تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الاصلاح بين الترف والواقع



يوسف فضل
07-03-2004, 06:58 PM
إنني لا أطرح جديداً حين أقول : " أن الطبيعة تكره الفراغ " وهذا هو نفس مفهوم قانون تدافع الأمم . وكما هو حال النفس البشرية التي إن لم تشغلها بالخير شغلتها بالشر . فان التطور البشري وخاصة على الصعيد السياسي تكلل بتشكيل ما يسمى "هيئة الأمم " التي تضم حاليا ما يقرب من 192 دولة مستقلة تمثل مختلف الكيانات السياسية باطيافها الفكرية المختلفة .

من الممكن بل والمقبول أيضا أن تقبل هيئة الأمم دولة ما لا تعترف بها بعض الدول الأعضاء إلى هيئة الأمم أو إحدى الدول الخمس صاحبة حق النقض لكن يبقى انضمامها في هيئة الأمم المتحدة معترفاً به وقائماً . لم يتم حتى الآن رفض قبول انتساب أي دولة تقدمت بطلب العضوية إلى هيئة الأمم المتحدة وذلك بغض النظر عن طبيعة وكيان هذه الدولة أو تلك . فمثلا الصومال دولة معترف بها في هيئة الأمم المتحدة مع أنها لا تمثل دولة على أرض الواقع فلا يوجد فيها حكومة لا منتخبة ولا غير منتخبة وإنما هي عبارة عن تجمعات قبلية تدير الأمور الداخلية حسب مصلحتها . إلا أن قبول تركيا من قِبل السوق الأوروبية المشتركة لا يزال يخضع إلى شروط قاسية قابلة للإضافة مع أن تركيا هي عضو في هيئة الأمم المتحدة . فهل شروط الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة أفضل من شروط الإنضمام إلى هيئة الأمم المتحدة ؟ وهل ستطغى شروط الإنتساب للإتحاد الاوروبي على شروط هيئة الأمم المتحدة ؟ أم أن فكرة وضع صيغ ومعاييرمعينة للإنتساب إلى التجمعات السياسية سوف تأخذ منحىً مغايراً في تحديث إطار شروط الإنضمام إلى هيئة الأمم المتحدة ؟ هذا ما ستكشفه لنا التطورات السياسية العالمية القادمه.

في ظل التصارع والتسارع الحالي في اعادة هيكلة العالم إما من خلال التوجه الأمريكي الذي هو حديث الساحة العربية حاليا أو التوجه الأوروبي الداعم لدور هيئة الأمم المتحدة في أن تتم جميع التغييرات العالمية برعاية هيئة الأمم المتحدة . يأتي اجتماع قمة الدول الصناعية الثماني في سي ايلاند بولاية فرجينيا في الفترة بين 8-10 يونيو 2004 ليقر الاتفاق على قبول الدور الأمريكي ومصالحه في المشرق العربي ووسط آسيا الاسلامي مقابل اقرار أمريكا بالدور والمصالح الأوروبية في دول المغرب الكبير باعتباره حديقة أوروبا الخلفية . نستغرب كيف يمكن تحقيق ذلك الأمر ؟

من المعروف أن تصنيع وانتاج أي سلعة من السلع يكون بمواصفات جودة معينة حتى يكون المنتج مقبولاً إما للاستخدام الآدمي أو لتثبيت القدرة على المنافسة . وآخر تصنيف معمول به على صعيد تصنيف الجودة وفق مواصفات منظمة الجودة العالمية المعروفة اختصارا بالـ Iso الذي يغربل كل الشركات وكل مادة منتجة لتكون مقبولة بالمواصفات العالمية . فلا يمكن لأي منتج أن يدخل حدود الدول المتقدمة إذا لم يكن بمواصفات الـ Iso وهذا ما تفرضه الدول المتقدمه على الدول المتأخره أو النامية التي ليس بمقدورها أن تطرح معايير مواصفات بشروط مخالفة أو بديلة .

وعلى نفس المنوال وبنفس الطريقة سوف تقوم هيئة الأمم المتحدة في المستقبل القريب بوضع معايير جديدة لقبول دولة ما للإنتساب إليها . إذ أن كل دولة تمثل كيانا لتجمع بشري معين يفترض فيه أن يتصف كحد أدنى بمعايير إنسانية ( من وجهة النظر الغربية ) حتى يتم الإعتراف به . وقد بدأ بروز هذه المعايير في دعوة أمريكا إلى الاصلاح في الدول العربية . إن مشروع الاصلاح الأمريكي ، حسب الرؤية الأمريكية ضرورة لازمة لأمنها وأمن الدول الصناعية الكبرى وأمن إسرائيل ومن أجل استقرار المنطقة وشعوبها . وذريعة أمريكا في ذلك أن المنطقة العربية أصحبت المنطقة الوحيدة في العالم التي ليس فيها ديمقراطية . لقد كان رأي بعض الدول العربية في قبول شروط الاصلاح أن تقبل بها سواء بالكامل أو باحداث بعض التعديلات لأن التعامل مع الاصلاح في نظرها هو شر لا بد منه . والبعض الآخر يرفض الاصلاح القادم من الخارج وبالتالي عدم مناقشة الفكرة تحت ذريعة أن الاصلاح يجب أن يتم من الداخل . هل هذه الدولة التي ترفض الاصلاح كانت ستطرح الاصلاح الذاتي لولا أن طرحت عليها هذه الفكرة من الخارج ؟ ألم يكن هناك متسع من الوقت لهذه الدولة أو تلك أن ترتب بيتها من الداخل وتتفادى أن تكون مثل الطالب الذي لم يدرس طوال العام لكنه يريد أن ينجح في الامتحان؟ فضلا عن ذلك فإن دعوة أمريكا للاصلاح هي مثل السكير الذي يدعو لإنشاء جمعية لمنع الخمور وكأن الدول التي ترفض الاصلاح ليست دولا فاسقة وتعطي دروساً في الفضيلة . لكن الأمر ليس بالتمني أو الترف بل هو فيما تراه أمريكا وحسب . فالمسألة إذا هي مسألة اكراه .

بما أننا لا نستطيع الهروب من الحضارة والتحضر ، فقناعتي بأن العالم العربي لا يحتاج إلى اصلاح بل إلى سياسة تغيير تبدأ وتنطلق من الجذور لأن هذه الأنظمة قد أثبتت فشلها على كافة الصعد، لأنها مارست سياسات لا تتسم بالحكمة في القول والعمل، بل إن هذه الأنظمة قدأنهت فترة نمائنا الإفتراضي فلا زلنا نتعثر بمطبات التطور. وليختار القاريء أي دولة عربية ليدرك ذلك ولتغنية حالة الدولة تلك عن مائة كتاب شرحا . لذا أرى أن هذا (فايروس الاصلاح ) القادم من الخارج لم يكن يجد مكاناً ومرتعاً خصباً له في جسدنا الشعبي المتذمر الذي لا يستطيع رفض هذه الدعوة لولا وجود الرغبة القوية لدية في التغيير نحو الأفضل. فاما أن يمرضنا هذا الفايروس وإما أن نحيطه بمضادات ذاتية بتكوين نظام مناعي كامل ينطلق من تأصيل الذات مما يكفل لنا تجاوزه .

لكن بما أن الدور الأخلاقي الذي تلعبه أمريكيا قد أوصل سمعتها إلى الحضيض ، فإن فرنسا والمانيا اللتان تلعبان دورا كبيرا في مساعدة شعوب المنطقة العربية تقومان حاليا بدراسة (لا زالت الدراسة وراء الكواليس ) إعادة هيكلة الأمم المتحدة بتغير شروط وأسس الانضمام إليها . بذلك فإن العديد من الدول العربية وغيرها سوف تخرج من اللعبة ومن كونها دولاً حسب المواصفات الجديدة لعدم تطابقها مع المواصفات الانسانية الجديدة إما الأمريكية أو الفرنسية - الألمانية الخاصة بهيئة الأمم المتحدة . يستطيع أي قاريء معرفة المواصفات الجديدة لشروط الإنضمام إلى هيئة الأمم المتحدة وهي دمقرطة النظام السياسي وحقوق المرأة،وجعل الدين لله والوطن للجميع ، والغاء ثقافة وخصوصية الدولة ، وتحديد مقدار الدخل القومي وحجم التطور الاقتصادي، ونظام التأمينات الاجتماعية ونظام العمل والعمال، وتحسين مستوى المعيشة بخصصة الاقتصاد ، واصلاح نظم التعليم ، والدخول بالشراكة الاقتصادية مع الدول الغربية .

التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو أنه إذا خرجت دولة ما عن شروط مطابقة الموصفات الجديدة فما الذي سيكون عليه وضعها القانوني الدولي ؟ هل ستكون دولة من الباطن مثلا ؟ أم أنه سوف تعطى لها فرصة جديدة لإعادة تأهيلها حتى تنضم إلى المجتمع الدولي الجديد ؟ وإذا ثبت أنها لا تستطيع مسايرة المعايير الدولية الجديدة فهل سيطرح عليها الإنضمام إلى دولة أخرى أم تكون تحت وصاية دولة اخرى ؟ أم أن الدولة العربية المعنية ستطرح في عطاء تجاري لتشغيلها وتطويرها ؟ أم تطرح للبيع ومن يشتري دولة عربية يأخذ دولة عربية أخرى مجانا ؟ كيف ستعمل الأمم المتحدة على مراقبة الدولة غير المؤهلة ويعيد تأهيلها للإنتماء إلى المجتمع الدولي ؟ هل سيكون هناك جدول لتقييم أداء الدول مثل تقييم أداء الأفراد ؟ وكيف ستتعامل الدول العربية التي لا تنطبق عليها المواصفات الجديدة مع الوضع الجديد سواء كان ذلك بالرفض أو الطواعية ؟ هل سيكفي مجرد الرفض أو القبول لاستمرار مثل هذه الدول بالوجود ؟ أعني ما مدى قدرة أي دولة عربية على اتخاذ القرار المستقل اللازم لاستمرار وبقاء كيانها السياسي دون أن تصيبها رياح التغيير العاصفة ؟

هل نعرف الأجوبه على هذه الأسئلة أم نحن بحاجة إلى فترة أكبر من الانتظار حتى نعرفها لعل وعسى نتعرف عليها قريبا ؟

http://www.geocities.com/half_word/

طيب الخير لكم
يوسف فضل