المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عرفات وسلطته بلا رتوش ..ج2



يوسف فضل
07-20-2004, 11:02 AM
يسيلُ الضوءُ بين الغصون
وثمة حوار عال

بين النور والعتمة

لكن مَن يتقن فضيلة الإصغاء؟

في زمن يسترق الضوضاء بلاغتها

ومن يقطفُ قرنقلة الجدل

من غابة الصخب العالي ؟
مَن؟!

عبد المحسن يوسف

كان القاسم المشترك لمجموع الأسئلة التي وصلتني رداً على مقال " عرفات وسلطته بلا رتوش /ج1" هو السؤال التالي " أنا اسلم أن عرفات خائن ، أليس كل الحكام العرب خونة مثله ؟"

كنت أتمنى على من طرح هذا السؤال أن لو أتيحت له فرصة الاطلاع علىالكتاب أو أن يتريث قليلا حتى أقدم تعليقي على الكتاب الذي سيجد فيه الجواب على سؤاله . يستخدم هذا السؤال كلمة خيانة مع أن الكتاب لا يحتوي على هذه الكملة ، لعل شعور القاريءبالاحباط جعله لا يجد كلمة تشخص حالة المهانة العربية إلا بالتعبير عنها بكلمة الخيانة مع أنني افضل استخدام كلمة (خطأ)بدل منها .لكن الخطأ غير مسموح به عندما يأتي ممن يحمل مسؤوليات كبيرة . إنني سأستخدم كلمة خيانة كما جاءت بالسؤال وإن استبدلت بكلة خطأ فلا مانع .

مع أن هذا السؤال يعبر عن النهج التهربي في قبول ما يخالف مسلمات الواقع حيث يتم الغاء ومحو 99% من الحقائق لإبراز حدث جزئي على أنه الكل والمهم . لكن مثل هذا السؤال ينطوي بصورة مباشرة على الإقرار بخيانة عرفات وبصورة غير مباشرة على الدفاع عن خيانته بل وتبريرها ، إذ أن عرفات ما هو إلا (رئيس) عربي ضمن دائرة خيانة أكبر من عرفات وكما يقول اخواننا السودانيين في العامية "الموت مع الجماعة عرس" . أليس هذا كمن يُعرِّف الجنون بأنه قانون الأغلبية . لكن فات السائل أن سؤاله أيضا يحمل شهادة إدانة ليس لعرفات فقط بل للسائل الذي قبلت نفسه هذه الخيانة لاعتقاده أنه طالما أن الخيانة عامة فليس (حد أحسن حد) . فالسائل يتقبل ، حسب منطقه أن تمارس الخيانة على الشعب الفلسطيني أسوة بمن يمارس الخيانة على الشعب العربي ، والعكس صحيح .أهكذا يُنظر لمصالح الشعوب وفهم الأخلاق والدين ، هذا إذا قبلنا بالدين حكما لأمورنا ؟ أهكذا ننشد الأصلح في الحياة بأن نقارن أمورنا السيئة بأمور سيئة أو أسوأ منها ؟ أليس هذا السؤال هو جواب على سؤال لماذا لا تنمو بذور التغيير في تربة أرضنا ؟ لأننا لم نهيئ التربة الصالحة لها بل اننا لا نرغب حتى في فعل تهيئة التربة الصالحة .

إذا طرحنا مفهوم الخيانة للتعريف فلن نصل إلى تحديد واضح لها لأن كل شخص سينظر لها من زاويته فهناك الخيانة الزوجية وخيانة الصداقة وخيانة الأمانة وخيانة الوطن . لكن بما أننا نتحدث عن المفهوم السياسي للخيانه فإن تعريف الخيانة ( اجتهاد شخصي ) هو " الفعل الذي يعمل ضد مصلحة الوطن ويؤدي الى التدمير المعنوي أو المادي أو النفسي " سواء كان هذا الفعل مرتبط بجهة معينة التي تملي على الخائن ما الواجب فعله أو جاء الفعل تلقائي نتيجة النفوذ السياسي الذي يتمتع به صاحبه . فمثلا تم إعدام ضراغمة في قرية قباطة لاعترافه أنه عميل إسرائيلي بينما لم يتم إعدام أي مسؤول فلسطيني متنفذ ومتهم بصفقة الاسمنت الأخيرة وليست الآخره ، مع أن المتورطين في صفقة الاسمنت تأثيرهم التدميري على الشعب الفلسطيني أكبر وأعظم من تأثير ضراغمة . وبما أننا نرفض كلا السلوكين الاشوهين ، فلماذا لا نسمي المتورطين بصفقة الاسمنت بالخونة ؟؟. أم هؤلاء الذين تركوا الاحتلال والاهتمام بمصالح الشعب الفلسطيني واهتموا بتحقيق أرباح على حساب الشعب الفلسطيني يحق لهم ممارسة الخيانة . وتصرخ السلطة ليلاً نهاراً بمطالبة العالم العربي والقردي بأن يقف معنا ضد (الحيط) العازل .

أما خيانة الحكام العرب والتي تأتي معظمها في عدم توازن القوى فلم نرى أي زعيم عربي (خائن) وقع اتفاقيات التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني ؛ مثل التنازل عن الأرض الفلسطينية وحقوق اللآجئين وحق العودة . هل الزعماء العرب، على خيانتهم هم من وقع اتفاقية أوسلو ؟ . هل الزعماء العرب هم من يسرق أموال الأرامل والشهداء الفلسطينيين ؟. إن خيانة الزعماء العرب ما كان يوجد لها هذا التأثير على الشعب الفلسطيني لولا وجود وسيط في الجسم الفلسطيني يبرر ويزين وينفذ هذه الخيانة . لأنه لو بقيت الخيانة العربية تمارس ضد الشعب الفلسطيني فإن القضية الفلسطينية لن تنتهي ولن تموت لكن ستبقى بدون حل . وهذا عرفات يضع اللمسات الأخيرة على (حل) القضية الفلسطينية وما أدراكم ما هو (الحل) ؟ إنه يعزف اللحن الجنائزي على القضية الفسطينية أي إسدال ستارة النهاية على الفصل الأخير من مسرحية ( النفق المظلم) .

لم نر من القادة العرب الخونة من أطلق ثورة تحرير . والثورة في أبسط معانيها ومفاهيمها تعني ( التغيير ) . فاذا كانت الثورة الفلسطينية لم تغير في نطاق رجالاتها والقائمين عليها ليكونوا قدوة للآخرين ، فهل ستغير في نطاق محيطها؟ وهل المبرر للسارق أن يسرق إذا وجد أن الكثير من الناس يمارس السرقة؟ أين التميز في الثورة الفلسطينية ؟ أين القيادة البديلة والطليعة التي ستصلح الأوضاع الفلسطينية ؟ أما أن ننغمس في السلبيات والتهتك الأخلاقي والفساد الذممي ونقول أن الآخرين يمارسونه . هل هذا هو العقل الناقد للثورة ؟ أم هي مجرد ممارسة الخيانة بنكهة فلسطينية ؟ أهذه هي ممارسة مفهوم (استقلال القرار السياسي )؟. أإذا كانت أوضاعنا هكذا قبل قيام الدولة فكيف ستكون أحوالنا بعد قيام الدولة العتيدة؟

هل نحن بحاجة إلى قيادة خائنة تكلفنا خسارة الأرض والضحايا والدم ؟ ألا يوجد شرفاء في الشعب الفلسطيني غير هذه القيادة التي تمارس الكذب وتعيش على النفاق وتتنفس البهرجات الإعلامية والادعاء الوطني الكاذب وتأكل مال النبي ؟

الغريب أنه مع هذا الكم الكبير من السلوك الخياني للقيادة الفلسطينية لا زال من الشعب الفلسطيني من يستعصي عليه فهم وتقييم الأمور بنزاهة وموضوعية بل وأبعد من ذلك هناك من يؤمن أن غيره يقرر له مصيره ومصير قضيته حتى لو اعتبرها مرحاضه الانساني .

باختصار ، من مبدأ الثورة الفلسطينية " عدم التدخل بالشؤون الداخلية العربية " يحق لنا أن ننتقد القيادة الفلسطينية المفروضة علينا (بحكم الضرورة ) ويحق للإنسان للعربي أن ينتقد قيادته . فليكتب كل منا ما يراه مناسبتً حسب ظروفه ، لكن أن يتوخى نشر الحقيقة وقول الصدق. . أليس الصمت خيانة عندما نسكت عن قول لا ؟ .

إلى اللقاء في المقال الثالث

http://www.geocities.com/half_word/

www.half-word.cjb.net

طيب الخير لكم

يوسف فضل