المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطاعة وأثرها على الفرد والمجتمع



amili
08-12-2004, 07:37 PM
[size=3][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

الطاعة
وأثرها على
الفرد والمجتمع

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين فرض الله تعالى على الخلق طاعتهم وموالاتهم ونصرتهم مهما تآمر المتآمرون ونكث الناكثون إلى قيام يوم الدين , وحذر المخالفين الروافض الذين رفضوا ما أوصى به سيد الخلق فضلوا وأضلوا عن سبيل الله , أولئك حزب اشيطان ساء ما يحكمون .

قال تعالى في محكم كتابه الكريم ( يُريدُ اللهُ بكُمُ اليُسر و لا يُريدُ بكُمُ العُسر )

وورد في الحديث القدسي : عبدي أطعني تكن مثلي إن قلت للشيىء كن فيكون .

وعن نبي الرحمة – ص - قال : أغلقُوا أبواب المعصية بالاستعاذة و افتحُوا أبواب الطاعة بالتسمية , الطاعةُ قُرةُ العين .

وعنه – ص - أنهُ قال : يا أبا ذر أصلُ الدين الورعُ و رأسُهُ الطاعةُ يا أبا ذر كُن ورعاً تكُن أعبد الناس و خيرُ دينكُمُ الورعُ .

وعنه – ص - قسم العقل على ثلاثة أجزاء فمن كانت فيه كمل عقله و من لم تكن فيه فلا عقل له , حسن المعرفة بالله عز و جل , وحسن الطاعة له , وحسن الصبر على أمره .

موضوع بحثنا هو الطاعة , ومفهوم الطاعة أنها حصيلة الإيمان , كالإيمان بالله سبحانه وتعالى وأنبياؤه ورسله أو الإيمان بعمل أو قول ما ... الخ , وعلى هذا الأساس فإن الإنسان العاقل هو الإنسان المطيع لكل ما آمن به أو صدقه , وبقدر إيمانه هذا ودرجة طاعته يعتبر عاقلاً , وإلا فإنه يسمى ( عاص ٍ ) والمعصية خلاف الطاعة .

فالشريعة المباركة التي أمر المولى تبارك وتعالى بها على لسان الصادق الأمين – ص- أمر الناس بملازمتها , بعد أن وضع لها الأحكام وشرع لها الأنظمة اللازمة لحياتهم الخاصة والعامة , وكذلك بر الوالدين وإطاعتهم , وأرباب العمل وما شابه ذلك , وقد بين ذلك في العديد من الآيات المباركة والأحاديث الشريفة المروية عن النبي وأهل بيته عليهم السلام وسأحاول أن اذكر بعض ما يشير إلى موضوعنا على وجه الإختصار .

وبعدها أصدر الأوامر , وشرع السبل , وبين أهميتها بالنسبة للمطيع , وخـَّير الإنسان بعد أن شهدت عليه الملائكة وأشهده على نفسه حيث قال تبارك وتعالى : أولست بربكم ؟ قالوا بلى ! لكن هذا الإنسان الذي حمل هذه الأمانة الكبرى كان ظلوما جهولاً , والأدلة لا تعد ولا تحصى , وإختصارا يصح القول أنه في الطاعة النجاح وتحقيق الأماني وفي المعصية الندم والهلاك وخيبة الأمل , وهذا الأمر ينطبق على طاعة الله ورسوله وأهل بيته أولي الأمر المعصومين عليهم السلام بالمطلق , وأما ما دون ذلك كالوالدين وأرباب العمل وما شابه ذلك فالطاعة هنا ليست مطلقة وإنما جزئية ويمكننا أن نقول أنه لا يجوز الإلتزام بها بشكل مطلق إلا حيث نجد رضا المولى تبارك وتعالى ودليل قوله تعالى فيما خص الوالدين في سورة لقمان الآية ( 15) قوله تعالى : { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىَ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيّ ثُمّ إِلَيّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}‏ , وبخلافهم فقد وردت العديد من الآيات المباركة منها في سورة الكهف الآية ( 28) قوله تعالى { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} , وكذلك أشار رسول الله – ص- إلى ذلك في قوله المشهور : لا إطاعة لمخلوق في معصية الخالق , وكما أن سيد البلغاء والحكماء وصي البشير النذير عليه السلام يحذر من أتباع الدنيا الذين يعتلون المناصب في العديد من الأحاديث الوارده عنه والخطب منها ما جاء في الخطبة 192 من النهج فقال عليه السلام : ألا الحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبراؤكم الذين تكبروا عن حسبهم وترفعوا فوق نسبهم .

إن عزم الإنسان على الطاعة هو الأصل الذي يسبق علاقة هذا الإنسان بما آمن , أكان هذا الإيمان بالشريعة أو أنه بعمل ما أو قول ما , وبقدر هذا الإيمان تصح الشريعة أو العمل أو القول , وهذا ما يؤثر على حياة الفرد والجماعة حيث تتكامل وتتعاظم وتستمر في تحقيق النجاح والأهداف المرجوة التي تجعل من الأمة أمة قوية متماسكة , ومن خلال التمسك في هذا الإيمان الفعلي يتسامى الفرد والمجتمع ليجاور الأنبياء والأولياء والصالحين ويشاركهم في الدعوة الإلهية ومصداق ذلك قوله تعالى في سورة ‏البقرة الآية ( 30) قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}‏ .

إذا فالإنسان جعله المولى تبارك وتعالى خليفته في الأرض وقد رسم له حدود ضمن أنظمة وقوانين تجعله خليفة بكل ما للكلمة من معنى إذا ما تعدى الحدود التي رسمها له هذا الدين الحنيف أو مبدأه الذي آمن به وقد تمثل ذلك في سيد الحكماء عليه السلام حيث اشار إلى قدسية الرسالة التي يحملها وحتى في أصعب الظروف أي أثناء الحرب فجاء في وصيته عليه السلام يوم البصرة حيث نادى في جنوده قائلاً : لا تَسْبُوا لَهُمْ ذُرِّيَّةً ولا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ ولا تَتْبَعُوا مُدْبِراً ومَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ وأَلْقَى سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وأَمَّا السَّيْفُ الْمَغْمُودُ فَالسَّيْفُ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْقِصَاصُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والْعَيْنَ بِالْعَيْنِ فَسَلُّهُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ وحُكْمُهُ إِلَيْنَا فَهَذِهِ السُّيُوفُ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا مُحَمَّداً – ص - فَمَنْ جَحَدَهَا أَوْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهَا أَوْ شَيْئاً مِنْ سِيَرِهَا وأَحْكَامِهَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ – ص - , بذلك تمنع الفوضى وتصان الكرامات وتحد الغرائز وتؤدب النفوس ويحد كل أمر مناف للإنسانية والمعتقد الذي يحمله هذا الشخص أو ذاك , وكل أمر مناف للإنسانية فإنما يدل على همجية المعتقد الذي يعتقده هذا الفرد أو ذاك المجتمع وهذا ما يتمثل في العدو الصهيوني ومؤيدوه عبر التاريخ ويكفي وصفهم أنهم قتله الأنبياء والرسل خير البشر , وقد سار على تلك الهمجية الكثير ممن ادعوا أنهم مسلمون وعمدوا إلى قتل الصالحين عبر التاريخ الذين تمثلوا في أهل بيت رسول الله الشهداء المظلومين ومواليهم سلام الله عليهم أجمعين , ولو تساءلنا عن السبب الرئيسي لمعصية هؤلاء لثبت لنا أن إصرارهم على المعصية وعدم الإمتثال لهؤلاء الرسل والصالحين عليهم السلام , وخروجهم هذا بديهي حيث إفساد المجتمع أينما حلوا وهذا التمرد المجنون الذي يخالف بديهيات الحياة الفطرة التي فطر الناس عليها والذي لا يقاوم من قبل مناهضيهم سيستمر إذا ما قوبل من قبل قيادة حكيمة صلبة وجماهير مؤمنة ولا يمكن أن نجد ذلك إلا حيث أمرنا الله ورسوله , وهو قوله تعالى في سورة النساء الآية ( 59) { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحسَنُ تَأْوِيلاً}, وهنا نلاحظ أنه تبارك وتعالى أدخل لزوم طاعة أولي الأمر كما هو لزوم طاعته ورسوله - ص – وهنا يظهر جليا أهمية دور أولي الأمر الذين لزموا نهج رسول الله وأهل بيته عليهم السلام حيث جعلهم المولى تبارك وتعالى في مراتب الشهداء والصالحين والصديقين وأهل اليقين الأمناء على الأمة وأشار سيدهم ومولاهم وأميرهم إلى أهمية وقدسية الطاعة من خلال قوله عليه السلام : إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك لكن وجدتك اهلاً للعبادة فعبدتك , والعبادة هنا تأتي التزاماً بأمره تعالى في سورة الذاريات الآية ( 56 ) ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .

إن الإيمان الحقيقي والتأسي بالأولياء والصالحين وأهل العلم والفضل والأخيار والأطهار في الولد والمنشأ , هو الذي يمكن أن يساعد ويعين على الطاعة , ولا يمكن لخلاف هؤلاء أن تخشع قلوبهم ويطيعون لأنهم لا يحملون في قناعاتهم إلا الكفر والإلحاد والمعصية وضياع الأنساب والغذاء المحرم وإيجاد المجتمع المنحرف , لذلك يفقدون القيم المحمودة ولا يهتمون بمكارم الأخلاق وقد أشار – ص – إلى هدف من أهداف رسالته المباركة وجعله ركنا أساسياً عندما قال : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق , فالأخلاق هي ركن من أركان المجتمع والفرد على السواء , وبفقدان أو خلل هذا الركن الأساسي لا يمكن أن يقوم مجتمع صالح , ولا يمكن بناء شخصية صالحة تحمل أمانة الأمة أو تربي الأجيال على إطاعة الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام والصالحين عبر التاريخ , وبفقدان هذا الركن الأساس ستتعرض مجتمعاتنا كافة الصغيرة ( الأسرة ) والكبيرة ( التنظيمات والجمعيات والقرى والمدن) إلى ضربة قاضية حيث تفتقد الأخلاق وبفقدها لا بد لنا من أن نتذكر عصر الجاهلية ونترحم عليه حينئذٍ سيما إذا تمثل هذا الجهل فيمن يدعون أنهم مؤمنون , وأقول مؤمنون مؤكداً على أنهم أيضا سيسيرون في هذا النهج الشيطاني تحت شعار الإيمان , ودليل ذلك قوله تعالى في سورة ‏التحريم الآية ( 6) { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاّ يَعْصُونَ اللّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}‏ , ويظهر من خلال هذه الآية المباركة بأن من بين المؤمنين سالكين سبلاً تؤدي بهم إلى نار جهنم وغضب المولى تبارك وتعالى , ولذلك جاء التحذير لهم خاصا .

يقول المولى تبارك وتعالى في سورة ‏النساء الآية 64 : { ومآ أرسلنا من رسُولٍ إلا ليُطاع بإذن الله ولو أنهُم إذ ظلمُوا أنفُسهُم جآءُوك فاستغفرُوا الله واستغفر لهُمُ الرسُولُ لوجدُوا الله تواباً رحيماً } . ‏

فالنبي في العرف هو المؤدي عن الله تعالى بلا واسطة من البشر والرسول في أصل اللغة يفيد أن مرسلا أرسله بشرط تحمله الرسالة الذي يدل على حسن بعثة الأنبياء أنهم يؤدون إلينا ما هو مصلحة لنا في التكليف العقلي ولا يمتنع أن يعلم الله أن في أفعال المكلف ما إذا فعله دعاه إلى فعل الواجب العقلي أو صرفه عن القبيح العقلي وإذا فعله دعاه إلى فعل القبيح أو الإخلال بالواجب فيجب أن يعلمنا ذلك لأن الأول لطف والثاني مفسدة وإذا ثبت ذلك فالذي يدل على نبوة نبينا – ص - آيات عديدة من القرآن الكريم منها قوله تعالى في سورة البقرة ( إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ) وقوله تعالى ( الم اللهُ لا إله إلا هُو الحي القيومُ نزل عليك الكتاب بالحق مُصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبلُ هُدىً للناس وأنزل الفُرقان )

يتبع %

amili
08-12-2004, 07:40 PM
[يتبع %

وفي ميزان الحكمة ج 5 ص 571 ورد عن علي – ع – أنه قال : من تواضع قلبه لله لم يسأم بدنه من طاعة الله تبارك وتعالى , وفي الخطبة 120 من النهج قال : لو قد عاينتم ما عين من مات منكم لجزعتم ووهلتم وسمعتم واطعتم .

إن أفضل الطاعات كما عبر عنها عليه السلام هي العزوف عن اللذات أي أهواء النفس , وبذلك فإن من أطاع الخالق عن يقين لا يهتم بفعل وقول المخلوق الآثم اللئيم , ورغم كل ذلك نرى ان هذا الآثم والمفسد والمضل يعود في ساعات الشدة إلى المولى تبارك وتعالى لأنه عاجز عن تحقيق أمانيه لكنه مصر على المعصية ولا يستغني عن المولى تبارك وتعالى وقد اشار مولاي الأمير إلى ذلك بقوله عليه السلام : من احتاج إليك كانت طاعته الحاجة إليك , من هنا فأي منا طائع أم عاص لا يحتاج إلى رحمة الله تعالى ؟ وكيف بنا ستشملنا رحمته عندما نكون عاصون مستهترون في أوامره وسبله التي بينها لنا على لسان نبيه وأهل بيته عليهم السلام والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى وأهمها عامود الدين الصلاة فما أن يناد المناد ويدعونا إلى الصلاة حتى نلبي نداء الشيطان ( بكير هلق بتصليها ) والله تبارك وتعالى يقول في سورة المؤمنون ( 1 ) قد أفلح المؤمنون إلى أن يقول في الآية ( 8 ) والذين هم على صلواتهم يحافضون .

يقول المولى سبحانه وتعالى في سورة ‏آل عمران الآية ( 32) { قُل أطيعُوا الله والرسُول فإن تولوا فإن الله لا يُحب الكافرين} , وفي الآية ( 132 ) { وأطيعُوا الله والرسُول لعلكُم تُرحمُون} , ومن خلال هذا الأمر الإلهي يتبين لنا بأن إطاعة المولى تبارك وتعالى تظهر لنا من خلال إطاعة الرسول وقد قرن المولى إطاعته بإطاعة الرسول أي الولي وإن مخالفة أمر الرسول ما هي إلا مخالفة لأمر الله تعالى وبمخالفة ذلك فإن المنزلة التي سيحل فيها هذا المخالف هو منزلة الكافر و وفي الآية 132 يؤكد المولى تبارك وتعالى على أن الرحمة الإلهية لا يمكن أن تشمل الإنسان إلا من خلال إطاعته لله ولرسوله – ص - , وأما في سورة المائدة الآية ( 92) فنرى أن المولى تبارك وتعالى يحذرنا من عدم إطاعته ورسوله والإعراض عن العمل بما امرنا وهو قوله تعالى : { وأطيعُوا الله وأطيعُوا الرسُول واحذرُوا فإن توليتُم فاعلمُوا أنما على رسُولنا البلاغُ المُبينُ} .

وفيما خص الحفاظ على الحقوق العامة , ومن أجل إيجاد عنصر قوة لا يضاهيه شيىءٌ أشار المولى تبارك وتعالى إلى ذلك وجعل الطاعة عنصرا رئيسيا لتحقيق ذلك وهو قوله تعالى : { وأطيعُوا الله ورسُولهُ ولا تنازعُوا فتفشلُوا وتذهب ريحُكُم واصبرُوا إن الله مع الصابرين} , وأما قوله تعالى ( واصبرُوا إن الله مع الصابرين ) فما هو إلا دليل على أن صفوف الأمة ستبتلى بأشخاص سيسيئون إلى أشراف الأمة ربما بأفعالهم أو أقوالهم وربما في الإثنين معا , وهنا لا بد من الصبر على أذاهم وتصرفاتهم , لأن دخول هؤلاء في صفوف المؤمنون المتآخون ما هو إلا مصلحة دنيوية خاصة , ولا بد من أن يكشف عنها القناع يوما ما , وربما يصل بعض هؤلاء إلى مواقع نافذة في إدارة شؤون الأمة ورغم كل ذلك لا بد من الصبر على أذى هؤلاء الجهلة المساكين , ولكن ما ورد في الحديث القدسي والآيات القرآنية المباركة كقوله تعالى : إذا عصاني من خلقي من يعرفني سلطت عليه من خلقي من لا يعرفني كفيل بأن يقضي على هؤلاء وأمثالهم إذا ما تابوا وأصلحوا وعملوا صالحاً , وبذلك تذوب وتنتهي هذه العناصر المندسة في صفوف الأمة ويريح الله منها البلاد والعباد المؤمنين إذا لزموا هذا الخط القرآني المبارك الذي أكد عليه رسول الله وأهل بيته عليهم السلام وإلا فما هم إلا فتنة سلطتهم الشيطان على هذه الأمة ليلعن بعضهم بعضا ويقضي بعضهم على بعض ويتبرأ بعضهم من بعض وسبب كل ذلك هو معصية الله ورسوله وأولي الأمر وإطاعة الشيطان وجنوده المفسدون في الأرض .

روي عن مولانا أبا عبد الله ( ع ) قال : ما تنبأ نبي قط حتى يُقر لله بخمس خصالٍ : البداء والمشيئة والسجُود والعُبُودية والطاعة .

وقال عليه السلام : السمعُ والطاعةُ أبوابُ الخير السامعُ المُطيعُ لا حُجة عليه و السامعُ العاصي لا حُجة لهُ وإمامُ المُسلمين تمت حُجتُهُ واحتجاجُهُ يوم يلقى الله عز و جل .

وعن معنى قوله عز وجل : فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب , فقال : النبُوة قُلتُ الحكمة ؟ قال الفهم والقضاء , قُلتُ وآتيناهُم مُلكاً عظيماً فقال الطاعة .

وعن أبي جعفرٍ ( ع ) قال : ذروةُ الأمر وسنامُهُ ومفتاحُهُ وبابُ الأشياء ورضا الرحمن الطاعةُ للإمام بعد معرفته , إن الله عز وجل يقُولُ : من يُطع الرسُول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً , أما لو أن رجُلا قام ليلهُ وصام نهارهُ وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيُواليهُ ويكُون جميعُ أعماله بدلالته إليه ما كان لهُ على الله جل وعز حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان , وهنا يبرز بوضوح لزوم التقليد الذي يعتبر بابا رئيسيا للولاية المطلقة التي امرنا بها , وورد ايضاً في الزيارة الجامعة لجميع الأئمة عليهم السلام ( وبمُوالا تكُم تُقبلُ الطاعةُ المُفترضةُ و لكُمُ المودةُ الواجبةُ و الدرجاتُ الرفيعةُ و المقامُ المحمُودُ و المقامُ المعلُومُ عند الله عز و جل و الجاهُ العظيمُ و الشأنُ الكبيرُ و الشفاعةُ المقبُولةُ , وورد عن سيدة نساء العالمين قولها في خطبتها المشهورة والطاعة نظاما للملة .

عن رسُولُ الله - ص - الصبرُ ثلاثةٌ : صبرٌ عند المُصيبة , وصبرٌ على الطاعة , وصبرٌ عن المعصية , فمن صبر على المُصيبة حتى يرُدها بحُسن عزائها كتب اللهُ لهُ ثلاثمائة درجةٍ ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض , ومن صبر على الطاعة كتب اللهُ لهُ ستمائة درجةٍ ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تُخُوم الأرض إلى العرش , ومن صبر عن المعصية كتب اللهُ لهُ تسعمائة درجةٍ ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تُخُوم الأرض إلى مُنتهى العرش .

يتبع %

amili
08-12-2004, 07:42 PM
الفقرة الأخيرة

في الكافي حديث محاسبة النفس ص 143 روي عن أبي جعفرٍ – ع - قال : إن الله عز وجل خلق الجنة قبل أن يخلُق النار وخلق الطاعة قبل أن يخلُق المعصية وخلق الرحمة قبل الغضب وخلق الخير قبل الشر وخلق الأرض قبل السماء وخلق الحياة قبل الموت وخلق الشمس قبل القمر وخلق النور قبل الظلمة .

وفي وسائل‏ الشيعة ج 2 ص 30 باب ثبوت الكفر و الارتداد بجحود روي عن أبي جعفرٍ – ع - في حديثٍ قال : الكُفرُ أعظمُ من الشرك فمن اختار على الله عز و جل و أبى الطاعة و أقام على الكبائر فهُو كافرٌ و من نصب ديناً غير دين المُؤمنين فهُو مُشركٌ , سلام الله عليك سيدي ومولاي يا أبا جعفر أسألك بالله العلي العظيم لو كنت بيننا حيا بجسدك حاكماً فما هو مصير هؤلاء الذين نصبوا دينا غير دين الله في أقطار المعمورة وفي البلاد التي نسبوها للإسلام ؟ بل ما هو مصير هؤلاء المتدينون الذين أوصول مثل هؤلاء الحكام الفسقة الفجرة مرتكبي المحرمات إلى مواقع المسؤولية الذين أفسدوا مجتمعاتهم وحرموا حلال الله وأحلوا حرامه بعنوانين مختلفة تارة بلديات وتارة نيابة وتارة جمعيات وما هوت أنفسهم الدنيوية ؟ وها سيدي ومولاي القائم يشير إلى ذلك عندما يقول في وصيته لهشام : يا هشامُ نُصب الخلقُ لطاعة الله و لا نجاة إلا بالطاعة و الطاعةُ بالعلم و العلمُ بالتعلم و التعلمُ بالعقل يُعتقدُ , ولا علم إلا من عالمٍ رباني ومعرفةُ العالم بالعقل , وفي البحار ج 73 ص 393 ) عن سيد الحكماء علي عليه السلام قال : لا دين لمن دان بطاعة المخلوق في معصية الخالق , فأي خلق هؤلاء الذين يعصون المولى تبارك وتعالى ؟ أي خلق هؤلاء الذين يعصون الرسول ووصيه وأهل بيته ؟ بل كيف سينجون وهم على علم بأنهم عاصون سيما بعد أن يقروا بأن موقفهم هذا او ذاك سياسي ولا علاقة له بالدين ؟ واي علم هذا يعلمونه المساكين حيث يرتكبون المعاصي والمحرمات ويزورون بيت الله الحرام صارخين لبيك اللهم لبيك ؟ أي عقل هذا يمكن أن يقبلهم أو يؤمن بهم وهم متلبسون العلم , لكنهم بعملهم لهذا العلم هم مخالفون ؟ !!

ومن علامات العقل وجنوده ما أشار إليه عليه السلام في وصيته لهشام عندما قال له : يا هشام إن الله خلق العقل وهو أول خلق خلقه الله من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل فقال الله جل وعز خلقتك خلقا عظيما وكرمتك على جميع خلقي , ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جندا فكان مما أعطى العقل من الخمسة وسبعين جندا الخير وهو وزير العقل , الشر وهو وزير الجهل الانتقام الغنى الفقر التفكر السهو الحفظ النسيان التواصل القطيعة القناعة الشره المواساة المنع المودة العداوة الوفاء الآ أن ذكر عليه السلام الطاعة والمعصية .

في بحار الأنوار ج 18 ص 5 باب نفي الظلم و الجور عن الله تعالى روي عن أبا عبد الله – ع - : ... فقال له زنديق أخبرني عن الله عز وجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا ؟ قال – ع - : لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب لأن الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم تكن جنة و لا نار , ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته واحتج عليهم برسله وقطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون ويستوجبون بطاعتهم له الثواب , وبمعصيتهم إياه العقاب , فالعمل الصالح من العبد هو فعله والعمل الشر من العبد هو فعله , العمل الصالح العبد يفعله والله به أمره , والعمل الشر العبد يفعله والله عنه نهاه , قال أليس فعله بالآلة التي ركبها فيه ؟ قال نعم ولكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر بها على الشر الذي نهاه عنه , قال فإلى العبد من الأمر شي‏ء , قال ما نهاه الله عن شي‏ء إلا و قد علم أنه يطيق تركه ؟ ولا أمره بشي‏ء إلا وقد علم أنه يستطيع فعله ؟ لأنه ليس من صفته الجور والعبث والظلم وتكليف العباد ما لا يطيقون , قال فمن خلقه الله كافرا يستطيع الإيمان وله عليه بتركه الإيمان حجة .

وفي مستدرك‏الوسائل ج 18 ص 255 باب وجوب طاعة الله سبحانه وتعالى روي عن أبي عبد الله – ع - قال : خرجت هذه الرسالةُ من أبي عبد الله ( ع ) إلى أصحابه فيها : فليُطع الله فإنهُ من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان , واعلمُوا أنهُ ليس يُغني عنكُم من الله أحدٌ من خلقه شيئاً لا ملكٌ مُقربٌ ولا نبي مُرسلٌ ولا من دُون ذلك فمن سرهُ أن تنفعهُ شفاعةُ الشافعين عند الله فليطلُب إلى الله أن يرضى عنهُ , واعلمُوا أن أحداً من خلق الله لم يُصبهُ رضى الله إلا بطاعته وطاعة رسُوله وطاعة وُلاة أمره من آل مُحمدٍ ( ع ) ومعصيتُهُم من معصية الله ولم يُنكر لهُم فضلاً عظُم أو صغُر , أن المُنكرين هُمُ المُكذبُون وأن المُكذبين هُمُ المُنافقُون وأن الله عز وجل قال للمُنافقين وقولُهُ الحق إن المُنافقين في الدرك الإسفل من النار ولن تجد لهُم نصيراً, .... إلى أن قال ولن يُنال شي‏ءٌ من الخير إلا بطاعته والصبر والرضى من طاعته , ومن سرهُ أن يُبلغ إلى نفسه في الإحسان فليُطع الله فإنهُ من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان وإياكُم ومعاصي الله أن تركبُوها فإنهُ من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه وليس بين الإحسان والإساءة منزلةٌ , فلأهل الإحسان عند ربهمُ الجنةُ , ولأهل الإساءة عند ربهمُ النارُ , فاعملُوا بطاعة الله واجتنبُوا معاصيهُ ,وعن أبي عبد الله – ع - الإيمانُ أن يُطاع اللهُ فلا يُعصى , والعبادةُ حُسنُ النية بالطاعة من الوُجُوه التي يُطاعُ اللهُ منها .

ومن وصيته – ص – لسيد البلغاء عليه السلام قال : يا علي أربعةٌ من قواصم الظهر , إمامٌ يعصي الله عز وجل ويُطاعُ أمرُهُ , وزوجةٌ يحفظُها زوجُها وهي تخُونُهُ , وفقرٌ لا يجدُ صاحبُهُ مُداوياً , وجارُ سوءٍ في دار ٍ مُــقام ٍ .

وقبل الختام

عن مولانا صادق أهل البيت عليهم السلام انه قال : إنّ آدم – ع - رأى حوّاء في المنام فلمّا انتبه قال يا ربّ من هذه الّتي آنستني بقربها قال اللّه تعالى هذه أمتي فأنت عبدي يا آدم ما خلقت خلقاً هو أكرم عليّ منكما إذا أنتما عبدتماني و أطعتماني و خلقت لكما داراً و سمّيتها جنّتي فمن دخلها كان وليّي حقّاً و من لم يدخلها كان عدوّي حقّاً فقال آدم و لك يا ربّ عدوٌّ و أنت ربّ السّماوات قال اللّه تعالى يا آدم لو شئت أجعل الخلق كلّهم أوليائي لفعلت و لكنّي أفعل ما أشاء وأحكم ما أريد قال آدم يا ربّ فهذه أمتك حوّاء قد رقّ لها قلبي فلمن خلقتها قال اللّه تعالى خلقتها لك لتسكن الدّنيا فلا تكون وحيداً في جنّتي قال فأنكحنيها يا ربّ قال أنكحتكها بشرط أن تعلّمها مصالح ديني و تشكرني عليها فرضي آدم – ع - بذلك فاجتمعت الملائكة فأوحى اللّه تعالى إلى جبرائيل أن اخطب فكان الوليّ ربّ العالمين و الخطيب جبرئيل الأمين و الشّهود الملائكة المقرّبون و الزّوج آدم أب النّبيّين و الزّوجة حوّاء فتزوّج آدم بحوّاء على الطّاعة والتّقى والعمل الصّالح فنثرت الملائكة عليهما من نثار الجنّة .

وختاما زهرة من روضة الواعظين حيث روي عن رسول الله - ص – أنه قال : أما علمت أن الله يطاع بالعلم ويعبد بالعلم وخير الدنيا والآخرة مع العلم وشر الدنيا والآخرة مع الجهل .

نسأله تعالى أن يجعلنا من المطيعين له ولرسوله وأهل بيته عليهم السلام حجته على العالمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


عاملي