عبير الجنان
05-01-2007, 06:18 PM
http://i17.photobucket.com/albums/b95/claaya/Lines%20Welcome/dfc2c842.gif
؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛°`°؛¤ سُفْرة السيدة زينب - عليها السلام - ¤؛°`°؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛
أمُّ المصائب وأخت الحسن والحسين السيدة العقيلة زينب الكبرى - عليها السلام -, صاحبة الكرامات العظيمة والمشهورة بين الناس في سوريا ولبنان والعراق وإيران وبلدان كثيرة وقد رأيت بأم عيني أكثر من كرامة لها.
هذه السيدة العظيمة )( شريكة الإمام الحسين بثورته )( سُفْرتها مشهورة ومعروفة في سوريا ولها هناك مضيف كبير يعرف بمضيف السيدة زينب - عليها السلام -.
تعمل سُفرتها لأجل شفاء المرضى وبالأخص المصاب بالشلل أو الأخرس الذي لاينطق, وقد رأيت ذلك في سوريا وكذلك لقضاء الحوائج.
والسيدة زينب - عليها السلام - معروفة ومشهورة بكرمها, ومن الأمثلة على ذلك في حياتها قصة الأعرابي الذي جاء إلى بيت الإمام الحسين - عليها السلام - بعد مقتله بأيام قلائل وأهل البيت - عليهم السلام - مشغولون بمصيبتهم وحزنهم على الحسين - عليه السلام -, وأصحابه وأهل بيته وكان أعداء الله لم يبقِ لديهم شيء يمتلكوه فقد سلبوا كل مايملكون إلا أنها لم ترجعه خائباً فجمعت له بعض الحلي التي تركها الأعداء وقدّمتها إليه ليقضي حاجته.
فكيف الآن مع شيعة أبيها فهي وسيلة لهم ليتقرّيوا بها إلى الله وليقضي تعالى حوائجهم, ومن السبل للتقرّب بها هي عمل سُفرة باسم هذه الطاهرة المباركة بإذن الله تعالى.
أما نوعية الأكل التي توضع على هذه السفُّرة فليس هنالك أي نوعية خاصة فيمكن وضع أيّ شيء عليها, وهذا هو المتعارف بين الناس، والله العالم.
وكذلك من المشهور في سوريا والعراق وإيران ولبنان سُفرة السيدة رقية ابنة الإمام الحسين - عليه السلام - هذه السيدة العظيمة التي عانت من الظلم والقساوة من قبل أعداء الله ) لعنهم الله (، وماتت شهيدة هي طفلة على رأس أبيها في خربة الشام.
سُفرتها مشهورة بين الناس ومن المجرّبات، تعمل لشفاء المرضى وبالأخص لشفاء الأطفال من الأمراض التي يصعب علاجها بإذن الله تعالى.
؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛°`°؛¤ من هـي زينب الكبـرى ¤؛°`°؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛
بنت أمير المؤمنين وسيّد الموحّدين الإمام علي بن أبي طالب - سلام الله عليه -.
أْمّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، الطهر الطاهرة فاطمة الزهراء - سلام الله عليها -، بنت فخر الأمّة وسيّدها ونبيّها محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -.
وهي الصديقة الكبرى، عقيلة بني هاشم، العالِمة غير المعَلّمة، والفَهمة غير المفهّمة، عاقلة، لبيبة، جزلة، كانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى وأمّها - سلام الله عليهم -.
اتصفت - سلام الله عليها - بمحاسنها الكثيرة، وأوصافها الجليلة، وخصالها الحميدة، وشيمها السعيدة، ومفاخرها البارزة، وفضائلها الطاهرة.
ولدت - سلام الله عليها - قبل وفاة جدّها - صلى الله عليه وآله وسلم - بخمس سنين، وتزوّجت من ابن عمّها عبدالله بن جعفر, فولدت له محمداً وعلياً وعباساً وأم كثلوم وعون.
حدّثت عن أْمها فاطمة الزهراء - سلام الله عليها-، وأسماء بنت عميس، وروى عنها محمد بن عمرو، وعطاء بن السائب، وفاطمة بنت الحسين - عليه السلام-، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وعبّاد العامري.
عُرفت - سلام الله عليها - بكثرة العباد والتهجّد، شأنها في ذلك شأن أبيها وأْمها وجدّها، وشأن أهل البيت جميعاً - عليهم السلام -. يُنقل عن الإمام زين العابدين - عليه السلام - قوله:" مارأيتُ عمّتي تصلّي الليل عن جلوس إلاّ ليلة الحادي عشر "، أي أنّه - سلام الله عليها - ما تركت تهجّدها وعبادتها المستحبة حتى في تلك الليلة الحزينة التي فَقدت فيها كلّ عزيز، ولاَقت مالاقت في ذلك اليوم من مصائب، حتى أنّ الحسين - عليه السلام - عندما ودّع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء قال لها:" يا أْختاه لاتنسيني في نافة الليل ".
وذكر بعض أهل السيَر أنّ العقيلة زينب - سلام الله عليها - كان لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء.
وليس هذا بمستكثر عليها، فقد نزل القرآن الكريم في بيتها، وأهل البيت أدرى بالذي فيه، وخليق بامرأة عاشت في ظلال أصحاب الكساء، وتأدّبت بآدابهم، وتعلّمت من علومهم أن تكون لها هذه المنزلة السامية.
ونحن إذا تأمّلنا كلمة الإمام زين العابدين - عليه السلام - لها:" أنتِ بحمدِ الله عالِمة غير معلّمة، وفَهمة غير مفخّمة " أدركنا سموّ منزلتها العلميّة.
وإن لم تكن - سلام الله عليها - في عداد المعصومين، لكنّها في درجة قريبة من العصمة؛ لانّ مَن كان جدّها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأبوها علي بن أبي طالب - سلام الله عليه -، وأْمهّا فاطمة الزهراء - سلام الله عليها -، وأخواها الحسن والحسين - عليهما السلام -، فلا شكّ أن تغرّ العلم غرّاً، وماصدر منها في مأساة الطف أكبر شاهد على علوّ منزلتها وسموّها وقربها من العصمة.
؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛°`°؛¤ مصائبهـا - عليها السلام - ¤؛°`°؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛
تُسمّى العقيلة زينب - سلام الله عليها - أمّ المصائب، وحقّ لها أن تُسمّى بذلك؛ فقد شاهدت مصيبة جدها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومحنة أمهّا فاطمة الزهراء - سلام الله عليها - ثم وفاتها، وشاهدت مقتل أبيها الإمام علي بن أبي طالب - سلام الله عليه -، ثم شاهدت محنة أخيها الحسن - سلام الله عليه - ثم قتله بالسم. وشاهدت أيضاً المصيبة العظمى، وهي قتل أخيها الحسين - عليه السلام - وأهل بيته، وقتل ولديها عون ومحمد مع خالهما أمام عينها.
وحُملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة، وأْدخلت على ابن زياد في مجلس الرجال، وقابلها بما اقتضاه لؤم عنصره وخسّة أصله من الكلام الخشن والموجع، وإظهار الشماتة الممضّة.
وحُملت أسيرة من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام، ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق، حتى دخلوا دمشق على هذه الحالة، وأْدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مُقيدون بالحبال.
قال المفيد: فرأى هيئة قبيحة وأظهر السخط على ابن زياد، ثمّ افرد لهنّ ولعلي بن الحسين داراً وأمر بسكوتهم، وقال لزين العابدين: كاتبني من المدينة في كلّ حاجة تكون لك. ولمّا عادوا أرسل معهم النعمان بن بشير، وأمر أن يرفق بهم في الطريق. ولمّا غزا جيشه المدينة أوصى مسرف بن عقبة بعلي بن الحسين - عليهما السلام -، وذلك لِما رأى نقمة الناس عليه، أراد أن يتلافى مافرط منه، وهيهات كما قال الشريف الرضي:
وودّ أن يَتلاقى ما جَنت يَده وكانَ ذلكَ كَسراً غير مجبور
وكان لزينب - سلام الله عليها - في وقعة الطف المكان البارز في جميع الحالات، وفي المواطن كلّها.
فهي التي كانت تمرّض العليل، وتراقب أحوالها أخيها الحسين - عليه السلام -، وتخاطبه وتسأله عند كلّ حادث. وهي التي كانت تدبّر أمر العيال والأطفال، وتقوم في ذلك مقام الرجال. وهي التي دافعت عن زين العابدين - عليه السلام - لمّا أراد ابن زياد قتله، وخاطبته بما ألقمته حجراً، حتى لجأ إلى ما لايلجأ إليه ذو نفس كريمة. وبها لاذت فاطمة بنت الحسين - عليه السلام - وأخذت بثيابها، لمّا قال الشامي ليزيد:" هب لي هذه الجارية ". فخاطبت يزيد بما فضحه، حتى لجأ إلى ما لجأ إليه ابن زياد.
والذي يُلفت النظر أنّها في ذلك الوقت كانت متزوّجة بعبدالله بن جعفر، فاختارت صُحبة أخيها على البقاء عند زوجها، وزوجها راضً بذلك مُبتهج به، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه، ففعلا حتى قُتلا. وحقَّ لها ذلك، فمَنْ كان لها أخ مثل الإمام الحسين - عليه السلام -، وهي بهذا الكمال الفائق، لايستغرب منها تقديم أخيها على بعلها.
؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛°`°؛¤ مع الحسين - عليه السلام - في نهضته ¤؛°`°؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛
يُسجل التأريخ بكلّ فخر واعتزاز مواقف مشرّفة وبطولية للسيّدة زينب - سلام الله عليها - في يوم عاشوراء، حتى أنّها أصبحت شريكة الحسين - عليها السلام - في نهضته، فلا يمكن التحدّث عن واقعة الطف وتجاهل مواقف عقيلة الهاشميين، ونحن نذكر هنا بعضاً من مواقفها في ذلك اليوم الحزين؛ وفاءً لها ولصمودها في وجوه أعداء آل البيت - عليهم السلام -.
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة: روى ابن طاووس أن الحسين - عليه السلام - لمّا نزل الخزيمة أقام بها يوماً وليلة، فلمّا أصبح أقبلت إليه أْخته زينب فقالت: يا أخي ألا أْخبرك بشيء سمعته البارحة؟، فقال الحسين - عليه السلام -:" وماذاك؟ "، فقالت: خرجتُ في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفاً يهتف ويقول:
ألا يا عين فاحتفلي بجهد ومَن يبكي على الشهداء بعدي
على قومٍ تسوقهم المنايا بمقدار إلى انجاز وعدِ
فقال لها الحسين - عليه السلام -:" يا أْختاه كُلّ الذي قضى فهو كائن ".
وقال المفيد: لمّا كان اليوم التاسع من المحرّم زحف عمر بن سعد إلى الحسين - عليه السلام - بعد العصر، والحسين - عليه السلام - جالس أمام بيته محتبٍ بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه، فسمعت أْخته الضّجة، فدنت من أخيها فقالت: ياأخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟، فرفع الحسين رأسه فقال:" إنّي رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الساعة في المنام، فقال لي: إنّكَ تروح إلينا"، فلطمت أْخته وجهها ونادت بالويل، فقال لها الحسين - عليه السلام -:" ليس لك الويل ياأْختاه، اسكتي رحمك الله ".
والمراد بأُخته في هذه الرواية هي زينب بلا ريب؛ لأنّها هي التي كانت تراقب أحوال أخيها في كل وقت ساعة فساعة، وتتبادل معه الكلام فيما يحدث من الأمور والأحوال.
وقد روى ابن طاووس هذه الرواية مع بعض الزيادة، وصرّح بأنّ اسمها زينب، فقال: فسمعت أُخته زينب الضجّة... إلى أن قال: فلطمت زينب وجهها وصاحت ونادت بالويل، فقال لها الحسين - عليه السلام -:" ليس لكِ الويل ياأُخيّة، اسكتي رحمك الله لاتشمتي القوم بنا ".
وقال ابن الأثير في تأريخه: نهض عمر بن سعد إلى الحسين عشية الخميس لتسعٍ مضني من المحرّم بعد العصر، والحسين جالس أمام بيته مُحتبياً بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبته، وسمعت أُخته زينب الضجّة فدنت منه فأيقظته فرفع رأسه فقال:" إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام فقال: إنّك تروح إلينا "، فلطمت أُخته وحهها وقالت: ياويلتاه، قال:" ليس لكِ الويل ياأُخيّة، اسكتي رحمك الله ".
وقال الشيخ المفيد - رحمه الله -: قال علي بن الحسين - عليهما السلام-:" إنّي لجالس في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تُمرّضني، إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جوين مولى أبي ذر الغفاري، وهو _ أي جوين _ يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:
يادهر أُفٍ لكَ من خليلِ كَمْ لكَ بالإشراقِ الأصيلِ
مِن صاحبٍ أو طالبٍ قَتيلِ والدهرُ لايقنعُ بالبديلِ
وإنّما الأمرُ إلى الجليلِ وكلُّ حيّ سالكِ سبيلي
فأعادها مرّتين أو ثلاثة حتى فهمتها وعرفتُ ماأراد، فخنقتني العبرة فردّدتها ولزمت السكوت، وعلمتُ أنّ البلاء قد نزل، وأمّا عمّتي فإنّها لمّا سمعت ( وهي امرأة، ومن شأن النساء الرّقة والجزع ) فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وأنها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت:" واثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أُمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، ياخليفة الماضين وثمال الباقين ".
فنظر إليها الحسين - عليه السلام - فقال لها: ياأُخية لايذهبنّ بحلمك الشيطان، وترقرقت عيناه بالدموع وقال: لوتُرك القطا يوماً لنام.
فقالت: ياوليتاه، افَتَغْتَصِب نفسكَ اغتصاباً، فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي، ثمّ لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقّته وخرّت مغشياً عليها.
فقام إليها الحسين وصبّ على وجهها الماء وقال لها: إيهاً ياأُختاه اتّقِ الله وتعزّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لايبقون، وانّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه، إلى أن قال: فعزّاها بهذا ونحوه، وقال لها: ياأُخيّة إني أقسمت عليك فأبري قسمي، لاتشقي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولاتدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت، ثم جاء بها حتى أجلسها عندي ".
وروى ابن طاووس هذا الخبر بنحو مارواه المفيد، وصرّح باسم أُخته زينب بنت فاطمة - عليها السلام - ذلك فقالت: ياأخي هذا كلام مَن أيقن بالقتل، فقال:" نعم ياأختاه "، فقالت زينب:" واثكلاه... ".
وذكر هذه الأبيات ابن الأثير في الكامل في التأريخ.
وذكر ابن طاووس: أنّ الحسين - عليه السلام - خاطب النساء وفيهنّ زينب وأُم كلثوم فقال:" انظرن إذا قُتلت فلا تشققنَّ عليّ جيباً، ولاتَخمشنَّ عليّ وجهاً، ولاتقلنَّ هجرا ".
وقال المفيد - رحمه الله -: لما قُتل علي بن الحسين الأكبر، خرجت زينب أُخت الحسين مسرعة تنادي: ياحبيباه ويابن أُخياه، وجاءت حتى أكبّت عليه، فأخذ الحسين برأسها فردّها إلى الفسطاط.
وقال ابن الأثير: حملَ الناس على الحسين عن يمينه وشماله، فحملَ على الذين عن يمينه فتفرّقوا، ثم حملَ على الذين عن يساره فتفرّقوا، فمارؤى مكثور قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولاأمضى جناناً وأجراً مقدماً منه، إذ كانت الرجّالة لتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب، فبينما هو كذلك إذ خرجت زينب وهي تقول: ليتَ السماء أطبقت على الأرض، وقد دنا عمر بن سعد، فقالت: ياعمر أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر، فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته، وصرف وجهه عنها.
وقال السيّد ابن طاووس: لمّا كان اليوم الحادي عشر بعد قتل الحسين - عليه السلام - حملَ ابن سعد معه نساء الحسين وبناته وأخواته فقال النسوة: بحقّ الله إلاّ مامررتم بنا على مصرع الحسين، فمرّوا بهنّ على المصرع، فلمّا نظر النسوة إلى القتلى، فوالله لاأنسى زينب بنت علي وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب:
" يامحمّداه، صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينك مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا. إلى الله المشتكى، وإلى محمد المصطفى، وإلى علي المرتضى، وإلى فاطمة الزهراء، وإلى حمزة سيّد الشهداء. يامحمّداه، هذا حسين بالعراء تسفي عليه ريح الصبا، قتيل أولاد البغايا، واحزناه واكرباه عليك ياأعبدالله، اليوم ماتَ جدّي رسول الله، ياأصحاب محمد هؤلاء ذريّة المصطفى يُساقون سوق السبايا ".
وفي بعض الروايات:
" وامحمّداه، بناتكَ سبايا، وذريّتك مقتّلة تسفي عليهم ريح الصبا، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والردا، بأبي مَن أضحى عسكره يوم الاثنين نهباً، بأبي مَن فسطاطه مقطع العرى، بأبي مَن لاغائب فيُرتجى، ولاجريح فيداوى، بأبي مَن نفسي له الفداء بأبي المهموم حتى قضاء، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي مَن جدّه رسول إله السما، بأبي مَن هو سبط نبي الهدى، بأبي محمد المصطفى، بأبي خديجة الكبرى، بأبي علي المرتضى، بأبي فاطمة الزهراء، بأبي مَن ردّت له الشمس حتى صلّى، فأبكت والله كلّ عدوًّ وصديق ".
ولها مع زين العابدين - سلام الله عليهما - أكثر من موقف، نراها تعزّيه تارة وتصبّره، وتارة تحافظ عليه من القتل حينما أراد ابن زياد قتله. وعندما شاهدت جزعه - عليه السلام - قالت له: مالي أراكَ تجود نفسك يابقيّة جدي وأبي وأخوتي؟
فقال - عليه السلام -:
" وكيف لاأجزع وأهلع، وقد أرى سيّدي وأُخوتي وعمومتي وولد عمّي مصرّعين بدمائهم، مرمّلين بالعراء، مسلّبين، لايكفّنون ولايوارون ولايعرج عليهم أحد، ولايقربهم بشر، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر ".
فقالت - عليها السلام -:
" لايجزعنك ماترى، فوالله إنّ ذلك لعهد من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جدك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق أُناس من هذه الأُمة لاتعرفهم فراعنة هذه الأُمة، وهم معروفون في أهل السماوات، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرّجة، وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لايدرس أثره، ولايعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلايزداد إلاّظهوراً، وأمره إلاّ علوا ".
وعندما استعرض ابن زياد آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وسأل عن كلّ فردٍ منهم، واستغرب في وجود الإمام زين العابدين - عليه السلام - من بين آل الحسين - عليه السلام - حيّاً، وقد سبقه النبأ من ابن سعد أنّه اجتاحهم، فسأله: مَن أنت؟، فقال - عليه السلام -: أنا علي بن الحسين. فقال: أليس قد قتلَ علي بن الحسين. فقال - عليه السلام -: كان لي أخ يسمّى علياً قتله الناس، فقال ابن زياد: بل الله قتله، فقال - عليه السلام -: الله يتوفّى الأنفس حين موتها.
فغضب ابن زياد وقال: وبكَ جرأة لجوابي، وفيكَ بقيّة للردّ عليّ، اذهبوا به فاضربوا عنقه. فتعلّقت به عمّته زينب، وقالت: يا ابن زياد حسبكَ من دمائنا، واعتنقته وقالت: لا والله لا أُفارقه فإن قتلته فاقتلني معه.
فنظر ابن زياد إليها ثم قال: عَجباً للرحم، إنّي لأظنّها ودّت أنّي قتلتها معه، دعوه فإني أراه لما به.
وحينما سأل ابن زياد عن زينب - سلام الله عليها -، ولم يكن يعرفها، قيل له: هذه زينب بنت أمير المؤمنين. فقال: الحمدالله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أُحدوثتكم.
فقالت - سلام الله عليها-:" الحمدالله الذي أكرمنا بنبيه محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وطهّرنا من الرجس تطهيراً، وإنّما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا ".
قال: كيفَ رأيتِ فعلَ الله بأهل بيتك؟
فقالت - عليها السلام -:" مارأيتُ إلاّ جميلاً, هؤلاء قوم كَتبَ الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينكَ وبينهم فتُحاج ونخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذٍ، ثكلتكَ أُمك يا ابن مرجانة ".
فغضب ابن زياد واستشاط من كلامها معه في ذلك المحتشد، فقال له عمرو بن حريث: إنها امرأة، فلا تؤاخذ بشيء من منطقها ولاتلام على خطل.
فالتفت إليها ابن زياد وقال: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك. فقالت:" لعمري لقد قتلتَ كهلي, وأبدتَ أهلي, وقطعتَ فرعي, واجتثثتَ أصلي، فإن يُشفك هذا فقد اشتفيت ".
http://i17.photobucket.com/albums/b95/claaya/Lines%20Welcome/dfc2c842.gif
)[:.
؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛°`°؛¤ سُفْرة السيدة زينب - عليها السلام - ¤؛°`°؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛
أمُّ المصائب وأخت الحسن والحسين السيدة العقيلة زينب الكبرى - عليها السلام -, صاحبة الكرامات العظيمة والمشهورة بين الناس في سوريا ولبنان والعراق وإيران وبلدان كثيرة وقد رأيت بأم عيني أكثر من كرامة لها.
هذه السيدة العظيمة )( شريكة الإمام الحسين بثورته )( سُفْرتها مشهورة ومعروفة في سوريا ولها هناك مضيف كبير يعرف بمضيف السيدة زينب - عليها السلام -.
تعمل سُفرتها لأجل شفاء المرضى وبالأخص المصاب بالشلل أو الأخرس الذي لاينطق, وقد رأيت ذلك في سوريا وكذلك لقضاء الحوائج.
والسيدة زينب - عليها السلام - معروفة ومشهورة بكرمها, ومن الأمثلة على ذلك في حياتها قصة الأعرابي الذي جاء إلى بيت الإمام الحسين - عليها السلام - بعد مقتله بأيام قلائل وأهل البيت - عليهم السلام - مشغولون بمصيبتهم وحزنهم على الحسين - عليه السلام -, وأصحابه وأهل بيته وكان أعداء الله لم يبقِ لديهم شيء يمتلكوه فقد سلبوا كل مايملكون إلا أنها لم ترجعه خائباً فجمعت له بعض الحلي التي تركها الأعداء وقدّمتها إليه ليقضي حاجته.
فكيف الآن مع شيعة أبيها فهي وسيلة لهم ليتقرّيوا بها إلى الله وليقضي تعالى حوائجهم, ومن السبل للتقرّب بها هي عمل سُفرة باسم هذه الطاهرة المباركة بإذن الله تعالى.
أما نوعية الأكل التي توضع على هذه السفُّرة فليس هنالك أي نوعية خاصة فيمكن وضع أيّ شيء عليها, وهذا هو المتعارف بين الناس، والله العالم.
وكذلك من المشهور في سوريا والعراق وإيران ولبنان سُفرة السيدة رقية ابنة الإمام الحسين - عليه السلام - هذه السيدة العظيمة التي عانت من الظلم والقساوة من قبل أعداء الله ) لعنهم الله (، وماتت شهيدة هي طفلة على رأس أبيها في خربة الشام.
سُفرتها مشهورة بين الناس ومن المجرّبات، تعمل لشفاء المرضى وبالأخص لشفاء الأطفال من الأمراض التي يصعب علاجها بإذن الله تعالى.
؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛°`°؛¤ من هـي زينب الكبـرى ¤؛°`°؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛
بنت أمير المؤمنين وسيّد الموحّدين الإمام علي بن أبي طالب - سلام الله عليه -.
أْمّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، الطهر الطاهرة فاطمة الزهراء - سلام الله عليها -، بنت فخر الأمّة وسيّدها ونبيّها محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -.
وهي الصديقة الكبرى، عقيلة بني هاشم، العالِمة غير المعَلّمة، والفَهمة غير المفهّمة، عاقلة، لبيبة، جزلة، كانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى وأمّها - سلام الله عليهم -.
اتصفت - سلام الله عليها - بمحاسنها الكثيرة، وأوصافها الجليلة، وخصالها الحميدة، وشيمها السعيدة، ومفاخرها البارزة، وفضائلها الطاهرة.
ولدت - سلام الله عليها - قبل وفاة جدّها - صلى الله عليه وآله وسلم - بخمس سنين، وتزوّجت من ابن عمّها عبدالله بن جعفر, فولدت له محمداً وعلياً وعباساً وأم كثلوم وعون.
حدّثت عن أْمها فاطمة الزهراء - سلام الله عليها-، وأسماء بنت عميس، وروى عنها محمد بن عمرو، وعطاء بن السائب، وفاطمة بنت الحسين - عليه السلام-، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وعبّاد العامري.
عُرفت - سلام الله عليها - بكثرة العباد والتهجّد، شأنها في ذلك شأن أبيها وأْمها وجدّها، وشأن أهل البيت جميعاً - عليهم السلام -. يُنقل عن الإمام زين العابدين - عليه السلام - قوله:" مارأيتُ عمّتي تصلّي الليل عن جلوس إلاّ ليلة الحادي عشر "، أي أنّه - سلام الله عليها - ما تركت تهجّدها وعبادتها المستحبة حتى في تلك الليلة الحزينة التي فَقدت فيها كلّ عزيز، ولاَقت مالاقت في ذلك اليوم من مصائب، حتى أنّ الحسين - عليه السلام - عندما ودّع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء قال لها:" يا أْختاه لاتنسيني في نافة الليل ".
وذكر بعض أهل السيَر أنّ العقيلة زينب - سلام الله عليها - كان لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء.
وليس هذا بمستكثر عليها، فقد نزل القرآن الكريم في بيتها، وأهل البيت أدرى بالذي فيه، وخليق بامرأة عاشت في ظلال أصحاب الكساء، وتأدّبت بآدابهم، وتعلّمت من علومهم أن تكون لها هذه المنزلة السامية.
ونحن إذا تأمّلنا كلمة الإمام زين العابدين - عليه السلام - لها:" أنتِ بحمدِ الله عالِمة غير معلّمة، وفَهمة غير مفخّمة " أدركنا سموّ منزلتها العلميّة.
وإن لم تكن - سلام الله عليها - في عداد المعصومين، لكنّها في درجة قريبة من العصمة؛ لانّ مَن كان جدّها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأبوها علي بن أبي طالب - سلام الله عليه -، وأْمهّا فاطمة الزهراء - سلام الله عليها -، وأخواها الحسن والحسين - عليهما السلام -، فلا شكّ أن تغرّ العلم غرّاً، وماصدر منها في مأساة الطف أكبر شاهد على علوّ منزلتها وسموّها وقربها من العصمة.
؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛°`°؛¤ مصائبهـا - عليها السلام - ¤؛°`°؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛
تُسمّى العقيلة زينب - سلام الله عليها - أمّ المصائب، وحقّ لها أن تُسمّى بذلك؛ فقد شاهدت مصيبة جدها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومحنة أمهّا فاطمة الزهراء - سلام الله عليها - ثم وفاتها، وشاهدت مقتل أبيها الإمام علي بن أبي طالب - سلام الله عليه -، ثم شاهدت محنة أخيها الحسن - سلام الله عليه - ثم قتله بالسم. وشاهدت أيضاً المصيبة العظمى، وهي قتل أخيها الحسين - عليه السلام - وأهل بيته، وقتل ولديها عون ومحمد مع خالهما أمام عينها.
وحُملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة، وأْدخلت على ابن زياد في مجلس الرجال، وقابلها بما اقتضاه لؤم عنصره وخسّة أصله من الكلام الخشن والموجع، وإظهار الشماتة الممضّة.
وحُملت أسيرة من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام، ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق، حتى دخلوا دمشق على هذه الحالة، وأْدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مُقيدون بالحبال.
قال المفيد: فرأى هيئة قبيحة وأظهر السخط على ابن زياد، ثمّ افرد لهنّ ولعلي بن الحسين داراً وأمر بسكوتهم، وقال لزين العابدين: كاتبني من المدينة في كلّ حاجة تكون لك. ولمّا عادوا أرسل معهم النعمان بن بشير، وأمر أن يرفق بهم في الطريق. ولمّا غزا جيشه المدينة أوصى مسرف بن عقبة بعلي بن الحسين - عليهما السلام -، وذلك لِما رأى نقمة الناس عليه، أراد أن يتلافى مافرط منه، وهيهات كما قال الشريف الرضي:
وودّ أن يَتلاقى ما جَنت يَده وكانَ ذلكَ كَسراً غير مجبور
وكان لزينب - سلام الله عليها - في وقعة الطف المكان البارز في جميع الحالات، وفي المواطن كلّها.
فهي التي كانت تمرّض العليل، وتراقب أحوالها أخيها الحسين - عليه السلام -، وتخاطبه وتسأله عند كلّ حادث. وهي التي كانت تدبّر أمر العيال والأطفال، وتقوم في ذلك مقام الرجال. وهي التي دافعت عن زين العابدين - عليه السلام - لمّا أراد ابن زياد قتله، وخاطبته بما ألقمته حجراً، حتى لجأ إلى ما لايلجأ إليه ذو نفس كريمة. وبها لاذت فاطمة بنت الحسين - عليه السلام - وأخذت بثيابها، لمّا قال الشامي ليزيد:" هب لي هذه الجارية ". فخاطبت يزيد بما فضحه، حتى لجأ إلى ما لجأ إليه ابن زياد.
والذي يُلفت النظر أنّها في ذلك الوقت كانت متزوّجة بعبدالله بن جعفر، فاختارت صُحبة أخيها على البقاء عند زوجها، وزوجها راضً بذلك مُبتهج به، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه، ففعلا حتى قُتلا. وحقَّ لها ذلك، فمَنْ كان لها أخ مثل الإمام الحسين - عليه السلام -، وهي بهذا الكمال الفائق، لايستغرب منها تقديم أخيها على بعلها.
؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛°`°؛¤ مع الحسين - عليه السلام - في نهضته ¤؛°`°؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛
يُسجل التأريخ بكلّ فخر واعتزاز مواقف مشرّفة وبطولية للسيّدة زينب - سلام الله عليها - في يوم عاشوراء، حتى أنّها أصبحت شريكة الحسين - عليها السلام - في نهضته، فلا يمكن التحدّث عن واقعة الطف وتجاهل مواقف عقيلة الهاشميين، ونحن نذكر هنا بعضاً من مواقفها في ذلك اليوم الحزين؛ وفاءً لها ولصمودها في وجوه أعداء آل البيت - عليهم السلام -.
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة: روى ابن طاووس أن الحسين - عليه السلام - لمّا نزل الخزيمة أقام بها يوماً وليلة، فلمّا أصبح أقبلت إليه أْخته زينب فقالت: يا أخي ألا أْخبرك بشيء سمعته البارحة؟، فقال الحسين - عليه السلام -:" وماذاك؟ "، فقالت: خرجتُ في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفاً يهتف ويقول:
ألا يا عين فاحتفلي بجهد ومَن يبكي على الشهداء بعدي
على قومٍ تسوقهم المنايا بمقدار إلى انجاز وعدِ
فقال لها الحسين - عليه السلام -:" يا أْختاه كُلّ الذي قضى فهو كائن ".
وقال المفيد: لمّا كان اليوم التاسع من المحرّم زحف عمر بن سعد إلى الحسين - عليه السلام - بعد العصر، والحسين - عليه السلام - جالس أمام بيته محتبٍ بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه، فسمعت أْخته الضّجة، فدنت من أخيها فقالت: ياأخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟، فرفع الحسين رأسه فقال:" إنّي رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الساعة في المنام، فقال لي: إنّكَ تروح إلينا"، فلطمت أْخته وجهها ونادت بالويل، فقال لها الحسين - عليه السلام -:" ليس لك الويل ياأْختاه، اسكتي رحمك الله ".
والمراد بأُخته في هذه الرواية هي زينب بلا ريب؛ لأنّها هي التي كانت تراقب أحوال أخيها في كل وقت ساعة فساعة، وتتبادل معه الكلام فيما يحدث من الأمور والأحوال.
وقد روى ابن طاووس هذه الرواية مع بعض الزيادة، وصرّح بأنّ اسمها زينب، فقال: فسمعت أُخته زينب الضجّة... إلى أن قال: فلطمت زينب وجهها وصاحت ونادت بالويل، فقال لها الحسين - عليه السلام -:" ليس لكِ الويل ياأُخيّة، اسكتي رحمك الله لاتشمتي القوم بنا ".
وقال ابن الأثير في تأريخه: نهض عمر بن سعد إلى الحسين عشية الخميس لتسعٍ مضني من المحرّم بعد العصر، والحسين جالس أمام بيته مُحتبياً بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبته، وسمعت أُخته زينب الضجّة فدنت منه فأيقظته فرفع رأسه فقال:" إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام فقال: إنّك تروح إلينا "، فلطمت أُخته وحهها وقالت: ياويلتاه، قال:" ليس لكِ الويل ياأُخيّة، اسكتي رحمك الله ".
وقال الشيخ المفيد - رحمه الله -: قال علي بن الحسين - عليهما السلام-:" إنّي لجالس في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تُمرّضني، إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جوين مولى أبي ذر الغفاري، وهو _ أي جوين _ يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:
يادهر أُفٍ لكَ من خليلِ كَمْ لكَ بالإشراقِ الأصيلِ
مِن صاحبٍ أو طالبٍ قَتيلِ والدهرُ لايقنعُ بالبديلِ
وإنّما الأمرُ إلى الجليلِ وكلُّ حيّ سالكِ سبيلي
فأعادها مرّتين أو ثلاثة حتى فهمتها وعرفتُ ماأراد، فخنقتني العبرة فردّدتها ولزمت السكوت، وعلمتُ أنّ البلاء قد نزل، وأمّا عمّتي فإنّها لمّا سمعت ( وهي امرأة، ومن شأن النساء الرّقة والجزع ) فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وأنها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت:" واثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أُمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، ياخليفة الماضين وثمال الباقين ".
فنظر إليها الحسين - عليه السلام - فقال لها: ياأُخية لايذهبنّ بحلمك الشيطان، وترقرقت عيناه بالدموع وقال: لوتُرك القطا يوماً لنام.
فقالت: ياوليتاه، افَتَغْتَصِب نفسكَ اغتصاباً، فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي، ثمّ لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقّته وخرّت مغشياً عليها.
فقام إليها الحسين وصبّ على وجهها الماء وقال لها: إيهاً ياأُختاه اتّقِ الله وتعزّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لايبقون، وانّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه، إلى أن قال: فعزّاها بهذا ونحوه، وقال لها: ياأُخيّة إني أقسمت عليك فأبري قسمي، لاتشقي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولاتدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت، ثم جاء بها حتى أجلسها عندي ".
وروى ابن طاووس هذا الخبر بنحو مارواه المفيد، وصرّح باسم أُخته زينب بنت فاطمة - عليها السلام - ذلك فقالت: ياأخي هذا كلام مَن أيقن بالقتل، فقال:" نعم ياأختاه "، فقالت زينب:" واثكلاه... ".
وذكر هذه الأبيات ابن الأثير في الكامل في التأريخ.
وذكر ابن طاووس: أنّ الحسين - عليه السلام - خاطب النساء وفيهنّ زينب وأُم كلثوم فقال:" انظرن إذا قُتلت فلا تشققنَّ عليّ جيباً، ولاتَخمشنَّ عليّ وجهاً، ولاتقلنَّ هجرا ".
وقال المفيد - رحمه الله -: لما قُتل علي بن الحسين الأكبر، خرجت زينب أُخت الحسين مسرعة تنادي: ياحبيباه ويابن أُخياه، وجاءت حتى أكبّت عليه، فأخذ الحسين برأسها فردّها إلى الفسطاط.
وقال ابن الأثير: حملَ الناس على الحسين عن يمينه وشماله، فحملَ على الذين عن يمينه فتفرّقوا، ثم حملَ على الذين عن يساره فتفرّقوا، فمارؤى مكثور قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولاأمضى جناناً وأجراً مقدماً منه، إذ كانت الرجّالة لتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب، فبينما هو كذلك إذ خرجت زينب وهي تقول: ليتَ السماء أطبقت على الأرض، وقد دنا عمر بن سعد، فقالت: ياعمر أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر، فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته، وصرف وجهه عنها.
وقال السيّد ابن طاووس: لمّا كان اليوم الحادي عشر بعد قتل الحسين - عليه السلام - حملَ ابن سعد معه نساء الحسين وبناته وأخواته فقال النسوة: بحقّ الله إلاّ مامررتم بنا على مصرع الحسين، فمرّوا بهنّ على المصرع، فلمّا نظر النسوة إلى القتلى، فوالله لاأنسى زينب بنت علي وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب:
" يامحمّداه، صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينك مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا. إلى الله المشتكى، وإلى محمد المصطفى، وإلى علي المرتضى، وإلى فاطمة الزهراء، وإلى حمزة سيّد الشهداء. يامحمّداه، هذا حسين بالعراء تسفي عليه ريح الصبا، قتيل أولاد البغايا، واحزناه واكرباه عليك ياأعبدالله، اليوم ماتَ جدّي رسول الله، ياأصحاب محمد هؤلاء ذريّة المصطفى يُساقون سوق السبايا ".
وفي بعض الروايات:
" وامحمّداه، بناتكَ سبايا، وذريّتك مقتّلة تسفي عليهم ريح الصبا، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والردا، بأبي مَن أضحى عسكره يوم الاثنين نهباً، بأبي مَن فسطاطه مقطع العرى، بأبي مَن لاغائب فيُرتجى، ولاجريح فيداوى، بأبي مَن نفسي له الفداء بأبي المهموم حتى قضاء، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي مَن جدّه رسول إله السما، بأبي مَن هو سبط نبي الهدى، بأبي محمد المصطفى، بأبي خديجة الكبرى، بأبي علي المرتضى، بأبي فاطمة الزهراء، بأبي مَن ردّت له الشمس حتى صلّى، فأبكت والله كلّ عدوًّ وصديق ".
ولها مع زين العابدين - سلام الله عليهما - أكثر من موقف، نراها تعزّيه تارة وتصبّره، وتارة تحافظ عليه من القتل حينما أراد ابن زياد قتله. وعندما شاهدت جزعه - عليه السلام - قالت له: مالي أراكَ تجود نفسك يابقيّة جدي وأبي وأخوتي؟
فقال - عليه السلام -:
" وكيف لاأجزع وأهلع، وقد أرى سيّدي وأُخوتي وعمومتي وولد عمّي مصرّعين بدمائهم، مرمّلين بالعراء، مسلّبين، لايكفّنون ولايوارون ولايعرج عليهم أحد، ولايقربهم بشر، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر ".
فقالت - عليها السلام -:
" لايجزعنك ماترى، فوالله إنّ ذلك لعهد من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جدك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق أُناس من هذه الأُمة لاتعرفهم فراعنة هذه الأُمة، وهم معروفون في أهل السماوات، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرّجة، وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لايدرس أثره، ولايعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلايزداد إلاّظهوراً، وأمره إلاّ علوا ".
وعندما استعرض ابن زياد آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وسأل عن كلّ فردٍ منهم، واستغرب في وجود الإمام زين العابدين - عليه السلام - من بين آل الحسين - عليه السلام - حيّاً، وقد سبقه النبأ من ابن سعد أنّه اجتاحهم، فسأله: مَن أنت؟، فقال - عليه السلام -: أنا علي بن الحسين. فقال: أليس قد قتلَ علي بن الحسين. فقال - عليه السلام -: كان لي أخ يسمّى علياً قتله الناس، فقال ابن زياد: بل الله قتله، فقال - عليه السلام -: الله يتوفّى الأنفس حين موتها.
فغضب ابن زياد وقال: وبكَ جرأة لجوابي، وفيكَ بقيّة للردّ عليّ، اذهبوا به فاضربوا عنقه. فتعلّقت به عمّته زينب، وقالت: يا ابن زياد حسبكَ من دمائنا، واعتنقته وقالت: لا والله لا أُفارقه فإن قتلته فاقتلني معه.
فنظر ابن زياد إليها ثم قال: عَجباً للرحم، إنّي لأظنّها ودّت أنّي قتلتها معه، دعوه فإني أراه لما به.
وحينما سأل ابن زياد عن زينب - سلام الله عليها -، ولم يكن يعرفها، قيل له: هذه زينب بنت أمير المؤمنين. فقال: الحمدالله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أُحدوثتكم.
فقالت - سلام الله عليها-:" الحمدالله الذي أكرمنا بنبيه محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وطهّرنا من الرجس تطهيراً، وإنّما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا ".
قال: كيفَ رأيتِ فعلَ الله بأهل بيتك؟
فقالت - عليها السلام -:" مارأيتُ إلاّ جميلاً, هؤلاء قوم كَتبَ الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينكَ وبينهم فتُحاج ونخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذٍ، ثكلتكَ أُمك يا ابن مرجانة ".
فغضب ابن زياد واستشاط من كلامها معه في ذلك المحتشد، فقال له عمرو بن حريث: إنها امرأة، فلا تؤاخذ بشيء من منطقها ولاتلام على خطل.
فالتفت إليها ابن زياد وقال: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك. فقالت:" لعمري لقد قتلتَ كهلي, وأبدتَ أهلي, وقطعتَ فرعي, واجتثثتَ أصلي، فإن يُشفك هذا فقد اشتفيت ".
http://i17.photobucket.com/albums/b95/claaya/Lines%20Welcome/dfc2c842.gif
)[:.