الـمـشـاكـسـه
05-20-2007, 08:35 PM
أخذت تراقب السيارة وهي تغادر مبتعدة بعد ما نزلت منها غاضبة وحزينة .... اختلطت دموعها بالمطر وزادته غزارة .... تلفتت حولها للبحث عن مأوى يقيها قطرات المطر القاسية كقسوة ليلتها هذه لكن غزارته منعتها من الرؤية جيدا ... كان المكان خاليا وكئيبا وكذلك الشارع وكأنه لم يكن مأهولا منذ ساعات تراء لها ضوءا من بعيد في زاوية أحد المحلات المغلقة بسبب الأمطار الغزيرة رغم أن الساعة لم تتجاوز الساعة العاشرة مساء ... ركضت باتجاهه وعند اقترابها كانت كابينة هاتف فدخلت فيها بسرعة مما جعلها ترش المكان بالماء الذي يتقاطر منها فقد كانت مبتلة تماما.
- هيه انتبهي لا ينقصنا البلل هنا أيضا.
كان شابا جالسا بيده كتاب وبجانبه حقيبة كالتي يستعملها رجال الأعمال أراد النهوض بسرعة ولكن....
- طراااااااااااااااخ ....
صوت انغلاق باب الكابينة بفعل الهواء فرجع لجلسته وعلى وجهه خيبة الأمل
- آسفة سوف أخـــــ ...
قالتها وهي تحاول فتح الباب...لكن الباب لا ينفتح..
- من الداخل فقط هذا ما اكتشفته بعد دخولي وأظن أن الورقة الملصقة خارجا والتي أفسدها المطر كانت تنبيها بذلك ..
فجأة سمعا صوت رعد وكان عاليا ومخيفا جدا مما جعلها تخفي رأسها بين ساعديها محاولة سد أذنيها فوقعت بعض قطرات المطر التي كانت تبلل رأسها على وجه الشاب فأخذ يمسحه بيده وهو يقول مازحا :
- لم أكن أعتقد أن المطر مالحا هكذا ..
نظرت إليه بعينين غارقتين بالدموع ثم بدأت بالبكاء .. وقف واقترب منها محاولا تهدئتها بمزحة أخرى ..
- أظن أني عرفت سبب ملوحة المطر ...
زادت في البكاء...
- أرجوك يا آنسة إنني لا أعرف السباحة وخاصة في المياه المالحة
ابتسمت بسبب ما قاله والطريقة التي تحدث بها .. نظر إليها وقد فتنته ابتسامتها البريئة ..
- وقد ظننت أن الشمس لن تشرق أبدا .. هل أخبرك أحد بأن لديك ابتسامة دافئة ...
عادت للبكاء ثانية ..
- أوه لا .. أرجوك يا آنسة توقفي عن البكاء فلم أكن أقصد أن أضايقك بكلامي ..
توقفت عن البكاء وأخذت تمسح دموعها
- لست السبب في بكائي إنما شخص ظننته يحبني لكنه لم يقل لي كلاما لطيفا مثل الذي قلته قبل قليل وقد تركني أنزل في هذا المكان دون أن يكلف نفسه عناء إيصالي للمنزل ...
- غبي
- دائما يتباهى بنفسه فهو أفضل لاعب ركبي في كليتنا وقد علمت أنه كان يتقرب مني ليثير غيرة صديقته فقط ..
- هذا لأنه أعمى وأحمق ولا يستحق دمعة من هاتين العينين الجميلتين ..
- هل تحاول مواساتي بهذا الكلام اللطيف؟
- لا أبدا إنما .......
- إن كنت تواسيني فتوقف عن ذلك لأن المواساة تثير اشمئزازي .. كما أنك على حق إنه لا يستحق أن أحزن عليه..
- في الحقيقة لم أكن أواسيك بل أحاول أن أستجدي منك بعض النقود المعدنية لأتصل بمن يخرجنا من هنا ...
- نعم أعتقد بأن لدي قرشان في مكان ما هنا ...
أخذت تبحث في جيوب بنطالها ...
- انتظر قليلا.. هاهي ..
- هذا رائع إنك رائعة لقد أنقذتنا ....
من شدة فرحته نسي نفسه وكاد يعانقها لولا أنها حملت السماعة ورفعتها في وجهه محاولة منها لتجنب مثل هذا الموقف ..
- أوه !.. حسنا...
أدخل النقود وبدأ بالاتصال ...
- مرحبا ستيف ... ما كل هذه الضجة ؟... ماذا ؟! حفلة يا لكم من أصدقاء كيف تحتفلون من دوني ؟!!! ... لست أحمقا لأنسى يوم ميلادي ولكنني عالق في كابينة هاتف وأريدك أن تأتي لتخرجني ... ماذا العنوان نعم نعم إنه....... ستيف ! ستيف ! تبا لقد انقطع الخط
أخذت سماعة الهاتف من يده
- لاشيء
- ربما تعطل من صاعقة ما
صمتا للحظة ثم استدارت وجعلته خلفها وبدت منهمكة في حقيبتها ..
- آه أرجوك وللمرة الأخيرة أن لا تبدأي بالبكاء الآن لأنني سوف أبكي ولن تستطيعي إسكاتــــــ .....
وقبل أن يكمل استدارت إليه بابتسامة تعلو وجهها البريء وفي يدها قطعة شوكولاه وقد وضعت فوقها دبوس شعر رفيع
ما هذا ؟
- إنه دبوس وهو نظيف لم أستخدمه أبدا صدقني
- لا ... أقصد مالذي تفعلينه ؟ !!
- إنها كعكة يوم ميلادك ..
- ماذا ؟ قالها والدهشة تعلو وجهه وكان أشد خوفه أن تكون الفتاة قد جنت
- لنتظاهر بأن هذا الدبوس شمعة وهذه الشوكولاه هي الكعكة .... هيا لنحتفل .
- الآن حقا أشعر برغبة في البكاء
- أظن أن البكاء عالق هنا أيضا وقد انتقل مني إليك..... هيا
- هيا ماذا... أأبكي ؟!!
- لا أيها الغبي قصدت هيا لنحتفل
جلست وهي تغني أغنية يوم الميلاد أما هو فظل واقفا ينظر إليها فرفعت رأسها إليه وسحبت يده لتجلسه ويغني معها فجلس ولكنها توقفت فجأة ...
- ما اسمك ؟
- من أنا ؟!!
- لا ذلك الأحمق الذي يقف خلفك .. بالطبع أنت كي أكمل الأغنية ونتناول الشوكو.... أقصد الكعكة..
- أنا أدعى براين ...
أكملا الغناء وتظاهرا بإطفاء الشمعة ثم تناولوا الشوكولاته ...
- أشكرك على هذا الاحتفال الـــــ ...
- السيئ أعلم أنه أسوء حفلة ميلاد أقمتها في حياتك..
- لا أبدا صدقيني آنسه.........
- ليديا وتوقف عن مناداتي بالآنسه ..
- حسنا ليديا إنها حقا ليلة مميزة بالنسبة لي الكعكة , الشمعة , الضيوف ......
ابتسمت وقالت :
- ماذا هل ترى ضيوفا غيري ؟!! والمكان أليس مميزا أيضا .....
ضحك براين لما قالته ليديا
- ماذا كنت ستفعل بعد هذا الوقت لو كنت في المنزل الآن ؟؟
- لنر الساعة الآن الحادية عشرة من المفترض أن أكون واقفا فوق الطاولة أغني بينما يرقص أصدقائي ...
- رائع هلا غنيت لي
- لا أعتقد أن.......
- أرجوك فقط أغنية واحدة ....
- حسنا سأغني أغنية أحبها كثيرا ولتكن تعبيرا عن شكري وامتناني لك على هذه الحفلة المميزة..
- كفاك مجاملات فلم يعد لدي ما تستجديه كما أن الهاتف معطل ..
غنى براين أغنية هادئة بصوت جميل فسرحت ليديا وهي تنظر من خلال زجاج الكابينة .. شعر براين بأن أغنيته سببت لها الحزن فتوقف ..
- هل أزعجتك الأغنية ؟..
- لا ولكنها ذكرتني بشخص عزيز كان يغنيها لي وكنا نردد كلماتها وكأنها قسم بأننا سنظل نحب بعضنا ولن ننسى الذكريات الجميلة التي جمعتنا معا رغم كل الظروف التي تحاول إبعادنا عن بعض ..
- أعتذر إن كنت قد ذكرتك بما نسيته ..
قالت بغضب :
- أنا لم أنسه كي تذكرني إنه عهد لن أخلفه أبدا
- حقا !! إن كنت مازلت على عهدك له فلماذا تخرجين مع شخص آخر كلاعب الركبي ذاك ؟!!
ــــــــ
ضحكت ليديا وأمسكت بطنها من شدة الضحك
- ما المضحك في الأمر آنسه ليديا ؟؟
- لقد أسأت فهم الموضوع لقد كنت أتكلم عن نيك أخي
- وما الذي يجعل أخاك بعيدا عنك ؟؟
- والدته فهو أخي غير الشقيق .. لقد تزوج والدي منها ولكنه لم يستطع الاستمرار معها فانفصلا وتزوج والدتي وبعدها انتقلنا لهذه المدينة ولم تكن والدة نيكي تسمح لوالدي بزيارته لكنه كان يأتي لزيارتنا بين حين وآخر دون علم والدته كنت أقضي معه أجمل أوقاتي رغم قلتها ... إنني أفتقده بشدة ...
- ابتعد أيها المزعج إياك أن تقترب منها هيا أخرج من هنا..
قفزت ليديا وجلست بجانبه خوفا من أن يكون هناك شيئا خلفها
- كنت أشك في أنك ترى غيري منذ أن تحدثت عن الضيوف أما الآن فأنا متأكدة ..... مع من كنت تتحدث ؟
- كنت أكلم البكاء ..
- من؟!!!!!!!
- ظننته سوف يأتيك لكنني طردته بعيدا ..
- طردت من ؟
- البكاء .. وقد خرج من تلك الفتحة الصغيرة هناك ...
نظرت إليه وهي تكتم ضحكتها أما هو فقد تصنع الجدية
- هل أنت جاد ؟؟
- بالطبع ألم تريه يخرج باكيا ...
قالها وهو يلتفت إليها وما إن التقت عيناهما ببعض لم يستطيعا كتمان ضحكتيهما فتعالت الضحكات واختلطت بصوت المطر والرياح... لكن فجأة رعدت السماء فصرخت وأخفت رأسها بين يديها ..
- لا تخافي مجرد رعد..
- أعرف لكنه يخيفني ..
- لا عليك فقد توقف ...وبطريقة التخويف استطرد قائلا..... لبرهة وسوف يعود .....
ابتسمت وأشارت للكتاب بجانبه
- ماذا كنت تقرأ ؟؟ ....... أمسكه
- هل تعنين هذا الكتاب إنه...... لا شيء مجرد كتاب عادي ..
خطفته من بين يديه وأخذت تتفحصه
- دعني أرى !! 1000 طريقة للتخلص من منافسيك .. يبدو أنك شرير من هم منافسوك ؟
- إنها قصة طويلة لن أزعجك بسردها..
- قلها فأنا لن اذهب لأي مكان ..
- حسنا انه ابن عمي بيتر .. لقد ترك جدي الشركة التي أعمل بها الآن للأكفأ من أحفاده أي أنا أو بيتر ولربما كان ما بيننا منافسة شريفة لولا تدخل عمي ومحاولته لإظهار ابنه بصورة جيدة أمام مجلس أعضاء الشركة على حسابي فدائما يحاول إثبات عدم قدرتي على إدارتها رغم أنني أستطيع ذلك دون مساعدته و أفضل من ابنه الغبي ..
- هذا سيئ لكن يبدو أن أيامك ستكون مثيرة بعد قراءتك لهذا الكتاب ..
- لا أبدا هذا الكتاب لم يساعدني في شيء فقد ألفت كتابا خاصا بي ..
- كهذا الكتاب كم هذا ممتع أين هو ؟
- إنه دفتر يومياتي فقد قمت بالكثير من الأعمال التي قد تصفينها بالشريرة ...
- حسنا حدثني عن موقف واحد منها لأحكم بنفسي فأنا كنت شريرة أيضا...
ثم قالت بسخرية :
- لكنني الآن لطيفة جدا...
- هذا من حسن حظي .. سأخبرك بآخرها .. لقد وضعت مشروعا قد درسته طوال شهرين بين يدي عمي وأخبرته بأني أريد عرضه في الاجتماع القادم .. فوافق وطلب أن أتركه حتى يتسنى له دراسته لكنه قرر تأجيل الاجتماع أسبوعا وأعطى بيتر المشروع حتى يفهمه ويستطيع تقديمه على أنه مشروعه .. لكنني اكتشفت خطته فبدأت بوضع خطتي ...
- وما هي خطتك ؟
- أبدلت ملف المشروع بملف آخر وأعطيته في ذلك اليوم مسهلا قويا لتكون الخطة أكثر إثارة .. وعند بدء الاجتماع طلب منه والده تقديم المشروع لكنه كلما أراد أن يتكلم ركض خارجا نتيجة مفعول المسهل واستمر على هذه الحال حتى طفح كيل والده والموجودين فطرده خارجا وبذلك قدمت عرضي ...
- وبذلك ربحت الشركة أليس كذلك ؟؟
- بالطبع فخططي لا تفشل أبدا ....... ألست شريرا
- ليس بقدري أيها اللطيف ..
- حقا وما الأعمال الشريرة التي تقوم بها فتاة مثلك ؟
- كان هذا عندما كنت في الثانوية كنت قائدة رابطة المشجعات لفريق مدرستنا في كرة القدم وكانت هناك مباراة نهائية بين مدرستنا ومدرسة المدينة المجاورة الذي كان يتقدم فريقنا بهدفين وبدا لي حينها أن الحكم منحاز للفريق الآخر وازداد غيظي عندما ألغى هدفا لفريقنا و كنت أقف خلفه ولم أتمالك نفسي فخلعت حذائي ورميته به فاغتاظ وأخذ يسب ويشتم ومما زاد الأمر سوءا أن مدرب فريقنا أشاد بما فعلت وأخذ يصفق لي
- يا إلهي وماذا حدث بعد ذلك ؟
- لا شيء رفع بطاقته الحمراء غاضبا وكأنني أحد اللاعبين وأمر بإخراجي أنا والمدرب من الملعب فحملونا ورمونا خارجا فتابعنا باقي المباراة من مدرجات الجماهير وأنا بحذاء واحد ..
- يالك من شريرة ... قالها براين وهو يضحك ..
- أشعر بتخدر وضيق من هذا المكان وبدأت أتعب من الجلوس هكذا دون أن أفرد ساقي ...
أرادت الوقوف ...لكن
- انتظري سوف أعلمك وضعية ستريحك ...
- ماذا هل ستجعلني أقف على رأسي ؟؟
- كيف عرفت ؟
- أنت تمزح
- هيا جربي صدقيني إنه شعور رائع ..
- أعلم أن هذا غباء لكن ماذا سأخسر من التجربة..؟..
انقلبت ليديا على رأسها واستندت بيديها وساعدها براين برفع ساقيها ثم اتخذ نفس الوضعية ..
- هذا رائع لقد ذهب التخدر وأشعر بارتياح الآن ..
- إنني أقوم بذلك في المكتب عندما أشعر بالملل ..
- لقد كنت أظن يومك في العمل مثيرا بوضع الخطط وتنفيذها ..
- لا ليس دائما فقد كانت هناك بعض فترات الهدوء والسلام في الشركة وتلك الفترات هي التي أشعر فيها بالملل الكبير فتجدينني أقوم بوضعيات كثيرة ومختلفة
- وغريبة أيضا ...
ــــــــــــــ
رعدت السماء ثانية مما أخاف ليديا وجعلها تسقط باتجاه براين فدفعته و مع حركته لتجنب سقطتها وقعت ساقيه بقوة على الباب مما جعله ينفتح ....
- الباب لقد انفتح
- كيف حدث هذا لقد حاولت كسره قبل قدومك دون فائدة
- لا يهم المهم أن نخرج من هنا
أمسك براين الباب فقد كانت الرياح والأمطار تدفعه بقوة .. أخذت ليديا تتفحص المكان خارجا بحثا عن أي مكان يحتميان فيه أو حتى بناية يتصلان منها .. وكان براين يرتدي معطفا طويلا
- هيا يا ليديا ضعي معطفي فوق رأسك ولنخرج
- لكن إلى أين أنظر حولك لا توجد أية بناية أو مكان نحتمي فيه فليس هنا سوى محلات تجارية مغلقة ..
- هناك تلك البناية في الزاوية سأذهب إليها وأبحث عن بوابتها أما أنتي فابقي حتى أعود فالطقس بدأ يسوء أكثر
- مستحيل لن أبقى هنا لوحدي سأذهب معك ...
حمل براين حقيبته وكتابه واحتميا في معطفه..
ركضا للبناية كانت بعيدة قليلا... و كان بابها مغلقا أيضا... طرق براين الباب وقد كان زجاجيا .. فخرج من غرفة صغيرة بجانب الباب رجل قصير في حالة مزرية ويحمل في يده زجاجة كحول ..شعرا بالسعادة عندما ظهر إليهم .. وما إن رفع بصره ورآهما حتى أشار بيديه رافضا إدخالهما صرخ فيه براين راجيا إياه بأن يفتح لكنه رفع لوحة كتب عليها تمنع الزيارات بعد الواحدة صباحا ثم أنزلها وعاد لغرفته ..
- إنه ثمل ولن يفتح لنا فلنعد للكابينة
شعرت ليديا باليأس فأخذت تضرب الباب وهي تبكي وتصرخ به ليفتح تقدم إليها براين وسحبها بعيدا عن الباب وهو يحاول تهدئتها ازداد الطقس سوءا بتساقط حبات البرد ..
- علينا أن نسرع قبل ازديادها وإلا هلكنا خذي المعطف وأنا سأحتمي بحقيبتي ..
ركضت ليديا بأقصى سرعتها وكان براين خلفها تماما ..ولكنه تباطأ لاعتقاده بأنه سمع شيئا في زقاق مجاور فالتفت ليرى مصدر الصوت لكنه انزلق فضرب رأسه بقوة عامود إنارة فسقط فاقدا الوعي لم تنتبه ليديا لما حدث ودخلت الكابينة مسرعة وهي تظن أنه ما زال خلفها إلا أنها لم تسمع سوى صوت انغلاق الباب بقوة الرياح فالتفتت بسرعة سبقت دقات قلبها.....
- برااااااايــــــــــــــن ؟؟
حاولت فتح الباب ودفعه بقوة لكن دون جدوى .. فامتلأت عيناها بالدموع وتسارعت دقات قلبها حتى أحست بأنه يكاد ينخلع من مكانه وهي تنظر في كل الأنحاء بحثا عن براين لكن قطرات المطر المنسابة على زجاج الكابينة تصعب الرؤيا بوضوح أخذت تضرب الباب بيديها وهي تصرخ باكية ...
- براااااااااااااااين .. عد أرجوك ... أعدك بأن لا أبكي مرة أخرى ... نزلت حتى جثت على ركبتيها ثم جلست دون أن تتوقف عن البكاء ..... ليس أنت أيضا فأنت تختلف عن كل من قابلت .. أرجوك عد لا أريد البقاء لوحدي ..
سمعت الرعد لكنه لم يخفها كثيرا مثلما فعلت الصاعقة عندما رأتها وقد صعقت عامود كهرباء فتطاير منه الشرر وما زاد خوفها وبعث الرعب في قلبها عندما رأت كتاب براين تجرفه السيول باتجاه الكابينة هنا فقط تزاحمت الأفكار في رأسها بأن يكون حدث له مكروه كالصاعقة مثلا وما إن استحوذت هذه الفكرة عليها حتى وضعت يدها على فمها شاهقة غير مصدقة فازداد بكائها وأخذت تهز رأسها وكأنها تطرد الأفكار السيئة منه ..
- لا لا لم يحدث له شيء .. سوف يعود ..
جلست مستندة بظهرها على الجانب المقابل لباب الكابينة ضمت ساقيها إلى جسمها ووضعت رأسها ويديها على ركبتيها باكية والدموع تنساب على خدها.. ....
خارج الكابينة كان براين ملقى فاقدا للوعي عرضة لقطرات المطر وحبات البرد القاسية ... بعد ما يقارب الساعة بدأ يفيق بسبب دفء وملمس خشن أحس به على وجهه وكأن هناك من يلعقه .. فتح عينيه ببطء فرأى أمامه قطة صغيرة وقد بللها المطر تماما حاول النهوض ...
- آآآآخ رأسي .. ماذا تفعلين هنا أيتها الصغيرة ؟؟ هل كان ذلك صوتك ؟؟ أعرف أنك لن تردي علي فأنت لا تكلمين الغرباء ... ليديا يا إلهي أين هي ؟؟
حمل القطة الصغيرة ووضعها تحت قميصه ونهض راكضا للكابينة ففتح الباب ووضع قطعة خشب صغيره عليه فلا ينغلق تماما... رأته و كان مبللا تماما والدم يسيل من جبينه فاندفعت إليه وعانقته وهي تحاول التغلب على دموعها لكن دموعها غلبتها وخرجت بغزارة وما إن ضمها بيديه حتى أجهشت بالبكاء ...
- لماذا تركتني وحدي ؟ ..
أراد براين أن يخرجها من جو البكاء و يضحكها فقال:
- أردت أن أخذ فترة نقاهة من بكاءك لكنني ما لبثت حتى اشتقت لسماعه فعدت مسرعا .. فهل كنت خائفة علي ؟ ..
ضحكت ليديا ضحكة امتزجت ببكائها....
- لا ولكنني أخاف من أن أبقى لوحدي ..ثم نظرت إليه وقالت بصوت حنون .. هل أنت بخير ؟؟
جلس واستند على الزجاج وهو يبتسم فجلست أمامه وأخذت تمسح الدم بكم قميصها ..
- لقد خفت علي أليس كذلك ؟؟
احمرت وجنتاها وتجنبت النظر في عينيه..
- ماذا حدث لك ؟
- سمعت صوتا فعدت لأرى مصدره لكنني انزلقت واصطدم رأسي بعمود الإنارة ففقدت الوعي ولم أفق إلا عندما ...
وقبل أن يكمل تحركت القطة على بطنه فصرخت ليديا من الخوف
- ما هذا ؟
- إنها من سمعت صوتها ومن أنقذتني ....
ثم أخرجها فحملتها ليديا وضمتها بين ساعديها لتدفئها .. فلمست يديها يديه وكانت باردتان كالثلج فنزعت معطفه الذي كانت ترتديه ووضعته فوقه
- لا ارتديه أنتي فالجو بارد هنا..
سأجلس بجانبك فقد تعلمت في الكشافة أننا نستطيع الحفاظ على حرارة أجسامنا ببقائنا قريبين من بعضنا .. .. ثم جلست بجانبه
- يالها من مسكينة إنها ترتجف لكن كيف صمدتما في هذا الجو السيئ ..
- الحب ...أعني أنها تحب الحياة ..
قالت بطريقة استجوابيه وهي تبتسم
- هي تحب الحياة وأنت ماذا تحب ؟....
- أحب ابتسامتـــــ ....
لكن الجو أصر أن يكمل قسوته حتى النهاية فقد رعدت السماء مما جعل ليديا تصرخ فلم يكمل براين حديثه.. أمسكت ذراعه..
- أرجوك يا براين أريدك أن تغني لي فغنائك لن يجعلني أخاف من صوت الرعد مرة أخرى ..
- حسنا ...
وبينما كان براين يغني أسندت ليديا رأسها وغطت هي والقطة الصغيرة في نوم عميق .. وعندما رآهما ابتسم وأغمض عينيه فنام هو أيضا لكنه استيقظ بعد فترة فوجد أن المطر أصبح خفيفا ويمكنهما الخروج نظر لساعته فوجدها الرابعة صباحا أراد أن ينهض فاستيقظت ليديا
- آسفة لقد نمت ولم أشعر بشيء
- لا تعتذري فقد نمت أنا أيضا .. المطر يكاد يتوقف وبإمكاننا الخروج الآن ..
- لكن إلى أين في هذا الوقت ؟؟
- سنبحث فربما وجدنا مكانا نستطيع الاتصال منه ..
حملت ليديا القطة ووضع براين المعطف فوقها ثم خرجا تحت زخات المطر الخفيفة وابتعدا من ذلك الشارع فوجدا صيدلية أنوارها مضاءة فاقتربا منها لم تكن مغلقة فدخلاها وكان فيها رجلا في الأربعين جالسا على كرسي تقدما إليه فنهض إليهم ..
- يا إلهي إنكما في حالة يرثى لها
- نعم فقد كنا عالقين في كابينة هاتف ..هل أستطيع استخدام الهاتف ؟..
- بالطبع تفضل ..
اخذ براين يتصل أما ليديا فتقدمت للصيدلي وسألته
- هل بإمكانك معاينة صديقي فقد جرح رأسه وهو يحاول إنقاذ هذه القطة الصغيرة وسأدفع لك ما تريد..
- يبدو أنكما عانيتما كثيرا وفري نقودك أيتها الشابة وسأعالجه حالما ينتهي ..
أخرج الصيدلي مطهرا للجروح وشاش وبعض القطن .. أنهى براين مكالمته وتقدم إليهما ..
- لقد اتصلت بستيف وسيأتي حالا عندها سنوصلك لمنزلك ..
- حسنا سأتصل بوالدي فلابد أنهما قلقا علي كثيرا.. ذهبت لتتصل
- اقترب أيها الشاب لأرى جرحك
- لا تقلق إنه جرح بسيط
- لست أنا القلق بل تلك الفتاة هناك يبدو أنها تهتم لأمرك .. فاقترب لأراه كما أنه يجب تطهير الجرح مهما كان بسيطا كي لا يلتهب ويصبح خطيرا ..
نظر براين إليها بعد ما قاله الصيدلي .. وتمنى أن يكون ما قاله صحيح بأنها تهتم لأمره ..لأنه قد اكتشف أنه يهتم لأمرها كثيرا أنهت اتصالها واقتربت منهما..
- لقد كانوا قلقين جدا وكان نيك موجودا هناك أيضا وقد أصر أن يأتي ويصطحبني للمنزل بنفسه..
أحضر الصيدلي لهما مناشف ليجففا نفسيهما
- هلا أخبرتماني بما حدث معكما ..
جلسا أمامه وأخذا يخبرانه بكل ما حدث لهما وبينما هما كذلك سمعا صوت سيارة قادمة .. قفزت ليديا من مكانها والقطة في يدها قد لفتها بمنشفة صغيرة وركضت للباب.. أوقف نيك السيارة بعيدا بسبب أعمال بناء كانت أمام الصيدلية وما زالت السماء تمطر..
- إنه نيك .. وهناك سيارة أخرى لابد أنه ستيف
ذهب براين ببطء للباب وهو ينظر إليها كأنه لا يريد لهذا اليوم أن ينقضي ..
وبينما كانت ليديا تسرع الخطى لأخيها فجأة أبطأت ثم توقفت في منتصف الطريق بين سيارة نيك والصيدلية وقد شعرت بشيء غريب ..
- لماذا أشعر بحزن ورغبة في البكاء بينما يتوجب علي الآن أن أكون سعيدة ...
عندها التفتت خلفها فرأت براين واقفا وهو ينظر إليها بالقرب من باب الصيدلية ..
- الوداع لماذا أخشى أن أودعه...... ثم سمعت صوتا وكأنه خرج من أعماقها.. هذا لأنك أحببته ..
وما إن أنهت جملتها ورأته يتقدم نحوها دمعت عيناها وركضت نحوه فتعانقا تحت زخات المطر ..
- أتعلمين لم أظن يوما بأنني سأهتم لأمر أية فتاة بل وكان أصدقائي يدعونني بعديم المشاعر لرفضي تقبل هذه الفكرة .. لكنني أحببتك منذ اللحظة الأولى التي رأيتك فيها وأحسست بأن قلبي يتمزق وأنا أراك مبتعدة ..
- عدني بأن لا تتركني أبدا ..
- أعدك بأن لا أتركك أبدا ..
- مياو مياو ...
صرخت القطة وقد حصراها بينهم عندما كانت ليديا تحملها فأخرجتها وقال براين :
- أظنها توافقنا الرأي
ثم ضحكا بسعادة ..
ــــــــــــــــــ
منقول..
- هيه انتبهي لا ينقصنا البلل هنا أيضا.
كان شابا جالسا بيده كتاب وبجانبه حقيبة كالتي يستعملها رجال الأعمال أراد النهوض بسرعة ولكن....
- طراااااااااااااااخ ....
صوت انغلاق باب الكابينة بفعل الهواء فرجع لجلسته وعلى وجهه خيبة الأمل
- آسفة سوف أخـــــ ...
قالتها وهي تحاول فتح الباب...لكن الباب لا ينفتح..
- من الداخل فقط هذا ما اكتشفته بعد دخولي وأظن أن الورقة الملصقة خارجا والتي أفسدها المطر كانت تنبيها بذلك ..
فجأة سمعا صوت رعد وكان عاليا ومخيفا جدا مما جعلها تخفي رأسها بين ساعديها محاولة سد أذنيها فوقعت بعض قطرات المطر التي كانت تبلل رأسها على وجه الشاب فأخذ يمسحه بيده وهو يقول مازحا :
- لم أكن أعتقد أن المطر مالحا هكذا ..
نظرت إليه بعينين غارقتين بالدموع ثم بدأت بالبكاء .. وقف واقترب منها محاولا تهدئتها بمزحة أخرى ..
- أظن أني عرفت سبب ملوحة المطر ...
زادت في البكاء...
- أرجوك يا آنسة إنني لا أعرف السباحة وخاصة في المياه المالحة
ابتسمت بسبب ما قاله والطريقة التي تحدث بها .. نظر إليها وقد فتنته ابتسامتها البريئة ..
- وقد ظننت أن الشمس لن تشرق أبدا .. هل أخبرك أحد بأن لديك ابتسامة دافئة ...
عادت للبكاء ثانية ..
- أوه لا .. أرجوك يا آنسة توقفي عن البكاء فلم أكن أقصد أن أضايقك بكلامي ..
توقفت عن البكاء وأخذت تمسح دموعها
- لست السبب في بكائي إنما شخص ظننته يحبني لكنه لم يقل لي كلاما لطيفا مثل الذي قلته قبل قليل وقد تركني أنزل في هذا المكان دون أن يكلف نفسه عناء إيصالي للمنزل ...
- غبي
- دائما يتباهى بنفسه فهو أفضل لاعب ركبي في كليتنا وقد علمت أنه كان يتقرب مني ليثير غيرة صديقته فقط ..
- هذا لأنه أعمى وأحمق ولا يستحق دمعة من هاتين العينين الجميلتين ..
- هل تحاول مواساتي بهذا الكلام اللطيف؟
- لا أبدا إنما .......
- إن كنت تواسيني فتوقف عن ذلك لأن المواساة تثير اشمئزازي .. كما أنك على حق إنه لا يستحق أن أحزن عليه..
- في الحقيقة لم أكن أواسيك بل أحاول أن أستجدي منك بعض النقود المعدنية لأتصل بمن يخرجنا من هنا ...
- نعم أعتقد بأن لدي قرشان في مكان ما هنا ...
أخذت تبحث في جيوب بنطالها ...
- انتظر قليلا.. هاهي ..
- هذا رائع إنك رائعة لقد أنقذتنا ....
من شدة فرحته نسي نفسه وكاد يعانقها لولا أنها حملت السماعة ورفعتها في وجهه محاولة منها لتجنب مثل هذا الموقف ..
- أوه !.. حسنا...
أدخل النقود وبدأ بالاتصال ...
- مرحبا ستيف ... ما كل هذه الضجة ؟... ماذا ؟! حفلة يا لكم من أصدقاء كيف تحتفلون من دوني ؟!!! ... لست أحمقا لأنسى يوم ميلادي ولكنني عالق في كابينة هاتف وأريدك أن تأتي لتخرجني ... ماذا العنوان نعم نعم إنه....... ستيف ! ستيف ! تبا لقد انقطع الخط
أخذت سماعة الهاتف من يده
- لاشيء
- ربما تعطل من صاعقة ما
صمتا للحظة ثم استدارت وجعلته خلفها وبدت منهمكة في حقيبتها ..
- آه أرجوك وللمرة الأخيرة أن لا تبدأي بالبكاء الآن لأنني سوف أبكي ولن تستطيعي إسكاتــــــ .....
وقبل أن يكمل استدارت إليه بابتسامة تعلو وجهها البريء وفي يدها قطعة شوكولاه وقد وضعت فوقها دبوس شعر رفيع
ما هذا ؟
- إنه دبوس وهو نظيف لم أستخدمه أبدا صدقني
- لا ... أقصد مالذي تفعلينه ؟ !!
- إنها كعكة يوم ميلادك ..
- ماذا ؟ قالها والدهشة تعلو وجهه وكان أشد خوفه أن تكون الفتاة قد جنت
- لنتظاهر بأن هذا الدبوس شمعة وهذه الشوكولاه هي الكعكة .... هيا لنحتفل .
- الآن حقا أشعر برغبة في البكاء
- أظن أن البكاء عالق هنا أيضا وقد انتقل مني إليك..... هيا
- هيا ماذا... أأبكي ؟!!
- لا أيها الغبي قصدت هيا لنحتفل
جلست وهي تغني أغنية يوم الميلاد أما هو فظل واقفا ينظر إليها فرفعت رأسها إليه وسحبت يده لتجلسه ويغني معها فجلس ولكنها توقفت فجأة ...
- ما اسمك ؟
- من أنا ؟!!
- لا ذلك الأحمق الذي يقف خلفك .. بالطبع أنت كي أكمل الأغنية ونتناول الشوكو.... أقصد الكعكة..
- أنا أدعى براين ...
أكملا الغناء وتظاهرا بإطفاء الشمعة ثم تناولوا الشوكولاته ...
- أشكرك على هذا الاحتفال الـــــ ...
- السيئ أعلم أنه أسوء حفلة ميلاد أقمتها في حياتك..
- لا أبدا صدقيني آنسه.........
- ليديا وتوقف عن مناداتي بالآنسه ..
- حسنا ليديا إنها حقا ليلة مميزة بالنسبة لي الكعكة , الشمعة , الضيوف ......
ابتسمت وقالت :
- ماذا هل ترى ضيوفا غيري ؟!! والمكان أليس مميزا أيضا .....
ضحك براين لما قالته ليديا
- ماذا كنت ستفعل بعد هذا الوقت لو كنت في المنزل الآن ؟؟
- لنر الساعة الآن الحادية عشرة من المفترض أن أكون واقفا فوق الطاولة أغني بينما يرقص أصدقائي ...
- رائع هلا غنيت لي
- لا أعتقد أن.......
- أرجوك فقط أغنية واحدة ....
- حسنا سأغني أغنية أحبها كثيرا ولتكن تعبيرا عن شكري وامتناني لك على هذه الحفلة المميزة..
- كفاك مجاملات فلم يعد لدي ما تستجديه كما أن الهاتف معطل ..
غنى براين أغنية هادئة بصوت جميل فسرحت ليديا وهي تنظر من خلال زجاج الكابينة .. شعر براين بأن أغنيته سببت لها الحزن فتوقف ..
- هل أزعجتك الأغنية ؟..
- لا ولكنها ذكرتني بشخص عزيز كان يغنيها لي وكنا نردد كلماتها وكأنها قسم بأننا سنظل نحب بعضنا ولن ننسى الذكريات الجميلة التي جمعتنا معا رغم كل الظروف التي تحاول إبعادنا عن بعض ..
- أعتذر إن كنت قد ذكرتك بما نسيته ..
قالت بغضب :
- أنا لم أنسه كي تذكرني إنه عهد لن أخلفه أبدا
- حقا !! إن كنت مازلت على عهدك له فلماذا تخرجين مع شخص آخر كلاعب الركبي ذاك ؟!!
ــــــــ
ضحكت ليديا وأمسكت بطنها من شدة الضحك
- ما المضحك في الأمر آنسه ليديا ؟؟
- لقد أسأت فهم الموضوع لقد كنت أتكلم عن نيك أخي
- وما الذي يجعل أخاك بعيدا عنك ؟؟
- والدته فهو أخي غير الشقيق .. لقد تزوج والدي منها ولكنه لم يستطع الاستمرار معها فانفصلا وتزوج والدتي وبعدها انتقلنا لهذه المدينة ولم تكن والدة نيكي تسمح لوالدي بزيارته لكنه كان يأتي لزيارتنا بين حين وآخر دون علم والدته كنت أقضي معه أجمل أوقاتي رغم قلتها ... إنني أفتقده بشدة ...
- ابتعد أيها المزعج إياك أن تقترب منها هيا أخرج من هنا..
قفزت ليديا وجلست بجانبه خوفا من أن يكون هناك شيئا خلفها
- كنت أشك في أنك ترى غيري منذ أن تحدثت عن الضيوف أما الآن فأنا متأكدة ..... مع من كنت تتحدث ؟
- كنت أكلم البكاء ..
- من؟!!!!!!!
- ظننته سوف يأتيك لكنني طردته بعيدا ..
- طردت من ؟
- البكاء .. وقد خرج من تلك الفتحة الصغيرة هناك ...
نظرت إليه وهي تكتم ضحكتها أما هو فقد تصنع الجدية
- هل أنت جاد ؟؟
- بالطبع ألم تريه يخرج باكيا ...
قالها وهو يلتفت إليها وما إن التقت عيناهما ببعض لم يستطيعا كتمان ضحكتيهما فتعالت الضحكات واختلطت بصوت المطر والرياح... لكن فجأة رعدت السماء فصرخت وأخفت رأسها بين يديها ..
- لا تخافي مجرد رعد..
- أعرف لكنه يخيفني ..
- لا عليك فقد توقف ...وبطريقة التخويف استطرد قائلا..... لبرهة وسوف يعود .....
ابتسمت وأشارت للكتاب بجانبه
- ماذا كنت تقرأ ؟؟ ....... أمسكه
- هل تعنين هذا الكتاب إنه...... لا شيء مجرد كتاب عادي ..
خطفته من بين يديه وأخذت تتفحصه
- دعني أرى !! 1000 طريقة للتخلص من منافسيك .. يبدو أنك شرير من هم منافسوك ؟
- إنها قصة طويلة لن أزعجك بسردها..
- قلها فأنا لن اذهب لأي مكان ..
- حسنا انه ابن عمي بيتر .. لقد ترك جدي الشركة التي أعمل بها الآن للأكفأ من أحفاده أي أنا أو بيتر ولربما كان ما بيننا منافسة شريفة لولا تدخل عمي ومحاولته لإظهار ابنه بصورة جيدة أمام مجلس أعضاء الشركة على حسابي فدائما يحاول إثبات عدم قدرتي على إدارتها رغم أنني أستطيع ذلك دون مساعدته و أفضل من ابنه الغبي ..
- هذا سيئ لكن يبدو أن أيامك ستكون مثيرة بعد قراءتك لهذا الكتاب ..
- لا أبدا هذا الكتاب لم يساعدني في شيء فقد ألفت كتابا خاصا بي ..
- كهذا الكتاب كم هذا ممتع أين هو ؟
- إنه دفتر يومياتي فقد قمت بالكثير من الأعمال التي قد تصفينها بالشريرة ...
- حسنا حدثني عن موقف واحد منها لأحكم بنفسي فأنا كنت شريرة أيضا...
ثم قالت بسخرية :
- لكنني الآن لطيفة جدا...
- هذا من حسن حظي .. سأخبرك بآخرها .. لقد وضعت مشروعا قد درسته طوال شهرين بين يدي عمي وأخبرته بأني أريد عرضه في الاجتماع القادم .. فوافق وطلب أن أتركه حتى يتسنى له دراسته لكنه قرر تأجيل الاجتماع أسبوعا وأعطى بيتر المشروع حتى يفهمه ويستطيع تقديمه على أنه مشروعه .. لكنني اكتشفت خطته فبدأت بوضع خطتي ...
- وما هي خطتك ؟
- أبدلت ملف المشروع بملف آخر وأعطيته في ذلك اليوم مسهلا قويا لتكون الخطة أكثر إثارة .. وعند بدء الاجتماع طلب منه والده تقديم المشروع لكنه كلما أراد أن يتكلم ركض خارجا نتيجة مفعول المسهل واستمر على هذه الحال حتى طفح كيل والده والموجودين فطرده خارجا وبذلك قدمت عرضي ...
- وبذلك ربحت الشركة أليس كذلك ؟؟
- بالطبع فخططي لا تفشل أبدا ....... ألست شريرا
- ليس بقدري أيها اللطيف ..
- حقا وما الأعمال الشريرة التي تقوم بها فتاة مثلك ؟
- كان هذا عندما كنت في الثانوية كنت قائدة رابطة المشجعات لفريق مدرستنا في كرة القدم وكانت هناك مباراة نهائية بين مدرستنا ومدرسة المدينة المجاورة الذي كان يتقدم فريقنا بهدفين وبدا لي حينها أن الحكم منحاز للفريق الآخر وازداد غيظي عندما ألغى هدفا لفريقنا و كنت أقف خلفه ولم أتمالك نفسي فخلعت حذائي ورميته به فاغتاظ وأخذ يسب ويشتم ومما زاد الأمر سوءا أن مدرب فريقنا أشاد بما فعلت وأخذ يصفق لي
- يا إلهي وماذا حدث بعد ذلك ؟
- لا شيء رفع بطاقته الحمراء غاضبا وكأنني أحد اللاعبين وأمر بإخراجي أنا والمدرب من الملعب فحملونا ورمونا خارجا فتابعنا باقي المباراة من مدرجات الجماهير وأنا بحذاء واحد ..
- يالك من شريرة ... قالها براين وهو يضحك ..
- أشعر بتخدر وضيق من هذا المكان وبدأت أتعب من الجلوس هكذا دون أن أفرد ساقي ...
أرادت الوقوف ...لكن
- انتظري سوف أعلمك وضعية ستريحك ...
- ماذا هل ستجعلني أقف على رأسي ؟؟
- كيف عرفت ؟
- أنت تمزح
- هيا جربي صدقيني إنه شعور رائع ..
- أعلم أن هذا غباء لكن ماذا سأخسر من التجربة..؟..
انقلبت ليديا على رأسها واستندت بيديها وساعدها براين برفع ساقيها ثم اتخذ نفس الوضعية ..
- هذا رائع لقد ذهب التخدر وأشعر بارتياح الآن ..
- إنني أقوم بذلك في المكتب عندما أشعر بالملل ..
- لقد كنت أظن يومك في العمل مثيرا بوضع الخطط وتنفيذها ..
- لا ليس دائما فقد كانت هناك بعض فترات الهدوء والسلام في الشركة وتلك الفترات هي التي أشعر فيها بالملل الكبير فتجدينني أقوم بوضعيات كثيرة ومختلفة
- وغريبة أيضا ...
ــــــــــــــ
رعدت السماء ثانية مما أخاف ليديا وجعلها تسقط باتجاه براين فدفعته و مع حركته لتجنب سقطتها وقعت ساقيه بقوة على الباب مما جعله ينفتح ....
- الباب لقد انفتح
- كيف حدث هذا لقد حاولت كسره قبل قدومك دون فائدة
- لا يهم المهم أن نخرج من هنا
أمسك براين الباب فقد كانت الرياح والأمطار تدفعه بقوة .. أخذت ليديا تتفحص المكان خارجا بحثا عن أي مكان يحتميان فيه أو حتى بناية يتصلان منها .. وكان براين يرتدي معطفا طويلا
- هيا يا ليديا ضعي معطفي فوق رأسك ولنخرج
- لكن إلى أين أنظر حولك لا توجد أية بناية أو مكان نحتمي فيه فليس هنا سوى محلات تجارية مغلقة ..
- هناك تلك البناية في الزاوية سأذهب إليها وأبحث عن بوابتها أما أنتي فابقي حتى أعود فالطقس بدأ يسوء أكثر
- مستحيل لن أبقى هنا لوحدي سأذهب معك ...
حمل براين حقيبته وكتابه واحتميا في معطفه..
ركضا للبناية كانت بعيدة قليلا... و كان بابها مغلقا أيضا... طرق براين الباب وقد كان زجاجيا .. فخرج من غرفة صغيرة بجانب الباب رجل قصير في حالة مزرية ويحمل في يده زجاجة كحول ..شعرا بالسعادة عندما ظهر إليهم .. وما إن رفع بصره ورآهما حتى أشار بيديه رافضا إدخالهما صرخ فيه براين راجيا إياه بأن يفتح لكنه رفع لوحة كتب عليها تمنع الزيارات بعد الواحدة صباحا ثم أنزلها وعاد لغرفته ..
- إنه ثمل ولن يفتح لنا فلنعد للكابينة
شعرت ليديا باليأس فأخذت تضرب الباب وهي تبكي وتصرخ به ليفتح تقدم إليها براين وسحبها بعيدا عن الباب وهو يحاول تهدئتها ازداد الطقس سوءا بتساقط حبات البرد ..
- علينا أن نسرع قبل ازديادها وإلا هلكنا خذي المعطف وأنا سأحتمي بحقيبتي ..
ركضت ليديا بأقصى سرعتها وكان براين خلفها تماما ..ولكنه تباطأ لاعتقاده بأنه سمع شيئا في زقاق مجاور فالتفت ليرى مصدر الصوت لكنه انزلق فضرب رأسه بقوة عامود إنارة فسقط فاقدا الوعي لم تنتبه ليديا لما حدث ودخلت الكابينة مسرعة وهي تظن أنه ما زال خلفها إلا أنها لم تسمع سوى صوت انغلاق الباب بقوة الرياح فالتفتت بسرعة سبقت دقات قلبها.....
- برااااااايــــــــــــــن ؟؟
حاولت فتح الباب ودفعه بقوة لكن دون جدوى .. فامتلأت عيناها بالدموع وتسارعت دقات قلبها حتى أحست بأنه يكاد ينخلع من مكانه وهي تنظر في كل الأنحاء بحثا عن براين لكن قطرات المطر المنسابة على زجاج الكابينة تصعب الرؤيا بوضوح أخذت تضرب الباب بيديها وهي تصرخ باكية ...
- براااااااااااااااين .. عد أرجوك ... أعدك بأن لا أبكي مرة أخرى ... نزلت حتى جثت على ركبتيها ثم جلست دون أن تتوقف عن البكاء ..... ليس أنت أيضا فأنت تختلف عن كل من قابلت .. أرجوك عد لا أريد البقاء لوحدي ..
سمعت الرعد لكنه لم يخفها كثيرا مثلما فعلت الصاعقة عندما رأتها وقد صعقت عامود كهرباء فتطاير منه الشرر وما زاد خوفها وبعث الرعب في قلبها عندما رأت كتاب براين تجرفه السيول باتجاه الكابينة هنا فقط تزاحمت الأفكار في رأسها بأن يكون حدث له مكروه كالصاعقة مثلا وما إن استحوذت هذه الفكرة عليها حتى وضعت يدها على فمها شاهقة غير مصدقة فازداد بكائها وأخذت تهز رأسها وكأنها تطرد الأفكار السيئة منه ..
- لا لا لم يحدث له شيء .. سوف يعود ..
جلست مستندة بظهرها على الجانب المقابل لباب الكابينة ضمت ساقيها إلى جسمها ووضعت رأسها ويديها على ركبتيها باكية والدموع تنساب على خدها.. ....
خارج الكابينة كان براين ملقى فاقدا للوعي عرضة لقطرات المطر وحبات البرد القاسية ... بعد ما يقارب الساعة بدأ يفيق بسبب دفء وملمس خشن أحس به على وجهه وكأن هناك من يلعقه .. فتح عينيه ببطء فرأى أمامه قطة صغيرة وقد بللها المطر تماما حاول النهوض ...
- آآآآخ رأسي .. ماذا تفعلين هنا أيتها الصغيرة ؟؟ هل كان ذلك صوتك ؟؟ أعرف أنك لن تردي علي فأنت لا تكلمين الغرباء ... ليديا يا إلهي أين هي ؟؟
حمل القطة الصغيرة ووضعها تحت قميصه ونهض راكضا للكابينة ففتح الباب ووضع قطعة خشب صغيره عليه فلا ينغلق تماما... رأته و كان مبللا تماما والدم يسيل من جبينه فاندفعت إليه وعانقته وهي تحاول التغلب على دموعها لكن دموعها غلبتها وخرجت بغزارة وما إن ضمها بيديه حتى أجهشت بالبكاء ...
- لماذا تركتني وحدي ؟ ..
أراد براين أن يخرجها من جو البكاء و يضحكها فقال:
- أردت أن أخذ فترة نقاهة من بكاءك لكنني ما لبثت حتى اشتقت لسماعه فعدت مسرعا .. فهل كنت خائفة علي ؟ ..
ضحكت ليديا ضحكة امتزجت ببكائها....
- لا ولكنني أخاف من أن أبقى لوحدي ..ثم نظرت إليه وقالت بصوت حنون .. هل أنت بخير ؟؟
جلس واستند على الزجاج وهو يبتسم فجلست أمامه وأخذت تمسح الدم بكم قميصها ..
- لقد خفت علي أليس كذلك ؟؟
احمرت وجنتاها وتجنبت النظر في عينيه..
- ماذا حدث لك ؟
- سمعت صوتا فعدت لأرى مصدره لكنني انزلقت واصطدم رأسي بعمود الإنارة ففقدت الوعي ولم أفق إلا عندما ...
وقبل أن يكمل تحركت القطة على بطنه فصرخت ليديا من الخوف
- ما هذا ؟
- إنها من سمعت صوتها ومن أنقذتني ....
ثم أخرجها فحملتها ليديا وضمتها بين ساعديها لتدفئها .. فلمست يديها يديه وكانت باردتان كالثلج فنزعت معطفه الذي كانت ترتديه ووضعته فوقه
- لا ارتديه أنتي فالجو بارد هنا..
سأجلس بجانبك فقد تعلمت في الكشافة أننا نستطيع الحفاظ على حرارة أجسامنا ببقائنا قريبين من بعضنا .. .. ثم جلست بجانبه
- يالها من مسكينة إنها ترتجف لكن كيف صمدتما في هذا الجو السيئ ..
- الحب ...أعني أنها تحب الحياة ..
قالت بطريقة استجوابيه وهي تبتسم
- هي تحب الحياة وأنت ماذا تحب ؟....
- أحب ابتسامتـــــ ....
لكن الجو أصر أن يكمل قسوته حتى النهاية فقد رعدت السماء مما جعل ليديا تصرخ فلم يكمل براين حديثه.. أمسكت ذراعه..
- أرجوك يا براين أريدك أن تغني لي فغنائك لن يجعلني أخاف من صوت الرعد مرة أخرى ..
- حسنا ...
وبينما كان براين يغني أسندت ليديا رأسها وغطت هي والقطة الصغيرة في نوم عميق .. وعندما رآهما ابتسم وأغمض عينيه فنام هو أيضا لكنه استيقظ بعد فترة فوجد أن المطر أصبح خفيفا ويمكنهما الخروج نظر لساعته فوجدها الرابعة صباحا أراد أن ينهض فاستيقظت ليديا
- آسفة لقد نمت ولم أشعر بشيء
- لا تعتذري فقد نمت أنا أيضا .. المطر يكاد يتوقف وبإمكاننا الخروج الآن ..
- لكن إلى أين في هذا الوقت ؟؟
- سنبحث فربما وجدنا مكانا نستطيع الاتصال منه ..
حملت ليديا القطة ووضع براين المعطف فوقها ثم خرجا تحت زخات المطر الخفيفة وابتعدا من ذلك الشارع فوجدا صيدلية أنوارها مضاءة فاقتربا منها لم تكن مغلقة فدخلاها وكان فيها رجلا في الأربعين جالسا على كرسي تقدما إليه فنهض إليهم ..
- يا إلهي إنكما في حالة يرثى لها
- نعم فقد كنا عالقين في كابينة هاتف ..هل أستطيع استخدام الهاتف ؟..
- بالطبع تفضل ..
اخذ براين يتصل أما ليديا فتقدمت للصيدلي وسألته
- هل بإمكانك معاينة صديقي فقد جرح رأسه وهو يحاول إنقاذ هذه القطة الصغيرة وسأدفع لك ما تريد..
- يبدو أنكما عانيتما كثيرا وفري نقودك أيتها الشابة وسأعالجه حالما ينتهي ..
أخرج الصيدلي مطهرا للجروح وشاش وبعض القطن .. أنهى براين مكالمته وتقدم إليهما ..
- لقد اتصلت بستيف وسيأتي حالا عندها سنوصلك لمنزلك ..
- حسنا سأتصل بوالدي فلابد أنهما قلقا علي كثيرا.. ذهبت لتتصل
- اقترب أيها الشاب لأرى جرحك
- لا تقلق إنه جرح بسيط
- لست أنا القلق بل تلك الفتاة هناك يبدو أنها تهتم لأمرك .. فاقترب لأراه كما أنه يجب تطهير الجرح مهما كان بسيطا كي لا يلتهب ويصبح خطيرا ..
نظر براين إليها بعد ما قاله الصيدلي .. وتمنى أن يكون ما قاله صحيح بأنها تهتم لأمره ..لأنه قد اكتشف أنه يهتم لأمرها كثيرا أنهت اتصالها واقتربت منهما..
- لقد كانوا قلقين جدا وكان نيك موجودا هناك أيضا وقد أصر أن يأتي ويصطحبني للمنزل بنفسه..
أحضر الصيدلي لهما مناشف ليجففا نفسيهما
- هلا أخبرتماني بما حدث معكما ..
جلسا أمامه وأخذا يخبرانه بكل ما حدث لهما وبينما هما كذلك سمعا صوت سيارة قادمة .. قفزت ليديا من مكانها والقطة في يدها قد لفتها بمنشفة صغيرة وركضت للباب.. أوقف نيك السيارة بعيدا بسبب أعمال بناء كانت أمام الصيدلية وما زالت السماء تمطر..
- إنه نيك .. وهناك سيارة أخرى لابد أنه ستيف
ذهب براين ببطء للباب وهو ينظر إليها كأنه لا يريد لهذا اليوم أن ينقضي ..
وبينما كانت ليديا تسرع الخطى لأخيها فجأة أبطأت ثم توقفت في منتصف الطريق بين سيارة نيك والصيدلية وقد شعرت بشيء غريب ..
- لماذا أشعر بحزن ورغبة في البكاء بينما يتوجب علي الآن أن أكون سعيدة ...
عندها التفتت خلفها فرأت براين واقفا وهو ينظر إليها بالقرب من باب الصيدلية ..
- الوداع لماذا أخشى أن أودعه...... ثم سمعت صوتا وكأنه خرج من أعماقها.. هذا لأنك أحببته ..
وما إن أنهت جملتها ورأته يتقدم نحوها دمعت عيناها وركضت نحوه فتعانقا تحت زخات المطر ..
- أتعلمين لم أظن يوما بأنني سأهتم لأمر أية فتاة بل وكان أصدقائي يدعونني بعديم المشاعر لرفضي تقبل هذه الفكرة .. لكنني أحببتك منذ اللحظة الأولى التي رأيتك فيها وأحسست بأن قلبي يتمزق وأنا أراك مبتعدة ..
- عدني بأن لا تتركني أبدا ..
- أعدك بأن لا أتركك أبدا ..
- مياو مياو ...
صرخت القطة وقد حصراها بينهم عندما كانت ليديا تحملها فأخرجتها وقال براين :
- أظنها توافقنا الرأي
ثم ضحكا بسعادة ..
ــــــــــــــــــ
منقول..