المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرحيل



القلب المكسور
06-25-2004, 10:51 PM
الرحيل

سألت الدار تخبريني ... عن الاحباب مافعلوا
فقالت لي : أناخ القوم ... أياماً وقد رحلوا
فقلت فأين أطلبهم ... وأي منازل نزلوا
فقالت : بالقبور وقد ... لقوا والله ما فعلوا


بدت أختي شاحبة الوجه نحيلة الجسم .. ولكنها كعادتها تقرأ القرآن الكريم .. تبحث عنها تجدها في مصلاها .. راكعة ساجدة رافعة يديها إلى السماء .. هكذا في الصبح وفي المساء وفي جوف الليل لا تفتر ولا تمل ..

كنت أحرص على قراءة المجلات الفنية والكتب ذات الطابع القصصي.. أشاهد الفيديو بكثرة لدرجة أنني عرفت به .. ومن أكثر من شيء عرف به .. لا أؤدي واجباتي كاملة ، ولست منضبطة في صلواتي ..

بعد أن أغلقت جهاز الفيديو وقد شاهدت أفلاماً متنوعة لمدة ثلاث ساعات متواصلة .. ها هو ذا الأذان يرتفع من المسجد المجاور ..
عدت إلى فراشي ..
تناديني من مصلاها .. نعم ماذا تريدين يا نورة ؟
قلت لي بنبرة حادة : لا تنامي قبل أن تُصلي الفجر ..
أوه .. بقي ساعة على صلاة الفجر وما سمعته كان أن يصيبها المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش .. نادتني .. تعالي يا هناء إلى جانبي ..
لا أستطيع إطلاقاً رد طلبها .. تشعر بصفائها وصدقها ..
لا شك طائعاً ستلبي ..
نعم .. ماذا تريدين ؟!
اجلسي ..
ها قد جلست ماذا لديك ..
بصوت عذب رخيم ' كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " ..
سكتت برهة .. ثم سألتني ..
ألم تؤمني بالموت ؟ ..
بلى مؤمنة ..
ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيرة ؟!
بلى .. ولكن الله غفور رحيم .. والعمر طوي ..
يا أختي .. ألا تخافين من الموت وبغتته ؟!
انظري هنداً أصغر منك وتوفيت في حادث سيارة .. وفلانة .. وفلانة .. الموت لا يعرف العمر .. وليس مقياساً له ..
أجبتها بصوت خائف حيث مصلاها الُمظلم ..
إنني أخاف من الظلام وأخفتني من الموت .. كيف أنام الآن ؟! كنت أظم أنكِ وافقت على السفر معنا هذه الإجازة !!
فجأة .. تحشرج صوتها واهتز قلبي ..
لعلي هذه السنة أسافر سفراً بعيداً .. إلى مكان آخر .. ربما يا هناء .. الأعمار بيد الله .. وانفجرت بالبكاء ..
تفكرت في مرضها الخبيث وأن الأطباء أخبروا أبي سراً أن المرض ربما لن يمهلها طويلاً .. ولكن من أخبرها بذلك .. أم أنها تتوقع هذا الشيء ؟
ما لك ؟ بم تفكرين ؟ جاءني صوتها القوى هذه المرة .. !!
هل تعتقدين أني أقول هذا لأنني مريضة ؟.
كلا .. ربما أكون أطول عمرتً من الأصحاء ..
وأنت إلى منى ستعيشين ؟! ربما عشرين سنة !! ربما أربعين .. ثم ماذا ؟!
لمعت يديها في الظلام وهزتها بقوة ..
لا فرق بيننا ، كلنا سنرحل ، وسنغادر هذه الدنيا إما إلى الجنة أو إلى نار .. ألم تسمعين قول الله " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز"؟
تصبحين على خير ..
هرولتُ مسرعة وصوتها يطرق أذني .. هداك الله .. لا تنسي الصلاة .. الثامنة صباحاً ..
أسمع طرقًا على الباب .. هذا ليس موعد استيقاظي .. بكاء وأصوات .. ماذا جرى .. لقد تردت حالة نورة .. وذهب بها أبي إلى المستشفى ..
إنا لله وإنا إلبه راجعون :
لا سفر هذه السنة ، مكتوب علي البقاء هذه السنة في بيتنا .. بعد انتظار طويل .. عند الواحدة ظهراً هاتفنا أبي من المستشفى .. تستطيعون زيارتها الآن .. هيا بسرعة ..
أخبرتني أمي أن حديث أبي غير مطمئن وأن صوته متغير ..
عباءتي في يدي ..
إين السائق ؟! ركبنا على عجل أين الطريق الذي كنت أذهب لأتمشي مع السائق فيه يبدو قصيراً .. ماله اليوم طويلاً .. طويلاً جداً ؟!
أين ذلك الزحام المحبب إلى نفسي كي ألتفت يمنة ويسرة .. زحام أصبح قاتلاً ومملاً ؟!
أمي بجواري تدعو لها .. إنها بنت صاحلة ومطيعة .. لم أرها تضيع وقتها أبداً .. دلفنا من الباب الخارجي للمستشفى ..
هذا مريض يتأوه .. وهذا مصاب بحادث سيارة ، وثالث عيناه غائرتان ..
لا تدري هل هو من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة ..
منظر عجيب لم أره من قبل ..
صعدنا درجات السلم بسرعة ..
إنها في غرفة العناية المركزة .. وسآخدكم إليها .. ثم واصلت الممرضة إنها بنت طيبة وطمأنت أمي إنها في تحسن بعد الغيبوبة التي حصلت لها ..
- ممنوع الدخول لأكثر من شخص واحد ..
هذه هي غرفة العناية المركزة ..
وسط زحام الأطباء وعبر النافذة الصغيرة التي في بابا الغرفة أرى عيني أختي نورة تنظر إلي ، وأمي واقفة بجوارها .. بعد دقيقتين خرجت أمي التي لم تستطيع إخفاء دموعها ..
سمحوا لي بالدخول والسلام عليها بشرط أن لا أتحدث معها كثيراً ..
دقيقتنا كافيتان لك ..
- كيف حالك يا نورة ؟
لقد كنت بخير مساء البارحة .. ماذا جرى لك ؟!
أجابتني بعد أن ضغطت على يدي : وأنا الآن والله الحمد بخير ..
الحمد لله .. ولكن يديك باردة ..
كنت جالسة على حافة السرير ولامست ساقها .. أبعدته عني .. آسفة إذا ضايقتك .. كلا ولكني تفكرت في قول الله تعالى : " والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق "
عليك يا هناء بالدعاء لي فربما أستقبل عن قريب أول أيام الآخرة ..
سفري بعيد وزادي قليل ..
سقطت دمعة من عيني بعد أن سمعت ما قالت وبكيت .. لم أعِ أين أنا ؟!
استمرت عيناي في البكاء .. أصبح أبي خائفاً علي أكثر من نورة .. لم يتعودوا هذا البكاء والانطواء في غرفتي ..
• مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين ..
ساد صمت طويل في بيتنا ..
دخلت على ابنة خالتي .. ابنة عمتي ..
أحداث سريعة ..
كثر القادمون .. اختلطت الأصوات .. شيء واحد عرفته ..
نورة ماتت .
لم أعد أميز من جاء .. ولا أعرف ماذا قالوا ..
يا لله .. أين أنا ؟ وماذا يجري ؟ عجزت حتى عن البكاء .. قيما بعد أخبروني أن أبي أخذ لوداع أختي الوداع الأخير ..
وأني قبلتها .. لم أعد أتذكر إلا شيئا واحداً .. حين نظرت إليها مسجاة .. على فراش الموت .. تذكرت قولها "والتفت الساق بالساق "
عرفت حقيقة أن " إلى ربك يومئذ المساق " .
لم أعرف أني عدت إلى مصلاها إلا تلك الليلة ..
وحينما تذكرت من قاسمتني رحم أمي ، فنحن توأمان .. تذكرت من شاركتني همومي .. تذكرت ممن نفست عني كربتي .. من دعت لي بالهداية .. من ذرفت دموعها ليالي طويلة وهي تحدثني عن الموت والحساب ..
الله المستعان ... هذه أول ليلة لها في قبرها .. اللهم ارحمها ونور لها قبرها .. هذا هو مصحفها .. وهذه سجادتها .. وهذا .. وهذا
بل هذا هو الفستان الوردي الذي قالت لي سأخبئه لزواجي ..
تذكرتها وبكيت على أيامي الضائعة .. بكيت بكاء متواصلاً .. ودعوت الله أن يرحمني ويتوب علي ويعفو عني .. دعوت الله أن يثبتها في قبرها كما كانت تحب أن تدعو ..
• فجأة سألت نفسي ماذا لو كانت الميتة أنا؟ ما مصيري .. ؟
لم أبحث عن الإجابة من الخوف الذي أصابني .. بكيت بحرقة ..
الله أكبر .. الله أكبر .. ها هو ذا أذان الفجر قد ارتفع .. ولكن ما أعذبه هذه المرة ..
أحسست بطمأنينة وراحة وأنا اردد ما يقوله المؤذن .. لفلفن ردائي وقمت واقفة أصلي صلاة الفجر .. صليت صلاة مودع ..
كما أصلتها أختي من قبل ، وكانت آخر صلاة لها ..
وإذا أصبحتً لا أنتظر المساء ..
وإذا أمسيتُ لا أنتظر الصباح ..

" هذي القصه كتبتها لكم من كتاب الزمن القادم "

تحياتي
القلب المكسور

زينب
06-28-2004, 10:53 AM
قصة محزنه ومبكية ولكنها فيها عظة وعبرة لنا

أمير العاشقين
06-28-2004, 07:37 PM
القلب المكسور قصه مؤثرة للغاية وموعطتها جداً جميله

اشكرك على القصه الجديده

ولاتحرمنا من جديدك اخوي القلب المكسور

تحياتي الخالصه لك

امير العاشقين

رحيل الموانئ
06-29-2004, 05:59 AM
هي دعوة للتأمل في ما قبل عالم الغيب يسوقنا من حولنا بقصصهم ليكونوا لنا عبرة حتى نسكب على الدنيا العبرة ودموع الرجاء من يوم لا بد آت بما هو آت , انذار رحمة وليس انذار رهبة
وتلك عروس زفت الى قبرها بدل ان تزف الى عريسها ايات دالة على ان العمر ليس مقرونا بطول السنين ولا بقصرها فكم من طفل يموت وكم من شيخ يعيش طويلا
اسرار بحاجة الى ادراك روحاني
وليس الى عقل بشري
فلو كان عقليا لجاز المسح على باطن الخف وليس على ظاهره لان الباط هو الذي تختلط به النجاسة والله المستعان


استوقفتني هذه القصة على معان كثيرة وعبر منيفة واشياء تطول كتابتها جزيل الشكر لله ثم لكاتب الموضوع الاخ القلب المكسور (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين)
رحيل الموانئ

القلب المرح
06-29-2004, 12:07 PM
اشكرك اخي القلب المكسور فلماذا انت دائما حزين وكلماتك حزينه وايضا قصصك حزينه؟؟
ولكن قصتك جدا مثيره وحزينه وجميلع وفيها كثير من الفوائد
ونتمنى ان نلقى منك المزيد
وتحياتي لك بالتوفيق..