النور الزينبي
07-20-2004, 12:47 AM
انتقلت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى البيت الزوجي، وكان انتقالها من بيت الرسالة والنبوة إلى دار الإمامة والوصاية والخلافة والولاية، وحصل تطور في سعادة حياتها، فبعد أن كانت تعيش تحت شعاع النبوة صارت تعيش قرينة الإمام.
كانت حياتها في البيت الزوجي تزداد إشراقاً وجمالاً إذ كانت تعيش في جوٍّ تكتنفه القداسة والنزاهة، وتحيط به عظمة الزهد وبساطة العيش، وكانت تعين زوجها على أمر دينه وآخرته، وتتجاوب معه في اتجاهاته الدينية، وتتعاون معه في جهوده وجهاده.
وما أحلى الحياة الزوجية إذا حصل الانسجام بين الزوجين في الاتجاه والمبدأ ونوعية التفكير، مبنياً على أساس التقدير والاحترام من الجانبين.
وليس ذلك بعجيب، فإن السيدة فاطمة الزهراء تعرف لزوجها مكانته العظمى ومنزلته العليا عند الله تعالى، وتحترمه كما تحترم المرأة المسلمة إمامها، بل أكثر وأكثر، فإن السيدة فاطمة كانت عارفة بحق علي حق معرفته، وتقدره حق قدره، وتطيعه كما ينبغي، لأنه أعز الخلق إلى رسول الله.
لأنه صاحب الولاية العظمى، والخلافة الكبرى والإمامة المطلقة.
لأنه أخو رسول الله وخليفته، ووارثه ووصيه.
لأنه صاحب المواهب الجليلة، والسوابق العظيمة.
وهكذا كان علي (عليه السلام) يحترم السيدة فاطمة الزهراء احتراماً لائقاً بها، لا لأنها زوجته فقط:
بل لأنها أحب الخلق إلى رسول الله.
لأنها سيدة نساء العالمين.
لأن نورها من نور رسول الله.
لأنها من الذين بهم فتح الله كتاب الإيجاد والوجود، لأنها كتلة من العظمة.
لأنها مجموعة من الفضائل متوفرة في امرأة واحدة لاستحقت التقدير والتعظيم.
فكيف بفاطمة الزهراء، وقد اجتمعت فيها من المزايا والمواهب والفضائل والمكارم ما لم تجتمع في أية امرأة في العالم كله، من حيث النسب الشريف الأرفع، والروحانية والقدسية، من حيث بدء الخلقة ومنشأ إيجادها وكرامتها عند الله، وعبادتها وعلمها وديانتها، وزهدها وتقواها وطهارتها ونفسيتها وشخصيتها، وغير ذلك من مئات المزايا مما يطول الكلام بذكرها.
بعد ما قصصنا ولم نقصص عليك يمكن لك أن تدرك الجوّ الذي كان الزوجان السعيدان يعيشانه، والحياة الطيبة السعيدة الحلوة (بجميع معنى الكلمة) التي كانا يتمتعان بها:
حياة لا يعكِّرها الفقر، ولا تغيّرها الفاقة، ولا تضطرب بالحوادث.
حياة يهب عليها نسيم الحب والوئام، وتزينها العاطفة بجمالها المدهش.
وفي البحار عن المناقب قال علي (عليه السلام): فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت انظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
وفي تفسير العياشي عن الإمام الباقر (عليه السلام): أن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز، وقمَّ البيت، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام.
لم يُعلم بالضبط مدة إقامة الإمام والسيدة فاطمة (عليهما السلام) في دار حارثة بن النعمان، إلاّ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنى لها بيتاً ملاصقاً لمسجده، له باب شارع إلى المسجد، كبقية الحجرات التي بناها لزوجاته، وانتقلت السيدة إلى ذلك البيت الجديد الملاصق لبيت الله، المجاور لبيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أُكْذُوبَةُ التَاريخ في حَقِّ عَليّ (عليه السلام)
لقد تكرر منّا الكلام أن بعض حَمَلة الأقلام أساءوا إلى السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في شتى الميادين ومختلف المجالات، وقد تقدم منا الكلام أن زواج الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد هيَّج الأحقاد في قلوب الحاسدين، فجعلوا يتشبثون بشتى الوسائل لتعكير حياة الزوجين السعيدين، وإثارة الفتن والمشاغبات، كما هو شأن المفسدين الذين تتكون عندهم عقدة الحقارة النفسية بسبب الفشل في الحياة.
ومن جملة تلك المشاغبات أنهم أشاعوا أن عليّاً قد خطب ابنة أبي جهل، ووصل الخبر إلى السيدة فاطمة الزهراء أن زوجها قد خطب بنت رئيس المشركين وقطب الكافرين أبي جهل.
فتأثرت السيدة فاطمة وذهبت إلى حجرة أبيها الرسول (صلى الله عليه وآله) ولكن سرعان ما انكشف الأمر، واتضحت الحقيقة، وظهر تزوير هذا الخبر.
هذه خلاصة الحديث على فرض صحته.
ولكن هلم معي إلى بعض المؤلفين والكُتّاب كيف اتخذوا هذه التهمة مرتعاً خصباً للتهريج والتشنيع ضد الإمام أمير المؤمنين، فجعلوا يطبّلون ويزمّرون من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
ومن جملة المطبّلين والمزمّرين هي الكاتبة المصرية التي كتبت ما كتبت وهي غير مبالية بما تكتب، أو متعمدة فيما تكتب، فإنها اعتبرت هذه الأكذوبة حقيقة ثابتة عندها، لا شك فيها ولا ريب.
وهنا نقتطف بعض ما كتبته الكاتبة المصرية في كتابها: (بنات النبي) ص167.
(لقد همّ علي بالزواج على فاطمة.. دون أن يخطر بباله أن في هذا ما تنكره بنت نبي الإسلام).
أنا لا أدري بماذا أُجيب على هذه الكلمة الهوجاء التائهة؟
وهل يوجد في العالم كله رجل لا يشعر أن زوجته تكره الضرّة؟ وتكره أن يتزوج عليها زوجها؟
إنَّ أقلَّ الناس إدراكاً ومعرفة بالأمور يشعر بهذا الأمر، ولكن الكاتبة تقول: (دون أن يخطر بباله (ببال علي) أن في هذا ما تنكره بنت نبي الإسلام)!!
وتقول بعد ذلك: (ألا ليت علياً قد صبر على واحدة).
ثم إنّها ملأت صفحات من كتابها في ذم أبي جهل ومواقفه ضد الإسلام، ثم قارنت بين بنت أبي جهل وبين بنت الرسول، وهي بهذه المقارنة تقصد التشنيع والتهريج ضدّ هذا الزواج المزعوم.
ومن العجب أن الكاتبة نفسها تبدي استيائها من بعض المستشرقين المسيحيين المتعصبين الذين تلاعبوا بالتاريخ الإسلامي، وتخص الكاتبة منهم (لامانس) المبشّر المسيحي المعادي.
ومع الأسف أن الكاتبة نفسها نسيت التريّث والتروّي حول هذه المفتريات، واعتبرتها وحياً يوحى.
واستعانت الكاتبة بنسيج خيالها ووصفها الروائي الذي هو عادة مؤلفي الأساطير.
وهنا يجيب العلامة المعاصر السيد حسن الأمين - عن هذه المفتريات - في الجزء الثالث من كتابه (دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ص10) تحت عنوان: دسائس على النبي وعليّ وفاطمة: ورد في كتاب ذخائر العقبى أن علياً أراد أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة، وأن النبي غضب لذلك وصعد المنبر محتداً ناقماً على هذا الأمر، شاجباً له، بالتفاصيل المزرية التي وردت في الكتاب مما هو طعن صريح بمحمد، فضلاً عن أنه طعن بعليٍّ وفاطمة.
أمّا أنه طعن بمحمد، فذلك أنه أظهره بمظهر من يرفض أن يطبّق الشريعة على نفسه وعلى من يتصل به في حين أنه يفرض على غيره تطبيقها.
فهو يبيح للناس تعدد الزوجات، ولكن يأبى أن ينطبق هذا التعدد على ابنته.
وهذا من أفظع ما يوجَّه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) من مطاعن ولكن أعداء محمد استطاعوا أن يفعلوا ذلك، وأن يستغلوا ذوي النظر القصير، فيروونه في كتبهم ولا يرون فيه شيئاً.
أمّا أنه طعن في علي، فذلك بإظهاره بمظهر من أغضب فاطمة وأغضب النبي نفسه.
وأمّا أنه طعن فاطمة، لأنها ترفض أن تطبِّق شريعة الله التي جاء بها أبوها على نفسها.
نحن لن نتعرض لسند الخبر، فإن هذا الخبر بادئ الفساد من نفسه ولكننا نتساءل: لماذا خصّ رواة الخبر بنت أبي جهل بهذا الشرف؟
ولماذا لم ينسبوا إلى علي محاولته التزوج على فاطمة من غير بنت أبي جهل؟
أكان ذلك لأن بنت أبي جهل كانت من الجمال والكمال بحيث لم تكن أي فتاة عربية غيرها على شيء من مثلها؟
إنما خصُّوا بذلك بنت أبي جهل ليكون الطعن في علي (عليه السلام) أبلغ وأنفذ، فهو لم يختر لإغاظة النبي وابنته فاطمة إلاّ بنت أعدى عدوٍّ للنبي والإسلام.
كشفتْ الدسيسة عن نفسها، وفضحت مخترعيها ولو كانوا أكثر ذكاءً لخففّوا من غلوائهم، ولم يمدحوا أنفسهم وهم يشتمون محمداً وابنته وابن عمه.
فقد أوردوا في القصة هذا النص عن لسان النبي: (ذكر - النبي - صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن).
قال - النبي -: (حدَّثني - أي ذلك الصهر من بني عبد شمس - فصدَّقني، ووعدني فأوفاني).
ومعنى هذا الكلام أن النبي يثني على صهره الأموي من بني عبد شمس ويقول عنه: أنّه حدّثه فصدقه في حديثه، ووعده فوفى بما وعد!
والنتيجة الحتمية لهذا الكلام أن صهر النبي الآخر (علي بن أبي طالب) حدَّث النبيَّ وكذب، ووعد النبي فغدر ولم يفِ، وأن النبي ذمَّه في مصاهرته إياه!!
وهكذا - كما قلنا - فضحت الدسيسة نفسها بنفسها وأظهرت زيفها دون أن تحوجنا في ذلك إلى كثير عناء.
أُريدَ لهذا الخبر الزائف غاية أُخرى مضافة إلى غاية الطعن في النبي وفي علي وفاطمة، هذه الغاية هي صرف الأنظار عن حقيقة الذين أغضبوا فاطمة، وجعل المقصود بذلك هو علي بن أبي طالب.
فقد أورد مدبّرو الخبر ومنظّموه - أوردوه بعدَّة نصوص ليكون في كل نصٍ غاية مستقلة.
ومن النصوص التي أوردها قولهم: قال النبي: (فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما يؤذيها).
ثم فسّروا هذا الحديث بأن قالوا: إن المقصود منه أنَّ الله حرَّم على علي أن يتزوج على فاطمة ويؤذي رسول الله.
كانت حياتها في البيت الزوجي تزداد إشراقاً وجمالاً إذ كانت تعيش في جوٍّ تكتنفه القداسة والنزاهة، وتحيط به عظمة الزهد وبساطة العيش، وكانت تعين زوجها على أمر دينه وآخرته، وتتجاوب معه في اتجاهاته الدينية، وتتعاون معه في جهوده وجهاده.
وما أحلى الحياة الزوجية إذا حصل الانسجام بين الزوجين في الاتجاه والمبدأ ونوعية التفكير، مبنياً على أساس التقدير والاحترام من الجانبين.
وليس ذلك بعجيب، فإن السيدة فاطمة الزهراء تعرف لزوجها مكانته العظمى ومنزلته العليا عند الله تعالى، وتحترمه كما تحترم المرأة المسلمة إمامها، بل أكثر وأكثر، فإن السيدة فاطمة كانت عارفة بحق علي حق معرفته، وتقدره حق قدره، وتطيعه كما ينبغي، لأنه أعز الخلق إلى رسول الله.
لأنه صاحب الولاية العظمى، والخلافة الكبرى والإمامة المطلقة.
لأنه أخو رسول الله وخليفته، ووارثه ووصيه.
لأنه صاحب المواهب الجليلة، والسوابق العظيمة.
وهكذا كان علي (عليه السلام) يحترم السيدة فاطمة الزهراء احتراماً لائقاً بها، لا لأنها زوجته فقط:
بل لأنها أحب الخلق إلى رسول الله.
لأنها سيدة نساء العالمين.
لأن نورها من نور رسول الله.
لأنها من الذين بهم فتح الله كتاب الإيجاد والوجود، لأنها كتلة من العظمة.
لأنها مجموعة من الفضائل متوفرة في امرأة واحدة لاستحقت التقدير والتعظيم.
فكيف بفاطمة الزهراء، وقد اجتمعت فيها من المزايا والمواهب والفضائل والمكارم ما لم تجتمع في أية امرأة في العالم كله، من حيث النسب الشريف الأرفع، والروحانية والقدسية، من حيث بدء الخلقة ومنشأ إيجادها وكرامتها عند الله، وعبادتها وعلمها وديانتها، وزهدها وتقواها وطهارتها ونفسيتها وشخصيتها، وغير ذلك من مئات المزايا مما يطول الكلام بذكرها.
بعد ما قصصنا ولم نقصص عليك يمكن لك أن تدرك الجوّ الذي كان الزوجان السعيدان يعيشانه، والحياة الطيبة السعيدة الحلوة (بجميع معنى الكلمة) التي كانا يتمتعان بها:
حياة لا يعكِّرها الفقر، ولا تغيّرها الفاقة، ولا تضطرب بالحوادث.
حياة يهب عليها نسيم الحب والوئام، وتزينها العاطفة بجمالها المدهش.
وفي البحار عن المناقب قال علي (عليه السلام): فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت انظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
وفي تفسير العياشي عن الإمام الباقر (عليه السلام): أن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز، وقمَّ البيت، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام.
لم يُعلم بالضبط مدة إقامة الإمام والسيدة فاطمة (عليهما السلام) في دار حارثة بن النعمان، إلاّ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنى لها بيتاً ملاصقاً لمسجده، له باب شارع إلى المسجد، كبقية الحجرات التي بناها لزوجاته، وانتقلت السيدة إلى ذلك البيت الجديد الملاصق لبيت الله، المجاور لبيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أُكْذُوبَةُ التَاريخ في حَقِّ عَليّ (عليه السلام)
لقد تكرر منّا الكلام أن بعض حَمَلة الأقلام أساءوا إلى السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في شتى الميادين ومختلف المجالات، وقد تقدم منا الكلام أن زواج الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد هيَّج الأحقاد في قلوب الحاسدين، فجعلوا يتشبثون بشتى الوسائل لتعكير حياة الزوجين السعيدين، وإثارة الفتن والمشاغبات، كما هو شأن المفسدين الذين تتكون عندهم عقدة الحقارة النفسية بسبب الفشل في الحياة.
ومن جملة تلك المشاغبات أنهم أشاعوا أن عليّاً قد خطب ابنة أبي جهل، ووصل الخبر إلى السيدة فاطمة الزهراء أن زوجها قد خطب بنت رئيس المشركين وقطب الكافرين أبي جهل.
فتأثرت السيدة فاطمة وذهبت إلى حجرة أبيها الرسول (صلى الله عليه وآله) ولكن سرعان ما انكشف الأمر، واتضحت الحقيقة، وظهر تزوير هذا الخبر.
هذه خلاصة الحديث على فرض صحته.
ولكن هلم معي إلى بعض المؤلفين والكُتّاب كيف اتخذوا هذه التهمة مرتعاً خصباً للتهريج والتشنيع ضد الإمام أمير المؤمنين، فجعلوا يطبّلون ويزمّرون من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
ومن جملة المطبّلين والمزمّرين هي الكاتبة المصرية التي كتبت ما كتبت وهي غير مبالية بما تكتب، أو متعمدة فيما تكتب، فإنها اعتبرت هذه الأكذوبة حقيقة ثابتة عندها، لا شك فيها ولا ريب.
وهنا نقتطف بعض ما كتبته الكاتبة المصرية في كتابها: (بنات النبي) ص167.
(لقد همّ علي بالزواج على فاطمة.. دون أن يخطر بباله أن في هذا ما تنكره بنت نبي الإسلام).
أنا لا أدري بماذا أُجيب على هذه الكلمة الهوجاء التائهة؟
وهل يوجد في العالم كله رجل لا يشعر أن زوجته تكره الضرّة؟ وتكره أن يتزوج عليها زوجها؟
إنَّ أقلَّ الناس إدراكاً ومعرفة بالأمور يشعر بهذا الأمر، ولكن الكاتبة تقول: (دون أن يخطر بباله (ببال علي) أن في هذا ما تنكره بنت نبي الإسلام)!!
وتقول بعد ذلك: (ألا ليت علياً قد صبر على واحدة).
ثم إنّها ملأت صفحات من كتابها في ذم أبي جهل ومواقفه ضد الإسلام، ثم قارنت بين بنت أبي جهل وبين بنت الرسول، وهي بهذه المقارنة تقصد التشنيع والتهريج ضدّ هذا الزواج المزعوم.
ومن العجب أن الكاتبة نفسها تبدي استيائها من بعض المستشرقين المسيحيين المتعصبين الذين تلاعبوا بالتاريخ الإسلامي، وتخص الكاتبة منهم (لامانس) المبشّر المسيحي المعادي.
ومع الأسف أن الكاتبة نفسها نسيت التريّث والتروّي حول هذه المفتريات، واعتبرتها وحياً يوحى.
واستعانت الكاتبة بنسيج خيالها ووصفها الروائي الذي هو عادة مؤلفي الأساطير.
وهنا يجيب العلامة المعاصر السيد حسن الأمين - عن هذه المفتريات - في الجزء الثالث من كتابه (دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ص10) تحت عنوان: دسائس على النبي وعليّ وفاطمة: ورد في كتاب ذخائر العقبى أن علياً أراد أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة، وأن النبي غضب لذلك وصعد المنبر محتداً ناقماً على هذا الأمر، شاجباً له، بالتفاصيل المزرية التي وردت في الكتاب مما هو طعن صريح بمحمد، فضلاً عن أنه طعن بعليٍّ وفاطمة.
أمّا أنه طعن بمحمد، فذلك أنه أظهره بمظهر من يرفض أن يطبّق الشريعة على نفسه وعلى من يتصل به في حين أنه يفرض على غيره تطبيقها.
فهو يبيح للناس تعدد الزوجات، ولكن يأبى أن ينطبق هذا التعدد على ابنته.
وهذا من أفظع ما يوجَّه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) من مطاعن ولكن أعداء محمد استطاعوا أن يفعلوا ذلك، وأن يستغلوا ذوي النظر القصير، فيروونه في كتبهم ولا يرون فيه شيئاً.
أمّا أنه طعن في علي، فذلك بإظهاره بمظهر من أغضب فاطمة وأغضب النبي نفسه.
وأمّا أنه طعن فاطمة، لأنها ترفض أن تطبِّق شريعة الله التي جاء بها أبوها على نفسها.
نحن لن نتعرض لسند الخبر، فإن هذا الخبر بادئ الفساد من نفسه ولكننا نتساءل: لماذا خصّ رواة الخبر بنت أبي جهل بهذا الشرف؟
ولماذا لم ينسبوا إلى علي محاولته التزوج على فاطمة من غير بنت أبي جهل؟
أكان ذلك لأن بنت أبي جهل كانت من الجمال والكمال بحيث لم تكن أي فتاة عربية غيرها على شيء من مثلها؟
إنما خصُّوا بذلك بنت أبي جهل ليكون الطعن في علي (عليه السلام) أبلغ وأنفذ، فهو لم يختر لإغاظة النبي وابنته فاطمة إلاّ بنت أعدى عدوٍّ للنبي والإسلام.
كشفتْ الدسيسة عن نفسها، وفضحت مخترعيها ولو كانوا أكثر ذكاءً لخففّوا من غلوائهم، ولم يمدحوا أنفسهم وهم يشتمون محمداً وابنته وابن عمه.
فقد أوردوا في القصة هذا النص عن لسان النبي: (ذكر - النبي - صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن).
قال - النبي -: (حدَّثني - أي ذلك الصهر من بني عبد شمس - فصدَّقني، ووعدني فأوفاني).
ومعنى هذا الكلام أن النبي يثني على صهره الأموي من بني عبد شمس ويقول عنه: أنّه حدّثه فصدقه في حديثه، ووعده فوفى بما وعد!
والنتيجة الحتمية لهذا الكلام أن صهر النبي الآخر (علي بن أبي طالب) حدَّث النبيَّ وكذب، ووعد النبي فغدر ولم يفِ، وأن النبي ذمَّه في مصاهرته إياه!!
وهكذا - كما قلنا - فضحت الدسيسة نفسها بنفسها وأظهرت زيفها دون أن تحوجنا في ذلك إلى كثير عناء.
أُريدَ لهذا الخبر الزائف غاية أُخرى مضافة إلى غاية الطعن في النبي وفي علي وفاطمة، هذه الغاية هي صرف الأنظار عن حقيقة الذين أغضبوا فاطمة، وجعل المقصود بذلك هو علي بن أبي طالب.
فقد أورد مدبّرو الخبر ومنظّموه - أوردوه بعدَّة نصوص ليكون في كل نصٍ غاية مستقلة.
ومن النصوص التي أوردها قولهم: قال النبي: (فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما يؤذيها).
ثم فسّروا هذا الحديث بأن قالوا: إن المقصود منه أنَّ الله حرَّم على علي أن يتزوج على فاطمة ويؤذي رسول الله.