلمان منّا أهل البيت".
ومما يؤثر لسلمان أيضاً، أنه كان قد أشار على المسلمين بعد أن وقفوا عاجزين أمام مناعة أسوار الطائف وحصونها باستعمال المنجنيق على حصنهم: "فإنّا كنّا بأرض فارس ننصب المنجنيقات على الحصن وتنصب علينا، فنصيب من عدونا ويصيب منا بالمنجنيق، وإن لم يكن المنجنيق طال الثواء"(الإقامة)، فأمره رسول الله(ص) فعمل منجنيقاً بيده، فنصبه على حصن الطائف وقذفوا به الصخور إلى ما وراء الحصن فلم تعمل فيه، ثم استعملوا نوعاً آخر من الأسلحة كان لبعض القبائل المقيمة بأسفل مكة علم بها، إضافة إلى ما قام به الرسول من إجراءات اقتصادية كان لها دور كبير في هدم معنويات ثقيف التي اضطرت أخيراً إلى الاستسلام.

سلمان وعلي(ع):

لقد وقف سلمان إلى جانب علي(ع) ودافع عنه في أكثر من موطن، ونادى بخلافته بعد رسول الله(ص)، كما روي ذلك عن جعفر بن محمد الصادق(ع) عن آبائه(ع) قال: "خطب الناس سلمان الفارسي بعد أن دفن النبي(ص) بثلاثة أيام فقال: "يقول رسول الله (ص) فيه: "أنت وصيي في أهل بيتي، وخليفتي في أمتي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولكنكم أخذتم سنة بني إسرائيل، فأخطأتم الحق، فأنتم تعلمون ولا تعملون، أما والله لتركبّن طبقاً على طبق على سنة بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة... عليكم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، فوالله لقد سلَّمنا عليه بالولاية وإمرة المؤمنين مراراً جمّة مع نبيّنا، كل ذلك يأمرنا به، ويؤكده علينا، فما بال القوم عرفوا فضله فحسدوه، ...".
ويوضح مقصده في حديث آخر، حيث قال مخاطباً الصحابة: "أصبتم الخير ولكن أخطأتم المعدن"، وفي رواية أخرى:"أصبتم ذا السن منكم ولكن أخطأتم أهل بيت نبيكم، أما لو جعلتموها فيهم ما اختلف منكم اثنان ولأكلتموها رغداً".

أمير المدائن:

تولَّى سلمان ولاية المدائن في عهد عمر بن الخطاب، ولم يتم العثور على نص يحدد تاريخ هذه الولاية وزمانها، إلاّ أنه من المرجّح أن توليه لها كان بعد فتحها دون أن يسبقه أحد إليها، ولا سيّما إذا أخذنا بعين الاعتبار خصوصية اللغة الفارسية إلى جانب كونه من السابقين، ما يعطيه الأفضلية في ذلك.
قال ابن الأثير: "وكان سلمان الفارسي رائد المسلمين وداعيتهم، دعا أهل بهرسير ثلاثاً، وأهل القصر الأبيض ثلاثاً"، وكان يقول لهم: "إنما كنت رجلاً منكم، فهداني الله للإسلام، فإن أسلمتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وأن أنتم أبيتم؛ فأدّوا الجزية وأنتم صاغرون، فإن أبيتم، نابذناكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين"، وقد خاطبهم بهذا القول قبل مهاجمتهم، علّهم يفيقون إلى الإسلام، وذلك تأسياً بالأسلوب الذي كان يتبعه الرسول(ص)، وقد تجلى ذلك بقوله: "أدعوهم كما رأيت رسول الله يدعوهم".
ومما يجدر ذكره، أنه حين ورد إلى المدائن قعد تحت ظلال الحائط في المسجد، ولم يقبل أن يدخل قصر الإمارة، وقد بقي سلمان في المدائن إلى أن توفي في سنة 34هـ، كما يقول السيد بحر العلوم، بينما يذهب البعض إلى أنه بقي فيها إلى خلافة أمير المؤمنين علي(ع)،"وأنه توفي في سنة 36 للهجرة"، ولعلّهم يستندون في ذلك إلى نصّ الكتاب الذي بعث به إليه أمير المؤمنين(ع)، والكتاب هذا نصه: "أما بعد: فإنما مثل الدنيا مثل الحية، ليّن مسُّها، قاتل سمُّها، فأعرض عمّا يُعجبُك فيها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك هُمومها لما أيقنت به من فراقها، وكن آنس ما تكون بها أحذر ما تكون منها، فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته إلى محذور، أو إلى إيناس أزالته عنه إلى إيحاش، والسلام".

علاقته بأبي الدرداء:

كانت تربطه بأبي الدرداء صداقة قوية، فزار الشام للقائه، والنزول في ضيافته، فأجابوه بأنه في بيروت التي كانت ثغراً من الثغور الهامة التي يرابط فيها المسلمون، فيمَّم وجهه إليها وقصدها، فاستقبل عند وصوله إليها بحفاوة بالغة قلّ نظيرها، وما يروى عنه أنه قال في المرابطين على ثغور بيروت: "يا أهل بيروت، ألا أحدّثكم حديثاً يذهب الله به عنكم غرض الرباط، سمعت رسول الله(ص) يقول: رباط يوم وليلة كصيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً أجير من فتنة القبر، وجرى صالح عمله إلى يوم القيامة".

مساهمته في بناء الكوفة:

كان لسلمان اليد الطولى في بناء مدينة الكوفة، والتي جاءت قصة بنائها، كما يبدو، نتيجةً لعدم ملاءمة التربة والطقس العرب الذين سكنوا المدائن، وكتبوا إلى عمر بذلك، فكتب إلى سعد، أن يبعث سلمان وحذيفة رائدين، ليرتادا منزلاً برياً بحرياً لا يفصله عن الحجاز بحر ولا جسر، فاختار الكوفة موقعاً، ليتخذها المسلّحون مستقراً لهم، ولما استقروا بها أرجع إليهم ما كانوا فقدوه من قوّتهم، وأقيم فيها مسجد، وهي اليوم مزار ملايين المسلمين، وفي ظهرانيها ثاني أكبر مقبرة في العالم، حيث يوجد فيها مدفن أمير المؤمنين علي(ع).

شخصيّة متميّزة

كان سلمان زاهداً متعبّداً، راغباً في الآخرة، قانعاً بما رزقه الله، يحب أن يأكل من عمل يده، وهو الذي كان عطاؤه خمسة آلاف من خلال إمارته على المدائن، فكان إذا خرج عطاؤه تصدَّق به، وهكذا.
وكان سلمان عالماً، روى عنه المحدثون الأحاديث عن رسول الله(ص)، ومنهم ابن عباس ـ حبر الأمة ـ وأبو عثمان النهري، وأبو الطفيل، وأبو مرة الكندي، وقد روى عنه البخاري ستين حديثاً، وغيرهم من الصحابة والتابعين.
اعتبر أن نسبه الإسلام، وهذا ما عبّر عنه بقوله عندما يسأل عن نسبه: "أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالاً فهداني الله بمحمد، وكنت عائلاً فأغناني الله بمحمد، وكنت مملوكاً فأعتقني الله بمحمد، فهذا حسبي ونسبي...".
قال رسول الله(ص): "إن حبَّ المرء دينه، ومروّته خلقه، وأصله عقله، قال الله تعالى: {يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}[الحجرات/8].




وقد ورد عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق(ع)، في رده على منصور بن برزخ، عندما سأله عن سبب ذكره الدائم لسلمان الفارسي، فقال: "لا تقل سلمان الفارسي، ولكن قل سلمان المحمّدي".
وعن أبي جعفر(ع) قال: "إنَّ سلمان منّا أهل البيت"، وغير من ذلك من الأحاديث التي وردت بأساليب مختلفة ولكنها تشير إلى مضمون واحد

ام الحلوين
05-04-2008, 10:52 AM
رحم الله سلمان المحمدي هنيئا له هذا المقام الرفيع

أحسنتم كثيرا و رحم الله والديكم خيتو ملكة سبأ خيي ابو باسم على هذه الطرح القيم
جزاكم المولى ألف خير و أثابكم لما يحب و يرضا و أثقل موازين حسناتكم
حفظكم المولى عز و جل و سدد خطاكم بحق محمد و آل محمد