المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال مهم جداً



ابن الاسلام
08-29-2007, 11:25 PM
اخوتي احب ان اقرأ اجاباتكم حول هذا السؤال :

هل يمكن ان يصل الانسان الى مقام قريب من اهل البيت (ع) او يكون منهم ؟

نورونا باجاباتكم .

ملكة سبأ
08-30-2007, 01:48 PM
اخي الكريم ابن الإسلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك من أقوال الحبيب المصطفي صلى الله عليه وآله ما يدل على أن الإنسان يصل به ان يكون مع النبي في الجنة ومنها الحديث المعروف حيث قال رسول الله : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة . وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى .
ثم بحثت كثيرا في محاولة ان افيدك .واتيتك بنص من محاضرة لسماحة الشيخ حبيب الكاظمي .
إن طبيعة علاقة الإنسان مع ربه، علاقة متوترة.. وهذا ما تشير إليه آيات مختلفة في القرآن الكريم، حيث يفهم منها حالة العتاب الإلهي الشديد للإنسان: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}، {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}، {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}.. ومن هنا فرب العالمين برأفته ولطفه، جعل مواطن مخصوصة منتسبة إليه، وكأن من دخل هذه المواطن، خرج من دائرة العتاب الإلهي.. كالذي يدخل قصر السلطان -مثلاً- في يوم مميز عنده، فإنه يشمله العفو، ويظفر بالجوائز القيمة.. ومثله أيضاً كما هو المتعارف عليه في الدول -هذه الأيام- في عيد التحرير أو ما شابه ذلك، من إطلاق سراح المساجين.. وقد يكون -في بعض الحالات- محكوماً عليهم بالإعدام، أو بالقضاء في السجن لسنوات طويلة.
إن المؤمن عليه أن يستغل هذه الفرص الزمانية والمكانية، لاستجلاب الرحمة الإلهية.. ومن المناسب أن نذكر هذه الراوية الجميلة: عن ثابت البناني قال: كنت حاجّاً وجماعةَ عٌبَّاد البصرة، مثل أيوب السجستاني، وصالح المري، وعتبة الغلام، وحبيب الفارسي، ومالك بن دينار.. فلما أن دخلنا مكة، رأينا الماء ضيقاً، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث.. ففزع إلينا أهل مكة والحجاج، يسألونا أن نستسقي لهم، فأتينا الكعبة وطفنا بها، ثم سألنا اللـه خاضعين متضرعين بها، فَمُنعنا الإجابة.. فبينما نحن كذلك، إذا نحن بفتىً قد أقبل، قد أكربته أحزانُه، وأقلقته أشجانُه، فطاف بالكعبة أشواطاً، ثم أقبل علينا فقال: يا مالك بن دينار، ويا ثابت البناني، ويا أيوب السجستاني، ويا صالح المري، ويا عتبة الغلام، ويا حبيب الفارسي، ويا سعد، ويا عمر، ويا صالح الأعمى، ويا رابعة، ويا سعدانة، ويا جعفر بن سليمان!.. فقلنا: لَبَّيك وسعدَيك يا فتى. فقال: أما فيكم أحد يحبه الرحمان؟.. فقلنا: يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة. فقال: ابعدوا من الكعبة، فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمان لأجابه.. ثم أتى الكعبة، فخر ساجداً، فسمعته يقول في سجوده: سيدي!.. بحبك لي إلاّ سقيتهم الغيث، قال: فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه الْقُرَب، فقلت: يا فتى، من أين علمت أنه يحبك؟.. قال: لو لم يحبني لم يستزرني، فلما استزارني علمتُ أنّه يحبني، فسألتُه بحبه لي فأجابني.
* فإذن، إن الفائدة التي نخرج منها: أن الزيارة دعوة، والذي يذهب إلى أي من المشاهد المشرفة، فليعلم بأن هنالك كرامة وضيافة في البين.
وإن شاء الله الإخوه والأخوات الأعضاء مايقصرو في إفادتنا جميعا

ابن الاسلام
08-30-2007, 03:49 PM
شكري الجزيل لك ( ملكة سبأ ).... جزاك الله خيراً

ابو طارق
09-02-2007, 12:31 PM
بسم الله الرحمن الرحمن


الابن العزيز


ابن الاسلام

بالتأكيد نحن لسنا مفكرين ومتفرغين للبحث الديني والعقائدي

انما نستعين بكتابات الكبار الذين نستفيد من خبرتهم وبحثهم

لذلك وبعد بحث طويل عن سؤالك وجدت مقال للدكتور (عباس طاهر )


وسانقله لك كما ورد

لا يخفى على أحد منا أن عملية التغيير والتطوير الذاتي ليست ســـهلة ، لأنها تمثل ممارسة إنسانية صحيحة ، وهي عملية بناء الذات ، وهذه الممارسة ليست بالسهلة لأن ورائها ألف هادم من جنود الشيطان على طول الوقت ..

حيث يمارس الشيطان شتى أنواع الأساليب الماكرة لإيقاع الناس في فخ الانحراف و إبعادهم عن طريق الهداية والاستقامة ، وقد وعد الشيطان بذلك بقوله ((لأغوينهم أجمعين)) ، وهو في حركة دائبة لا يملّ ولا يتعب بل يستمر بوضع العراقيل ، واختلاق الحجج التي تمكن الإنسان من التباطؤ في ممارسة العملية التغيرية للوصول إلي هدفه المقدس كما في قول الشاعر :

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه

إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

ولو ألف بانٍ خلفه هادم كفى

فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم

ولو استطاع هذا الإنسان الاستمرار في العملية التغيرية والتصدي لمحاولات الشيطان فإنه سيرتقي سلم الكمال ، ويكون أفضل من الملائكة ، ويكون بذلك قد بلغ الهدى والرضوان وبلغ مرتبة الصديقين ، و نال السعادتين في الدنيا والآخرة محققاً رضوان الله ((ورضوان من الله أكبر)) ، والوصول إلى هذا المقام يحتاج إلى إرادة قوية وعزم جاد على التغيير ، و توكل حقيقي على الله سبحانه لأن الطريق وعر وملئ بالأشواك والمخاطر قال تعالى : (( وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ( ( ( الأنفال7 )

وعن رسولنا الكريم (ص): ( أمرنا صعبٌ مستصعب لا يتحمله إلا نبي أو وصي نبي أو عبد امتحن الله قلبه بالإيمان ) .

نعم أيها الأحبة ... إن من يبلغ الهدف بالوصول إلى مرتبة الصديقيّن هو أرفع منزلة وأعلى مقامًا ممن يبلغ منتصف الطريق ، وهذا النموذج أفضل من الذي ضيع الهدف ونازلته رياح الهوى وحب الدنيا ، فانتصرت عليه وغلبته ، وقذفت به في موج الشهوات ، حتى أصبح يلهث وراء حطام الدنيا الفانية كاللاهث وراء السراب في البيداء .

لقد تجاوز هذا النوع من الناس على حرمات أنفسهم ، ولوّثوا ذاتهم المقدسة ، وأسكنوا قلوبهم الشيطان وجنده ، وبذلك خانوا أمانتهم ، و تعدوا على حرمات أنفسهم وعلى حرمات الله لأن القلب حَرمُ الله كما يقول الإمام الصادق(ع) : (القلب حرم الله فلا تسكنوا غير الله في حرمه) .

إن مثل هذا النموذج الإنساني قد لوّث فطرته وأمات قلبه ، فتحول إلى كتلة من السلوك المنحرف بعيداً عن كل القيم الإنسانية والإسلامية التي أوصى بها الجليل سبحانه ، فأصبحوا كالأنعام لا بل أضل سبيلاً .

أحبتي في الله حفظكم الله جميعاً وهداكم إلى سبيل الرشاد...

السطور التي بين أيديكم ما هي إلا محاولة متواضعة للولوج إلى عالم النفس ، والسعي لتذكيرها وتغييرها بالإسلام ، وتطويرها بالعمل الإيجابي البنّاء خطوةً خطوة لتتمكن من الوصول إلى أهدافها المقدسة ، لتحقيق السعادتين الدنيوية والأخروية .

أخوتي و أخواتي في الله هذه السطور المتواضعة غير كاملة لأن كاتبها لا يدعي الكمال ، فالكمال لله وحده سبحانه وتعالى ، وهو سائر معكم في طريق التغيير عسى الله أن يوفقه لذلك لكي يحقق بذلك مرضاة الله سبحانه ... نسأله تعالى أن يوفقنا للأعمال الصالحة ، وأن يجعلنا من الذين يســـتمعون القول فيتبعون أحسنه أنه سميع مجيب .

والحمد لله رب العالمين

((يتبع))

ابو طارق
09-02-2007, 12:35 PM
القسم الأول :

مع الإنسان في تكوينه الأولي :

من المعجزات العظيمة لله تعالى هي خلق الإنسان ، حيث جمع فيه الصفات الملائكية والصفات الحيوانية ، فخلق الإنسان من قبضة طينية ونفخة إلهية ((خُلق من طين لازب)) ((فنفخت فيه من روحي)) وقد مثلت القبضة الطينية الشهوة ، ومثلت النفخة الإلهية العقل ، فالإنسان في وجوده التكويني يحوي عنصرين : أحدهما مادي والثاني معنوي ، فالعنصر المادي يمثله الجسم ، و العنصر المعنوي يمثله العقل ، وميدان الصراع بين العنصرين هو الجسم المادي من خلال حركاته الوظيفية في السمع والبصر والكلام والتنفس والحركة والأكل والشرب وغيرها من الوظائف والفعاليات التي يمارسها الإنسان في كل لحظة من لحظات حياته ، فإذا غلب العقل الشهوة ، وسيطر عليها وأخضعها لنظامه يكون الإنسان بذلك أفضل من الملائكة لأن الملائكة خلقت وفيها العقل دون الشهوات ، أما إذا سيطرت الشهوات على العقل فيكون الإنسان أضعف من الحيوان و عبداً لشهواته ، ويصبح قلبه عشاً من أعشاش الشيطان ، فيتحول بعد ذلك الإنسان إلى حالة بهيمية متمردة خارجة على واقعها الإنساني لأن الله سبحانه حينما خلق الإنسان أراد منه أن يرتقي إلى مستوى المسؤولية ليكون الخليفة الحقيقي لله تعالى كما أراد له ذلك ، ولكن حينما تنازعه الشهوات الشيطانية وتسيطر عليه ، وتتحكم في عقله حينئذ يتحول هذا الإنسان إلى حالة بهيمية ، ويكون خارجاً عن الحدود المرسومة له في دائرة الخلافة الإنسانية على الأرض ، وينطبق عليها الوصف القرآن : ))إن هم كالأنعام بل أضل سبيلاً (( .

التغيير رسالة هذا الدين:

التغيير والحركة هما وسيلتان للوصول الى الغاية المثلى الاوهو رضوان الله تعالى وقربه ، ومن خلال هذه الحركة يتكامل الانسان ويبلغ نضجه ورشده وسموه بقدر ماينال من قرب الله تعالى.

وحقيقة هذه الحركة هي تفعيل المواهب التي اودعها الله تعالى في نفس الانسان ومن هذه المواهب هي: المعرفة،واليقين،والاخلاص،والايثار،والرحمة،والحلم،و الحلم،والشجاعة،والقوة،

والعطاء،والتضحية،والصدق،وكما يكمن في نواة الثمرة كل خصائص النخلة ،الا ان الفلاح يفعل هذه الخصائص الكامنة في النواة الصالحة ،والماء والنور ،والهواء ،والعناية .كذلك بوسع الانسان ان يقوم بتفعيل ما اودع الله تعالى في نفسه من المواهب وهذا التفعيل هو حركة الانسان التكاملية الى الله تعالى وبعكسه وسقوطه وخسرانه. وليس للانسان بين العروج الى الله تعالى والفلاح ، وبين السقوط والخسران حالة ثالثة .فاما ان يكون في حالة الخسران والسقوط وهي الحالة العامة التي عليها اكثر الناس واما ان يكون في حالة الحركة والعروج الى الله ،وهي الحالة التي عليها قلة من عباد الله ، وللاسف ان تكون الحالة الاولى هي الحالة الاولى هي الحالة العامة والحالة الثانية هي الاستثناء. وسورة العصر تبين هذه الحقائق جميعا .تبين ان الانسان بين العروج والسقوط وليس بينهما حالة ثالثة .يقول تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (16) سورة ق ، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (4) {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } (5) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (6) سورة التين

هذه الايات الكريمة تحدد المسيرة العامة للانسان الذي لايلتزم بالعلاقة الطيبة مع الله فهو الى الخسران والسقوط

{وَالْعَصْرِ} (1) {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) سورة العصر

ونلاحظ من الايات السابقة ان التغيير والعروج والكمال هي الحالة الاستثنائية في حياة الناس {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (25) سورة الإنشقاق {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}(6) سورة التين {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(3) سورة العصر،

والانسان الذي لايسعى ويتحرك باتجاه عملية التغيير يعبر عن حالة السقوط والتداعي والخسران ، لان الانسان او اي كائن في هذا الوجود صائر الى فناء ،لذلك ان كل لحظة من لحظات الحياة لايستثمرها الانسان في حركة التغيير والتكامل والعروج نحو الله فقد خسر شطرا من الطريق وفرصة من فرص الحركة والتكامل والتغيير وهذا هو الخسران فقد روي عن المعصومين (ع)

(( من تساوى يوماه فهو مغبون ومن كان امسه افضل من يومه فهو ملعون ومن لم يرى الزيادة في دينه فهو الى النقصان ومن كان الى النفقصان فالموت خير له ))

عوائق التغيير:

لهذا التغيير عوامل وعوائق ،ولايتم التغيير الا من خلال هذه العوامل وازالة هذه العوائق ، ومن خلال هذه العوامل العقل والارادة ، والفطرة ، والضمير،ومن هذه العوائق الهوى والانا الكامن في داخل النفس ، والمغريات والفتن المنتشرة في ساحة حياة الانسان ،ويكون للشيطان دور كبير في تحريك الفتن باتجاه الاهواء من خلال تزيينها والاهواء باتجاه الفتن والاهواء من خلال اثاراتها ،ويغري الانسان بذلك في ساحة الصراع. فالتغير يواجه هذا المثلث المرعب( الاهواء-الفتن-الشيطان).

والانسان في كل لحظة من لحظات حياته يصارع هذه القوى الثلاث المسلحة بكل الوسائل الممكنة للاطاحة به واسقاطه في مثلثها .

لذا يستثعر الانسان المتغيير بلذة الانتصار حينما يواجه هذه القوى الثلاث المتمردة عليه ويمنعها من التجاوز على حرمات نفسه .

فالهوى والانا لهما سلطان التاثير السلبي على حياة الانسان من خلال الدور الشيطاني الخبيث العامل على تقوية هذه العوامل في داخل النفس واخراج الانسان من ولاية الله الى ولايته وسلطانه ، {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الأعراف176

{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28

{فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى }طه16

{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً }الفرقان43

وحينما يسيطر الهوى والانا على الانسان تظهر علاماته السلوكية واضحة من خلال المظاهر السلبية التالية:

الاستكبار والاستعلاء، وقد مقت القرآن الكريم هذه المظاهر باعتبارها خارجة عن حدود وامكانات الانسان {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص83

الطغيان والغرور التي هي من مخلفات الهوى والانا ،فينشد الانسان اليها من خلال تحريك الذات ، وهذا ماعبر عنه القرآن الكريم احسن تعبير في وصفه للانسان المغلوب في هواه ان ليطغى {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى }العلق6.

ان اول من سيطر هواه وانانيته وأستكبر على الله تعالى هو ابليس لعنه الله اذا تمرد على اوامر الله تعالى من خلال رؤيته لنفسه انه افضل من ادم في خلقه {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }الأعراف12 ، وقد اخذ فرعون ومن سار على نهجه من سنة ابليس كل العناوين السيئة ،فجمعن كل الصفتت الخبيشة في مثلث السوء (الهوى-الفتن-الشيطان) ليخرج بصوت الهوى والانا والطغيان والتكبر حينما قال له الشيطان وهو يقود سيات أفعاله واقواله في حالة متمردة على الله تعالىقل {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى }النازعات24 وقاده الى تحدي اخر حينما امر وزيره هامان {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ }غافر36

فقدأستخدم الشيطان كل ادواته الخبيثة لانحراف الانسان وضمه الى حزبه {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }إبراهيم22،

وقد حذر المولى سبحانه في القرآن الكريم من أفعال الشيطان في الكثير من الايات من هذا الدور الخبيث للهوى والانا والشيطان.

{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }القصص50

{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }الجاثية23

وحينما يسيطر الهوى ويستحكم في داخل النفس تبرز قوة الانا وعلامة الطغيان والاستكبار على طاعة الله تعالى من خلال التحدي الجاهل ، والطغيان والاستكبار هما العلامة البارزة لسيطرة الهوى والانا على الانسان .

{كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى }العلق6

{اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }فاطر43

{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً }نوح7

وان اول من مهد لعملية الطغيان والاستكبار من خلال سيطرة الهوى والانا عليه هو الشيطان حينما تمرد على الله ورفض السجود الى نبي الله آدم (ع)

{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }الأعراف12

{قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }الحجر33

{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }ص76

فنلاحظ من خلال الشواهد القرانية ان كل العوامل السلبية التي تسيطر على الانسان تبني حجابا خاصا وسدا منيعا لمنع الانسان من التغيير والتحرر من قيود واغلال هذ المثلث الرهيب ، الذي ان سيطر على الانسان تحول الانسان الى حالة حيوانية متمردة بل اشد من ذلك. {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (179) سورة الأعراف

وهناك اكثر من 55 اية في القران تتحدث عند دور الشيطان في حياة الانسان وتحذر منه.

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }البقرة36

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة168

{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة268

{وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} (119) سورة النساء



((يتبع ))

ابو طارق
09-02-2007, 12:38 PM
القسم الثاني :

التـوحيد الإلهي وآثاره في النفــس الإنســــــــــــــــانية:

أن من عظمة الله سبحانه اتصافه بالقدرة والإحاطة على جميع الأشياء ، فالله تعالى هو فالق الحب والنوى ، ومخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ، وهو الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها ، وهو الذي بثّ من كل دابة ، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض ، وهو صاحب كل شيء، و له في هذا الكون آية تدل على أنه واحد ، و تدعو إلى توحيده سبحانه. والتوحيد هو المدخل الأساسي للدين وأصوله ، فلا يمكن للإنسان أن يكون مؤمناً ما لم يكن موحداً ، والتوحيد ليس كلمة يرددها الإنسان بلسانه بل هي ترديد من القلب ، ويعني ذلك إن الإنسان لا يجد غير الله رباً ولا غير طريق الله طريقاً، وهو إقرار بذاته وصفاته وأفعاله ، والاعتراف المطلق بعبوديته له سبحانه ، فينعكس ذلك على أخلاقه وسلوكه ، و يجعله دائم السعي نحو التغيير ، وهذا السعي المستمر يمنح الإنسان القوة والحصانة من الانحراف ، ويدفعه للعمل الجاد في الاتجاه الإيجابي والطمأنينة والثبات في حياته كما في قوله تعالى :

(( ألا بذكر الله تطمئن القلوب)) ( الرعد) .

وحينما يعيش الإنسان المفهوم العملي للتوحيد في كل ذرة من ذرات وجوده يتحول إلى كيان طاهر لا تلوثه الحياة المادية ، ولا يستطع الشيطان أن يغزو قلبه بمفاهيم الشرك أو يتجاوز على مشاعره التوحيدية ، ويكون دائم الذكر كما في دعاء الإمام الحسين (ع) : (اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك).

ويسعى دائما إلى تحويل مفهوم التوحيد إلى ممارسة عملية على الصعيدين الفردي والاجتماعي.. فحينما لا يستطيع الإنسان أن يجسد المفهوم العملي للتوحيد يكون بذلك قد أحدث خللاً في داخل النفس الإنسانية ، وصدّع أواصر العلاقة بينه وبين الله ، ودنس طهارة قلبه بالشرك المعنوي و تعدى على فطرته الإنسانية (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)) ( يوسف 105) .

وحينما يحصل التباعد يتحول الإنسان المسلم إلى كيان مفلس من الناحية المعنوية في الدنيا والآخرة ، و يكون تفكيره وسلوكه خالياً من القيم الإنسانية التي أوصى بها الرب سبحانه ، و لو تحرك اجتماعياً فإنه ينطلق في تحركه باتجاه الرغبة في الشهرة والرياء فهو موحدٌ في اللسان ومشركُ في السلوك ومتعدٍ على حرمات نفسه وحرمات الناس ، و هنا تكون نقطة الافتراق ويكون من المفلسين كما في تعبير القرآن : (( الأخسرين أعمالاً )) و جاء عن رسول الله (ص) أنه سُئل قومه : هل تدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . قال (ص) : (المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ، ويأتي و قد شتم هذا وقذف هذا ، وأكل مال هذا وسفك دم هذا ، وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وإن انتهت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم ، فطُرحت عليه ثم يُطرح في النار) .

الإنسان الموحد الحقيقي لا يمكن أن يصل إلى هذه النتيجة المخزية لأنه يعيش التوحيد سلوكاً و محصناً نفسه بالتقوى ، ويستشعر في قرارة نفسه بالرقابة الإلهية الدائمة ، فيراعي القيم الإنسانية انطلاقاً من مفهوم التوحيد ، وهذا الشعور الإيجابي يجلي النفس أكثر ، و يكسبها المعرفة الإلهية الحقيقية ، و يكسيها الله بالنور الخالد فيشاهد هذا الإنسان كل شئ بنوره سبحانه كما قال تعالى : ((ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ))

(( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور))

(( قد جاءكم من الله نور وكتاب ، يهدي به من اتبع رضوانه سبل السلام)) .

وعن رسول الله (ص) : (من علّمَ وعمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم) .

وعن إمام المتقين (ع) : ( إن الإيمان ليبدو لمعةً بيضاء ، فإذا عمل العبد الصالحات نما و زاد حتى أبيضّ القلب كله ، وإن النفاق ليبدو نكتة سوداء ، فإذا انتهك الحرمات زادت حتى يسوّد القلب كله ، فيطبع على قلبه بذلك الختم)

قال تعالى (( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )) .

نعم أيها الأحبة : إن تغيير النفس باتجاه التكامل التوحيدي ينمي حس الاعتقاد ويزيده ، ويؤثر ذلك على المصاديق العملية إيجابياً ((فزادهم إيماناً )) وهذه الزيادة في الإيمان ناتجة عن التكامل التوحيدي في النفس الإنسانية، فأضاف الله سبحانه نوراً إلى نورهم .. وإذا أراد الإنسان أن يتدرج في عملية التكامل لا بد له من أن يمر بمراحل أربعة ، و كل مرحلة مرتبطة بالأخرى لأنها متعلقة بعمق الاعتقاد ، وآثاره العملية على الصعيدين الفردي والاجتماعي .

فالمرحلة الأولى هي مرحلة الإسلام : وهي الإقرار بالشهادتين إقرار القلب واللسان .

والمرحلة الثانية هي مرحلة الإيمان : والإيمان أرفع درجة من الإسلام كما قال تعالى)) إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون )) (الأنفال2)

وفي المرحلة الثالثة وهي مرحلة التقوى التي يكون فيها الإنسان قد وصل إلى مرحلة من الصقل المعنوي والتهذيب الذاتي حتى وكأنه يرى بنور الله لأنه موجود في حالات الطاعة وغائب عن مواضع المعصية قال تعالى : .((إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) ((إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)) .

فالإنسان المتقي يسخر كل لحظة من لحظات حياته في طاعة الله وقلبه عاشق للمولى سبحانه كما في الدعاء المأثور: (اللهم اجعل لساني بذكرك لهجاً ، و قلبي بحبك متيماً .( حينما يتـنامى هذا الشعور في النفس ، و تستمر عملية الصقل الروحي يصل الإنسان إلى مرحلة جديدة أعلى من مرحلة التقوى وهي تمثل قمة التكامل الإنساني ، و يتصف صاحبها بصفات الصديقين و يكون بمصاف المعصومين كما قال تعالى )) : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)) ، والوصول إلى هذه المرحلة هو ثمار كفاح طويل ، و صقل دائم للنفس ، ففي هذه المرحلة يكون الإنسان قد وصل إلى مرحلة اليقين بالله تعالى كما قال أمير المؤمنين(ع) : ( عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم) ، وفي هذه المرحلة يكون الإنسان قد طهّر ذاته كاملاً من كل الأدران ، و تقرب باتجاه المعبود المطلق سبحانه .

حينما يصل الإنسان إلى هذا المستوى من التوحيد اليقيني يعني تجاوزه ثلاث مراحل من الإيمان هي :

1- علم اليقين : وهو مشاهدة الأشياء بآثارها كمشاهدة النار يتوسطها نورها .

2- عين اليقين: وهو المعايشة والإحساس كالذي يعيش ويتحسس آثار النار.

3- حق اليقين : هو الاطمئنان المطلق بالأثر كالاحتراق بالنار كما قال تعالى : (( كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين )) ( الواقعة) (( إن هذا لهو حق اليقين)) (التكاثر 7 ) .

وهذا النموذج الرباني من الشخصية الإسلامية هي التي يطمح الإسلام أن يصل إليها الإنسان ، لأنها تمثل الخلافة الربانية الحقيقية التي أرادها الله سبحانه وتعالى للإنسان التشرف بحمل مسؤوليتها وتحقيق المفهوم العملي للعبادة (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) .



((يتبع))

ابو طارق
09-02-2007, 12:40 PM
القسم الثالث :

العقل ودوره في العملية التغيرية :

العقل هو منبع العلم و مصدره ، وهو وسيلة السعادة في الدنيا والآخرة ، وكلما بلغ الإنسان من النضج العقلي أصبح أكثر قدرة على المعرفة الإلهية والتوحيد اليقيني .

والعقل هو مجد الإنسان وهو الدليل على معرفة الحق واتباعه ، وهو دعامة الإنسان المؤمن و الحجة الباطنة على الخلق أجمعين كما قال تعالى : ((لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)) (الملك 10 ) .

والعقل مخلوق عظيم لا يعرف عظمته إلا أهل الحكمة ، فقد جاء عن المعصومين(ع) روايات كثيرة تتحدث عن أهمية العقل في حياة الإنسان ( فالعقل غطاء ستير ، والفضل جمال ظاهر فأستر خلل خلقك بفضلك ، و قاتل هواك بعقلك تسلم لك المودة وتظهر لك المحبة) ، (لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال له وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك ولا اكملتك إلا فيمن أحب أما أني إياك آمر وإياك أنهي وإياك أعاقب وإياك أثيب) ، (ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل) .

العقل هو القوة التي أودعها الله سبحانه في الإنسان لكي يميزه عن سائر البهائم ، و هو نور يقذفه في القلوب، حتى يستطيع به الإنسان أدراك الأشياء وتحليلها ، والعقل على نوعين : عـقل مطبوع ، و عـقل مسموع ، فالعقل المطبوع هو المراد بقول الرسول (ص) : (ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل) ، بينما العقل المسموع هو المراد بقول الرسول (ص) : (إذا تقرب الناس بأبواب البر فتقرب أنت بعقلك) ، وعنه (ص) : ( اجتنب محارم الله وأدِ فرائض الله تكن عاقلاً ، واعمل بالصالحات من الأعمال تزدد في عاجل الدنيا رفعةً وكرامةً ، و تـنل بها من ربك القرب والعـز ) .

وحينما يكون الإنسان عاقلاً يكشف الله له البصر والبصيرة فيرى الأشياء بنور الله تعالى ، و العاقل هو الذي يربي نفسه ويهذبها دائماً حتى يكون القدوة الحسنة والصالحة للآخرين (وإن أشد الناس عقلاً أكثرهم إيماناً ) .

وللعقل درجات ترتبط بالإيمان ، فكلما كان الإيمان أكبر كان العقل أكبر كالمتسابقين مبدأهم واحد ومقصدهم واحد ، ولكن وصولهم إلى مقصدهم يختلف ويتفاوت طبقاً لنشاطهم و قوة أجسادهم.. كذلك الإنسان الساعي للتغيير فبعضهم من يستخدم كل قواه العقلية ليصل إلى مقصده ، فتظهر علامات التغيير واضحة في سلوكه وأخلاقه على الصعيد الفردي والاجتماعي ، و بعض أخر يتخلف لأنه لم يستخدم عقله فيضلّ طريقه ، و تكون عاقبته الخسارة في الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين قال تعالى: (( أ رأيت من اتخذ إلهه هواه)) .

القسم الرابع :

التغيير وأهميته في حياة الإنسان :

لكل إنسان هدف في حياته يسعى لتحقيقه سواءً كان الهدف دنـيوياً أو أخروياً.. فهو يسعى له ليـصل من خلاله إلى تحقيق أحلامه وآماله حتى وإن كانت الصعـاب أمامـه .

والإنسان المؤمن في إرادته وعزيمته وتوكله على الله سبحانه يستطيع أن يصل إلى مقصده حتى وإن كان الطريق ذات أشواك وبعيد المسافة لأن مقصده النهائي هو الله ، و الله سبحانه يجازي العبد على قدر سعيه ، وعلى قدر المشقة التي تحملها في الطريق ، لذا فإن وجود عنصر التحدي في النفس الإنسانية لمواجهة الصعاب هو السبيل الحقيقي الذي يٌمَكْن الإنسان من بلوغ هدفه المادي والمعنوي كما قال إمام المتقين (ع) : (همم الرجال تـزيل الجبال) .

نعم.أيها الأحبة.. إن الإرادة القوية الواعية والعقل المخطط هما العنصران القادران على إيصال المرء إلى النجاح و بلوغ الأهداف الدنيوية والأخروية ، و قد لا يوفق الإنسان للوصول إلى هدفه المادي الدنيوي ، و لكنه يوفق النجاح المعنوي ، فهو بحد ذاته يعد انتصاراً حقيقياً للإنسان الساعي إلى التغير والتطوير الذاتي ، ولا يصل إلى إدراك الأثر المعنوي للنجاح إلا الإنسان الواعي العارف في الله لأنه أقرب الناس إلى التغيير من غيره ، فالمعرفة والعلم عاملان مهمان في عملية التغير وهما يساعدان الإنسان على تشخيص كل الجوانب السلبية والإيجابية في الحياة ، ويدفعانه نحو التغيير والتطوير .

القسم الخامس :

مراحل التغيــيــر:

المرحلية في البناء الذاتي من العوامل الإيجابية التي تطور ذهنية الإنسان المتغير و المغيَّر لأنها مدرسة تكسب العاملين الخبرة وتجاوز السلبيات ، والوقوف على الجوانب الإيجابية وتنميتها . وللتغيير أربع مراحل هي :

المرحلة الأولى: الفهم الواعي للحياة :

إن الفهم الواعي للحياة والسعي المتواصل لاستئصال الجوانب السلبية في فكر وسلوك الإنسان من خلال وضع الأولويات في عملية التغيير ، و سرعة إنجازها بكفاءةٍ ونجاح تؤدي للوصول إلى الأهداف السامية .

وهناك عوامل كثيرة تؤثر على فهم الإنسان ووعيه ، فقليل من الناس يعلمون ما يفعلونه ، و أقل منهم يفعلون ما لا يعلمون ، ومن العوامل المؤثرة على حياة الإنسان هي :

1- العامل الذاتي

2- العامل الثقافي

3- العامل الاجتماعي

4- العامل المادي

5- العامل الزمني

المرحلة الثانية: الإيمان الحقيقي في عملية التغيير والتطوير الذاتي:

الإيمان الحقيقي بجدوى عملية التغير والتطوير هي علامة إيجابية تمكّن الإنسان من الوصول للطريق الصحيح من دون أن يضيع في متاهات الأفكار وتزاحم الطرقات ، والإيمان في عملية التغيير يولّد للإنسان طاقة احتياطية و ذخيرة حيوية تمدّه عند الحاجة إليها ، و تدفعه إلى السعي الجدي في عملية التغيير والتطوير متجاوزاّ كل التحديات التي تواجه مسيرته التغيرية .

المرحلة الثالثة: مرحلة الارتقاء بالمستوى النفسي والروحي :

إن عملية التهذيب الذاتي والارتقاء بالنفس نحو التكامل الإنساني ، والاعتماد الحقيقي على الله تعالى تعطي للإنسان زخماً في العطاء ، و قوة مادية ومعنوية ، وإن التخطيط الواعي والاعتماد على الله تعالى يدفع بالإنسان نحو التقدم والارتقاء نحو التكامل الإنساني الحقيقي باتجاه المطلق سبحانه ، فأصحاب الهمم العالية لا يختلفون عــنا في تكوينهم المادي الترابي فهم بشر و نحن بشر ، خُـلقوا من تراب ، و كذلك خُـلقنا من نفس ترابهم ، لكنهم يختلفون عـنا بالروحية الواعية العالية التي مكنّــتهم من استمداد العون من الله تعالى ، و أعطتهم القوة والإرادة والصمود والتحدي لمواجهة الشيطان وجنده ، وهذه الروحية لم تكن وليدة لحظة آنية بل هي نتاج تهذيب مستمر للنفس التي تمكنت من خلاله الوصول إلى علاقة قريبة حقيقية مع الله تعالى ، فالله سبحانه يقول : (( ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا)) ، ((أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))

فحينما يعيش الإنسان المتغير في رحاب هذه العلاقة المباركة يكون قوياً في الله ولا يخشى أهل الشيطان لأن كيد الشيطان ضعيف ، وهو أهون من بيت العنكبوت ، بينما يكون الإنسان المؤمن المرتبط بالله أشد من الجبل الراسخ لا تحركه العواصف ، و حسبنا فيهم قوله تعالى (( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخـشوهم فـزادهم إيماناً وقـالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)) .



((يتبع))

ابو طارق
09-02-2007, 12:43 PM
المرحلة الرابعة: التصميم والإرادة في مواصلة العملية التغيرية:

يعتبر التصميم والإرادة على مواصلة العملية التغيرية على الصعيد الشخصي والاجتماعي من العوامل المهمة لديمومة التغيير و استمراريته.. وأول مراحل التصميم هو تكييف الظروف المحيطة بالإنسان المتغير لتكون ظروف إيجابية رغم صعوبتها ، و اتخاذ القرار الحاسم في عملية التغيير لأن أول ميادين الصراع في العملية التغيرية هي النفس كما يقول إمام المتقين(ع) :(ميدانكم الأول أنفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتم عنها كنتم عن غيرها أعجز ، فجربوا معها الكفاح أولاً ) .

إن التردد أو التأخير في اتخاذ القرار الإيجابي في العملية التغييرية ، و إخضاع ذلك للتبريرات الشيطانية هي وسيلة معرقلة لهذه العملية ، فمن يريد الوصول إلى مقصده لتحقيق مرضاة الله عليه أن يعمل ما بوسعه جاهداً لتحقيق إرادة التغيير والوصول إلى أهدافه لا أن يستسلم للظروف المحيطة به لأن الظروف مهما كانت فهي لن تكون مطابقة لما نريد ، و علينا أن نعمل جاهدين لتكييف كل الظروف باتجاه الحركة الإيجابية للعملية التغييرية ، فمثلاً إذا كنت تدخن السيجارة ، و قررت ترك التدخين، فعليك احترام قرارك وعدم التدخين مطلقاً ، أما إذا قلت سوف أحاول أو أسعى لترك التدخين اليوم أو غداً أو بعد غد من دون اتخاذ الموقف العملي لذلك فقد فقدت بذلك مصداقيتك مع نفسك ، ومع من وعدته ، و خضعت إلى شهوتك وبررت تبريراً واهياً بقاءك على التدخين بوسيلة وأخرى .

إن أفضل وسيلة للوصول إلى التصميم الناجح في عملية التغيير هو اتخاذ القرار تلو القرار بوعي وحكمة حتى لا يستسلم إلى شهوات النفس والانهزام أمامها من خلال طرح التبريرات الواهية ، و حينما يصمم الإنسان على فعل شيء أو ترك شيء يجب أن يكون تصميمه مرتكزاً على ثلاث مستلزمات :-

1- الهدف من التصميم .

2- ماذا يعني التصميم لديهِ ؟؟

3- السبيل إلى الاستفادة العملية من التصميم وتحقيقه .

إن أشد ما يواجهه المرء من تحديات في العملية التغيرية هو التردد، لذا فأن البقاء على قوة التصميم والتمسك به هو أحد عوامل النجاح في ممارسة التغير و تطوير الذات للارتقاء بها لتكون بمصاف الصديقين .

وقد يواجه هذا التصميم صعوبات كبيرة على الصعيديين الذاتي والاجتماعي ، و لكن الهمم العالية أكبر من أن تستسلم للمعاول الهدّامة مهما بلغت قوة تدميرها، والإرادة الإيمانية القوية أكبر من كل التحديات خاصة عند ارتباطها بالمقدسات ، و تتفاعل مع النفس إلى حد الرسوخ اليقيني فتمنحه القدرة على الحركة بفاعلية وتعطيه الأمل الكبير للوصول إلى الأهداف الكبيرة ، وكما ذكرنا سابقاً قول إمام المتقين(ع) : ( همم الرجال تزيل الجبال ) .

ولترسيخ هذه الإرادة في النفس هناك ثلاث عوامل لتعزيز الإرادة لمواجهة التحديات وهي :

1- العقائدية :

هي رسوخ الطابع اليقيني والتقديسي للأفكار في النفوس ، و قدرتها على التغيير لتكون تلك الأفكار قوة محركة تتفاعل معها كل ذرة من ذرات الإنسان إلى حد الاندماج المطلق و الذوبان الفعلي الذي لا ينفصل عنها ، و يتحول هذا الرسوخ إلى حب أبدي لأنها أفكار منطلقة من وحي الرسالة السماوية ليعيش الإنسان بقوة محركها الروحي ويرتبط معها ارتباطاً مقدساً ، فيقدم نفسه وأهله وأصحابه كبش فداء من أجل أن يحافظ عليها ، و يحملها كرسالة تغيير للإنسانية جمعاء ، وقد عاش الرسول(ص) و أهل بيته (ع) و أصحابهم هذه الروح السامية وحملوا الرسالة المقدسة معبرين عن الولاء لها بأغلى الأثمان ، و وصلوا إلى حالة العرفان المطلق الذي يعبر عن عمق الاندماج والحب والتقديس لرسالة الله سبحانه ، فقد قال الإمام الحسين(ع) وهو في أشد الأزمات :

إلهي تركت الخلق طُراً في هواكـا

و ايــتمــت الــعيــال لــــكي أراكـا

و لـو قـطعتــني فــي الحـــب أربـا

لـــما مـــال الــــفــــؤاد إلى سواكا

إن هذا الرسوخ والتقديس لرسالة الإسلام والحب المطلق لله سبحانه جعل الإمام الحسين يطلق عواطفه الإنسانية ، و يضحي بكل شيء من أجل الوصول إلى تحقيق الهدف الأسمى في تعبيد النفس وتعبيد الناس لله تعالى ليحقق الهدف ((ورضوان من الله أكبر)) .

2- الأمل:

إن الإنسان المؤمن لا يعرف الانكسار ولا يعرف التردد ، ولا يعرف الخوف أو القلق بل يعرف أن الأمل الكبير بعون الله ونصره ، وتسديده هو الضامن لاستمراره بالعملية التغييرية ، ويعرف أن الطريق مملوء بالأشواك ، و هو صعب مستصعب ، و يحتاج إلى الكثير من الصبر والثبات، والمثابرة والسعي للنجاح في الامتحان ، وانطلاقاً من هذا الدافع يتحمل الإنسان المؤمن كل الصعاب ويكون صابراً وشاكرا لله تعالى وقلبه مطمئن بأن النصر قريب مهما بعُدت المسافة وكثرت التضحيات لأنه يرجو من الله ما لا يرجوه غيره من العباد (( وترجون من الله مالا يرجون )) .

3- الدافع الذاتي

هو القوة المحركة التي لا تتأثر بالمؤثر الخارجي بل هي نتاج العقائدية والأمل ، والدافع الذاتي في التغيير يعطي للإنسان القوة في الاندفاع نحو العطاء والبذل والتضحية.. والدافع الذاتي للتغيير هو ثمار ما يلي :

قوة الإرادة والحزم في اتخاذ قرار التغيير.

تجاوز أصعب الخطوات في عملية التغيير.

3- الاستفادة من دروس من اتخاذ القرار

4- ترويض النفس باتجاه التغيير لأن للنفس إقبال وأدبار

5- الاستئناس بقوة القرار والشكر اللامنقطع لله تعالى على حسن التوفيق باتخاذ القرار



اللهم اغفر ولكل المؤمنين وجعلنا من عبادك الصالحين

ارجوا ان اكون قد لبيت طلبك ابني

كما ذكرت في اول الرد

ان هذا المقال منقول

والحمدلله رب العالمين

محمود سعد

ملكة سبأ
09-03-2007, 12:00 AM
كل الشكر والتقدير للوالد العزيز ابو طارق على الجهد الطيب والإفادة لنا جميعاً

ابن الاسلام
09-03-2007, 12:59 AM
جهد مبارك وطيب من الاب الحنون .... جزاك الله خيراً .... ومانقلته عبارة عن قول ثقيل لا يحمله الا اهله ... جعلنا الله منهم .

ابو طارق
09-03-2007, 03:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

كل الشكر لكم ابنائي

وخاصة ابنتي الغالية

ملكة سبأ

التي اثارت بي عزيمة البحث عن شيئ استفيد منه وافيد