تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : علماء: الحج عبادة وتسييسه فتنة وتعطيل ولا مكان فيه للتوجهات الطائفية(السيد طاهر)



نسمة ليل
12-27-2006, 01:17 AM
علماء: الحج عبادة وتسييسه فتنة وتعطيل ولا مكان فيه للتوجهات الطائفية(السيد طاهر)

أكدوا أنه خامس الأركان اختص الله به المسلمين ولا مجال فيه للشعارات المذهبية
علماء: الحج عبادة وتسييسه فتنة وتعطيل ولا مكان فيه للتوجهات الطائفية
http://www.alwatan.com.sa/daily/2006-12-26/Pictures/2612.cul.p26.n1.jpg
عبدالمحسن العبيكان



http://www.alwatan.com.sa/daily/2006-12-26/Pictures/2612.cul.p26.n2.jpg


طاهر الشميمي





الرياض، القاهرة، باريس: عضوان الأحمري، حازم عبده، فابيولا بدوي
حذر مجموعة من العلماء من مختلف الطوائف من تسييس الحج وتهيئته لخدمة أغراض سياسية أو تحقيق مآرب لا علاقة لها بمقاصد الحج الشرعية التي فرضها الله سبحانه وتعالى، وبناءً عليها كانت أهمية فريضة الحج كركن خامس من أركان الإسلام.
واعتبر العلماء في أحاديثهم لـ"الوطن" أن تسييس الحج هو عبارة عن تعطيل مبطن للحج ومحاولة للتشفي أو خدمة مصالح لا علاقة لها بالدين.
وقال المستشار القضائي عضو مجلس الشورى الشيخ عبدالمحسن العبيكان إن الحج من أعظم شعائر الدين وركن من أركان الإسلام، وهي سنة نبي الله إبراهيم وكذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسائر الأنبياء فهي تؤدى فريضة كعبادة لله بخضوع وخشوع يرجى من ورائها الأجر. أما اتخاذ هذه الفريضة لإثارة الفتن الطائفية أو حمل شعارات سياسية فإذن ذلك إخراج لهذه الشعيرة عن مقاصدها التي هي من أجلها فرضت، فالواجب على المسلمين شكر الله ويجب أن يتأدب الحجاج بآداب الحج، وألا يستغلوا هذه الفريضة لإثارة الفتن. وتحدث العبيكان عن بعض الشواهد التاريخية وركز على فتنة القرامطة ودخولهم إلى مكة وقتلهم أكثر من (300) ألف حاج ودفنهم لبئر زمزم بالجثث وجعلها حول الكعبة حتى إن الناس - كما يصف العبيكان مستنداً على مصادر تاريخية - كانوا يستطيعون الدخول إلى الكعبة من خلال الصعود على الجثث وتم تعطيل الحج بسبب هذه التصرفات الدموية والفتنة الشهيرة في مكة.
وشدد على أن الحج عبادة محضة ولا يمكن أن يعتبر مناسبة سياسية أبداً أو أن يستغل لإثارة الفتن أو لتصفية حسابات طائفية أو عرقية.
رفض المآرب الإقليمية
واتفق السيد طاهر الشميمي من علماء الطائفة الشيعية في السعودية مع ما قاله العبيكان وأضاف: "نحن ننظر إلى الحج على أنه ذو منافع متعددة الأبعاد، سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية وتربوية، لكننا ضد استغلال الحج والطاقات والإمكانات التي في الحج والقيام بعكس وضد هدف الحج والركن الخامس، وهناك من يدعون إلى شعارات سياسية أو مظاهرات، وأنا أقول إنها في حال أنها أخلت بالعملية الأمنية أو الهدف الديني للحج، فهي فتنة والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، كما أنه لا ينبغي إثارة المصطلحات السياسية أو المظاهرات البشرية أو عناوين الشغب في الحج أو استغلال المناسبات الدينية كالحج لتحقيق أهداف ومآرب إقليمية وعرقية، وهذا أمر نرفضه جميعاً. لكن لا مانع من أي عمل مفيد عن طريق المنظمات الإسلامية المعتمدة لخدمة العالم الإسلامي كمنظمة المؤتمر الإسلامي ويكون تحت مظلة الحكومات السياسية كذلك".
وأكد الشميمي أن هدف الحج هو العبادة وبعد ذلك تأتي المنافع الأخرى والأهداف الاقتصادية والثقافية والتربوية وأضاف: قال تعالى (ليشهدوا منافع لهم).
مناخ متعدد المنافع
وعلق الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ ماجد المرسال على الموضوع بقوله: "نحن ننظر إلى الحج على أنه مناخ متعدد المنافع، وأرى أن السياسة طبيعتها الاختلاف، والحج طبيعته الوحدة، وتوحد المسلمين يكون في أمور أولها خلوصهم من الشركيات في الحج، وتوحدهم كذلك في النية والمظهر الخارجي بلبس الإحرام الأبيض ومن أكبر معالم الحج التوحيد"، وبين المرسال أن هناك تناقضا كبيرا وبونا شاسعا بين المعنى السياسي للحج والمعنى الديني له.
وذكر المرسال أن تسييس الحج هو النواة الأولى لهدم الصف الإسلامي وتفريق وحدة المسلمين ومن ثم لن تكون هناك وحدة وسيكون هناك اختلاف وأضاف: "في خطبة يوم عرفة للرسول صلى الله عليه وسلم، ركز على التأصيل الشرعي للإسلام وأركانه، ولو كان الحج حدثاً سياسياً لخطب الرسول صلى الله عليه وسلم في أعداء الإسلام آنذاك وحول الحج إلى تظاهرة للمسلمين ضد أعدائهم..".
واعتبر المرسال أن الفتن أمر طبيعي في عالم تختلف فيه الأعراف والطوائف والجنسيات، وذكر في التاريخ الحديث تسييساً للحج كان يصدر من البشوات في مصر وغيرهم.
الخطر الكبير
أما عضو لجنة المناصحة في وزارة الداخلية الدكتور محمد النجيمي فيقول إن الحج قد يستخدم في تصفية الحسابات الطائفية أو العرقية، فمثلاً هناك خلاف سياسي بين السنة والشيعة في العراق ولبنان وهناك أناس مع، وأناس ضد، فتخيل شكل الحج لو نقلت هذه التفرقات إليه، سيتحول إلى مكان لإبداء الآراء السياسية والتجمعات المخالفة للشريعة والتي هي خلاف مقاصد الحج ولما جعل له، وسيكون الأمر أخطر لو تحول إلى مصادمات وهذا ما يخشى منه.
ووصف النجيمي نوايا الحجاج في حال تسييس الحج بأنهم سيرحلون من بلدانهم ليس لهدف الحصول على الأجر بل لأجل المشاركة في تجمعات سياسية لا علاقة لها بالدين أو لما كان الركن الخامس من أركان الإسلام عليه.
وكشف الدكتور محمد النجيمي عن بعض الأحاديث التي تدور حالياً من مطالبات في تدويل الحج وأن يدار هو وتدار المقدسات الإسلامية عن طريق مؤسسات ومنظمات عالمية موضحا أن هذا فيه خطر كبير، ويضيف: "العرب لم يتفقوا على أصغر الأمور فكيف يتفقون على إدارة المقدسات الإسلامية.. الحكومة السعودية تصرف المليارات لأجل أن يتم الحج بسلام وطمأنينة بعد توفيق الله، وفي كل عام تتلافى ما يحدث في العام الذي قبله، ونحن نشاهد المشاريع والوجبات المجانية التي يتم توزيعها في الحج وكل ذلك من الشعور بالمسؤولية تجاه المسلمين وتجاه ما وكل إليهم من واجب ديني. قد نستطيع تحويل الحج إلى خادم للسياسة الإسلامية، وذلك من خلال المؤتمرات الإسلامية عن الحج وعقدها في منظمة المؤتمر الإسلامي أو رابطة العالم الإسلامي أو جامعة الدول العربية حتى، وهنا حل أسلم بعيداً عن اللغط والمظاهرات والصدامات التي لا علاقة لها بالدين...".
وأوضح النجيمي أن الفقهاء المتقدمين قالوا في كتبهم إن الدولة التي تحكم الحرمين هي المسؤولة عن إدارة الحج وحاكمها هو أمير الحج أو من ينيبه".
الدين والسياسة
وقال رئيس الفدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا وأمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي الدكتور محمد البشاري: في التاريخ لا يمكننا أن ننفي أن الحج طالما استغل لتحقيق نوايا سياسية، وأن مسألة تسييس الحج قد بلغ حد ضرب الكعبة ذاتها بالمنجنيق في محاولة لتدميرها، بل إن بعضها قد دمر بالفعل، فمنذ العهد الأموي وكلنا يعرف كيف تدخلت السياسة، بل وطغت في أحيان كثيرة على الدين وجوهره وتعاليمه، ولكن هذه الأسانيد والوقائع التاريخية لا يجب أخذها كذريعة لتسييس الحج، أو للترويج لأفكار بعينها، أو لمذهب على وجه التحديد. فالحج أولا وأخيرا هو الركن الخامس من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلا. الحج هو رمز للوحدة الإسلامية، وهو فوق المؤسسات الرسمية والأجناس والأعمار والمذاهب والتقسيم الطائفي.
أما مسألة تسييس الحج من قبل بعض الدول فهو يطرح تساؤلا محددا حول علاقة الدين بالسياسة، وعلاقة السياسة بالدين؟.
ويتابع البشاري: الواقع الحالي يحدثنا بأن الحالة المزرية التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية الآن من ظلم واستبداد وحكم صهيوني واحتلال في العراق والنار الطائفية التي بدأت تجد لها مكانا في أوطاننا. كل هذا بات يجعل من الحج فرصة للقاء المسلمين البعيدين عن الحكم والأنظمة الرسمية مما يدعم الشعور بوحدة المسلمين الذين يعيشون هذه الحالة الصعبة. وهو ما يحمل المسلمين مسؤولية كبيرة.
أما استغلال الحج للترويج من قبل أنظمة بعينها لأفكار محددة فهو كلمة يراد بها باطل. خصوصا عندما يحدث هذا من قبل بعض الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة الأمريكية التي كشفت عن مخطط واضح لها في المنطقة، حيث المشروع الأمريكي الذي يدعم توسعا طائفيا بعينه، هذا المخطط الذي يعكس أول ما يعكس فشل السياسة الرسمية للبلدان التي استهدفت به. الحج لا يجب أن يتحول لأداة للترويج لقضية بعينها أو لاستغلال الحالة النفسية التي تمر بها الأمة. فهذا الركن الديني والذي ينتظره المسلم مرة في العمر لا يصح أن يستغل من قبل الحركات الراديكالية التي لا تملك أي أفق مستقبلي حقيقي، وإن كان لها الآن أصداء في الشارع العربي والإسلامي، لا عن اقتناع بها، بل لأن كافة حركات الإصلاح والأحزاب والمؤسسات قد فشلت في تجسيد مشروع نهضوي مستقبلي واضح المعالم.
وأضاف البشاري: على الدول والأنظمة التي تحاول تسييس شعائر الإسلام والترويج لأفكارها التيقن من أن المسلمين لا يريدون استبدال طاغوت بآخر كما يحدث في العراق، وأن عليها أن تلعب دورها في تحقيق السياسات العادلة وأن تخرج العراق من النار الطائفية والمحتل وأن تقوم بمهمتها التاريخية في هذه الأمور خاصة في مواجهة التحديات الصعبة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية الآن سواء في العراق أو فلسطين أو لبنان.
انفراد للأمة
إلى ذلك، أجمع عدد كبير من علماء الأزهر الشريف على أن الحج عبادة روحية خالصة اختص الله بها أمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لتكون علامة على وحدتهم وطاعتهم لخالقهم، وهو فريضة وعبادة، مؤكدين أنه مناسبة عظيمة بتدبير إلهي تنفرد به الأمة الإسلامية دون غيرها من الأمم لتدارس أحوالها في أمن وسلام وطمأنينة، محذرين من تكدير هذه المناسبة تحت أي شعارات أو لافتات.
ويقول رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصري الدكتور أحمد عمر هاشم إن الحج عبادة خالصة اختص الله بها المسلمين ولا مجال فيها للشعارات المذهبية أو الحزبية، ولا رفث ولا فسوق فيها، ويجب على الحاج أن يتحلى بكل آداب الإسلام وأن يفشي السلام بين إخوانه من الحجيج الذين قدموا من كل فج عميق، ليؤدوا مناسكهم آمنين مطمئنين، ويعودوا سالمين مغفورا لهم، فرحين بما منّ الله عليهم من مغفرة، ومن استطاعة لأداء الفريضة التي هي الركن الخامس من أركان الإسلام، وهي مناسبة للوحدة والتآلف لا التناحر والتجاذب، فهي رحلة بأمر الله ولله وفي الله، ولا يجب أن تكون لغير ما شرّعه الله، فمن كانت هجرته إلى الله فهي إلى الله، ومن كانت هجرته لمسألة يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
من جانبه يؤكد شيخ المشيخة العزمية علاء الدين أبو العزائم أن الحج موسم للمغفرة وجني الحسنات، جاء لأدائه المسلمون من كل بقاع الدنيا، يجمعهم الإسلام والإيمان ويوحدهم الرجاء في قبول الفريضة والفوز بالمغفرة جاؤوا استجابة للأذان "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ". ويضيف: هذا المشهد المهيب لا يجب أن يكدره أي مشهد آخر برفع شعارات أو نعرات يرفضها الإسلام، ولا يليق بالحاج وهو في موقف الجلال والرجاء أن يتجاوز آداب الإسلام، فخلق الحاج الراجي عفو ربه يجب أن يتسم بالسماحة والخوف على من حوله، وأن يحب لهم السلامة كما يحبها لنفسه، فلا يؤمن أحدكم حتى يجب لأخيه ما يحب لنفسه. هكذا علمنا حبيبنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم، فما أحوج حجاجنا إلى الحلم والتحلي بالخلق الكريم وسلام النفس والهدوء حتى يكتمل المشهد العظيم وتتم المناسك بسلام لتقدم الصورة الصحيحة لوحدة المسلمين وتراحمهم وتوادهم.
المنافع والثقافات
ويضيف أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر الدكتور عبدالشافي عبداللطيف: لقد انفردت الأمة الإسلامية دون سائر الأمم بهذا اللقاء العظيم الذي يتوحد فيه المسلمون المجتمعون في منزل الوحي وتتوحد معهم قلوب بقية المسلمين في كل مكان الذين يتابعون شعائر الحج عبر وسائل الإعلام في مشارق الأرض ومغاربها، حيث تهفو نفوسهم أيضا للمشاركة في هذه الفريضة التي تجسد وبحق قوة الإسلام وعظمته والتي استطاعت أن تجمع هؤلاء البشر وهذا العدد الضخم بمختلف بيئاتهم وأجناسهم وألوانهم ليرددوا معا وفي صوت واحد لبيك اللهم لبيك، فهو إلى جانب كونه عبادة فهو مؤتمر للمنافع بكل ألوانها.
ويوضح الدكتور عبداللطيف أنه إلى جانب كون الحج فريضة وعبادة لا بأس من تبادل المنافع والثقافات وتدارس أمور المسلمين وأحوالهم، مشيراً إلى أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي لله عنه وأرضاه، كان يحرص على أن يكون موسم الحج بمثابة مؤتمر عام لمناقشة شؤون الرعية في الأصقاع والأمصار وكان يدعو الولاة للاجتماع في الحج وكان له نظام بديع في الرقابة حيث كان له عيون تراقب أداء الولاة وتقدم له التقارير. كما كان يسيّر عيونه لتتعامل مع الحجيج ويتعرفون منهم على سير الحياة في بلادهم، ثم يبدأ في محاسبة الولاة وتقييم أدائهم وتقويمهم بعد أن تكون صورة أحوال الرعية في الأمصار قد اكتملت واتضحت. وكان يقول للولاة مقولته الشهيرة (لا تؤخروا عمل اليوم للغد فتتكاثر عليكم الأعمال فلا تدرون بأيها تبدأون).
ويتابع: كذلك كان الخليفة سليمان بن عبدالملك يحرص على هذا المؤتمر وكان يصحب معه عمر بن عبدالعزيز، وذات مرة قال سليمان لعمر وقد تجمع الحجيج في عرفة: انظر إلى الرعية الذين قدموا من كل البلاد لا يحصيهم إلا الله، فرد عليه عمر بن عبدالعزيز: اليوم هم رعيتك وغداً هم خصماؤك أمام الله سيحاسبونك على ما قصرت في حقهم.
أنموذج الوحدة
من جانبه يقول وكيل الأزهر الأسبق الشيخ محمود عاشور: الحج يأتي وكأنه مؤتمر سنوي شرعه الله عز وجل للمؤمنين، يذكر المسلمين بأن هذه الأمة أمة واحدة مهما فرقتهم الطرق ومهما فعل الشيطان بينهم وصنع صنائعه. فها هو الحج يمكن أن يجمع كلمتهم ويزيل ما بينهم من أحقاد وضغائن، فالحج ليس مجرد شعيرة أو نسك يقضيها المسلم ثم يعود إلى بلاده لا يحمل بين نفسه إلا ذكريات الطواف والوقوف على جبل عرفة. فالله غني عن عبادتنا إن لم تكن قوة جديدة تدفع المؤمنين إلى إعلاء كلمة الله وإقامة العدل وتوحيد كلمة المسلمين. والحج هو بالأساس أنموذج لوحدة المسلمين وهذه العبادة لا تجب إلا على المسلم القادر عليها من الناحية الصحية والناحية المالية، لكنها مثل سائر شعائر الإسلام لها انعكاسات أخرى، وأهمها بعد توبة الفرد إلى الله والاستغفار من كافة الذنوب والمعاصي، اعتبارها مؤتمرا إنسانيا وربانيا يلتقي فيه المسلمون جميعا من كل الأجناس واللغات في أيام معينة لكي يؤدوا نفس المشاعر عند البيت الحرام، ثم يمكن لهم بعد ذلك أن يشهدوا منافع لهم كما ذكر القرآن الكريم.
ويقول أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الدكتور أحمد السايح إن كل عبادة ليست هي غاية في حد ذاتها فالصلاة هي صلة بين العبد وربه وهي نموذج للطاعة والوحدة والانتظام والالتزام، وكذلك الحج فهو وحدة روحية وعقلية، وعلى المسلمين تصفية المشاكل فيما بينهم وهم في هذا المشهد العظيم، لأن الأمة أحوج ما تكون إلى الوحدة هذه الأيام وذلك لمواجهة تحديات العصر المتزايدة، وامتثالا لأمر الله في كتابه الكريم واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. ونسك الحج كغيره من العبادات مظهر من مظاهر وحدة المسلمين، فالأمة الإسلامية هي الأمة الشاهدة الأمينة على الوحي الإلهي بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي حملها الله مسؤولية مواجهة تحديات الحياة وأخطرها إقامة الدين الإسلامي كنظام حياتي شامل وذلك عبر تربية الأمة على مفهوم الإسلام الشامل ونصرة دين محمد صلى الله عليه وسلم وجهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد المجرمين وكسر شوكتهم، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وموسم الحج أو نسك الحج يذكر المسلمين بأنهم أمة واحدة فإلههم واحد حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، ودينهم واحد وهو الإسلام وقبلتهم واحدة ومرجعيتهم واحدة وأهدافهم وغاياتهم واحدة وعدوهم واحد. فنسك الحج يذكر الأمة أنها كالجسد الواحد فمن الطبيعي أنه إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. والجسد يشكو في فلسطين والعراق وفي كل مكان. وأشار السايح إلى أن الحج لا يزال وسيبقى الصورة الجامعة لأمة الإسلام رغماً عن كل أسباب التمزّق والفرقة، ورغما عن كل مكائد أعداء الله ومكرهم، ورغما عن كل الانحرافات القائمة في واقعنا. وكأن الحج هو الصورة الحقيقية والقوة الكبيرة التي تتحدّى المفسدين والمجرمين في الأرض، وتدعوهم إلى هذا الدين وتنذرهم بسوء العاقبة في الآخرة.
ويوضح عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور عبدالله النجار أن الحج هو الركن الذي يجمع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها في هذا المكان من كل عام فتجد الشامي بجانب المغربي والباكستاني بجانب الهندي والصيني بجانب الأفغاني وهكذا. فهذه الشعيرة تهدف إلى تجميع الناس كل عام في هذا المكان الطيب الطاهر حتى يمكنهم أن يتوحدوا فيما بينهم ليكونوا وحدة واحدة كما كانوا في عصر الرسول والتابعين، وإن الجانب السياسي للحج لن يكون بالطبع حاضراً لدى القاعدة العامة من المسلمين فالقاعدة الشعبية تبحث فيما يعنيها من الأمور إلا أننا كلما ارتفعنا إلى القمة يكون الأمر أكثر وعيا ونحرص على أن يكون الحج مؤتمر سلام وأمان.
ويرى عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور جمال الدين محمود ضرورة أن يصبح الحج مؤتمراً لتجمع المسلمين لا تفرقهم بالشعارات والخلافات وإذا كان للحج مناسك يجب أداؤها أولاً فيتم المسلمون هذه المناسك ولا حرج على المسلمين من أن يبحثوا أي أمر فيه منفعة اجتماعية واقتصادية لهم.
إلى ذلك يقول أمين عام مجلس الأئمة في فرنسا الدكتور الضو المسكين "نحن أمام طرح جد هام فالحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام ويحمل في طياته القدر الأكبر من معنى التجرد والتعبد والتقرب إلى الله عز وجل، وله عمق البعد الروحي الذي تنعم به كل العبادات. لكن الشعائر الإسلامية كلها لها أبعاد قد تكون سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية إلى جانب البعد الروحي الكامن فيها. أما فيما يخص مسألة تسييس الحج فهذا جائز وغير جائز في آن واحد. هو غير جائز إذا ما كان المقصود من هذا التسييس خدمة شخص ما أو منظمة أو حزب أو دولة بعينها. وجائز تماما إذا كانت هناك قضية تهم الأمة الإسلامية جميعها، وليست مصدر تجاذب أو تناحر بين المسلمين، بل هي قضية تجتمع عليها الأمة كلها (مثل القضية الفلسطينية) هناك يمكن لجمع الحجيج تبادل الرأي وتناول تفاصيل هذه القضية، بل وقد يتم تناولها في خطبة عرفات نفسها. ولكن كما أكدت شريطة ألا يكون في تناول هذه القضية خدمة لبلد إسلامي دون بلد إسلامي آخر. وقد حدث ذلك على مر التاريخ الإسلامي كله، حيث عقدت المؤتمرات أثناء فترة الحج ونوقشت أمور المسلمين. فعلى سبيل المثال، حينما سقطت الخلافة الإسلامية في بغداد تمت مناقشة هذه القضية في موسم الحج، حيث لا يمكن للأمة أن تبقى بلا خليفة، وتم اختيار، وحمل كبير العلماء في ذلك الوقت ـ ابن سبعين ـ مهمة السفر إلى تونس وإبلاغ من وقع عليه الاختيار بالتكليف الذي اجتمع عليه المسلمون، وقد نتج عن هذه البيعة من الأمة قيام الغرب بالحملة الصليبية السابعة بسبب هذه البيعة، وتم النصر عليهم. الخلاصة لابد من وجود قضية تهم الأمة جمعاء. أما غير ذلك من أساليب تسييس الحج فهذا لا يزيد الطين إلا بله، ولا نتيجة مرجوة منه إلا فرقة المسلمين والارتماء في أحضان الغرب. فالحج ليس موطناً يمكن أن يسيس لصالح مصالح بعينها، بل إن هذا يعني تقويض آخر ما تبقى للأمة الإسلامية من اجتماع ألا وهو موسم الحج. وفي التاريخ الإسلامي أيضا شواهد على ذلك، حيث تم استغلال موسم الحج في مناسبات كثيرة لمن كانت له الغلبة على أرض الحجاز وقد أثار هذا العديد من الحروب، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ثورة ابن الزبير الذي كان يريد أن ينثر سلطانه على الكعبة من أجل بسط نفوذه على كافة المسلمين، وتنافس الأمويين على الحجاز في الوقت ذاته، وكانوا أول من ركز على تدمير ابن الزبير. وكانت الفرقة بطبيعة الحال. إن تسييس الحج لجهة مسلمة دون الأخرى أو من أجل الترويج لأفكار أو مذاهب بعينها لا يأتي إلا بشر.

همسات وله
12-27-2006, 11:07 AM
اله يعطيك العافيه
وجعله في ميزن حسناتك
مع تحياتي لك
همسات وله

لحن الورد
12-28-2006, 08:34 PM
مشكووووووووووورة على الموضوع