المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النخب السعودية المثقفة والموقف من العدوان الإسرائيلي



ساجد
08-04-2006, 05:37 PM
بدا للوهلة الأولى مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على لبنان في الثاني عشر من الشهر الجاري، كما لو أن الموقف الرسمي السعودي قد استولي على كامل المشهد السياسي المحلي والعربي، من خلال إطلاق المملكة لموقفها المبكر والذي حمل المقاومة الإسلامية مسئولية شن العدوان وساندتها فيه عدد من الدول العربية، ومن ثم تفريغها لاجتماع وزراء الخارجية العرب لاحقا من أي مضمون، فخرج المجتمعون أقرب إلى مساندة العدوان منهم إلى أي شيء آخر.
وفي حين يمكن القول أن الدبلوماسية السعودية نجحت في تمرير رؤيتها على المستوى الرسمي العربي، فإنها فشلت في المقابل في فرض ذات الرؤية على المستوى الشعبي المحلي والعربي، اللهم إلا من بعض الجيوب المعزولة في الصحافة والإعلام، والتيار الديني المتطرف الذي بدا موقفه هذه المرة متساوقا إلى حد كبير مع الحكومة، بل ومزايدا عليها في تجريم المقاومة اللبنانية من منطلق طائفي ضيق.
فقد آثرت النخب السعودية المثقفة أن تنأى بنفسها بعيدا عن الموقف الرسمي بإطلاق عدد من عرائض الإدانة للعدوان الإسرائيلي والموقف العربي الرسمي على حد سواء. وإلى جانب إبراز الأصوات الأخرى في المملكة والمنحازة إلى قضايا الشعوب، كشفت العرائض الأخيرة في الوقت نفسه عن تماسك وطني يتجاوز البعد المذهبي والمناطقي، وهي وإن لم تكن المرة الأولى التي يظهر بها مثقفو المملكة بهذه المواقف المشرفة، إلا أن بروزها في وقت يراد للاستقطاب الطائفي أن يأخذ أقصى مدياته في الأمة، أضفى ذلك علامة فارقة على العرائض الأخيرة عما عداها من عرائض صدرت في أوقات سابقة.
هنا لابد من الإشارة إلى نقطة جوهرية حاولت بعض الأقلام المأجورة أن تتلاعب بها، وهي محاولة حشر جميع من نأى بنفسه عن الموقف الرسمي العربي من العدوان بأنه يعمل على الضد من مصالح بلاده، في تنكر تام لأدني قدر من حرية التعبير، وفي محاولة بائسة لتخوين الطيف الأوسع من الشعوب العربية وفي طليعتها النخب المثقفة، بيد أن تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع أمام زحف المواقف الحاسمة للنخب المحلية والعربية المثقفة.
وحده التيار التكفيري المتطرف في المملكة آثر أن يكشف عن وجهه القبيح واختار أن يصطاد في المياه الطائفية العكرة، من خلال إطلاق فتاوى تحريضية ضد المقاومة الإسلامية، أقل ما يقال فيها أنها جاءت مساندة للعدوان الإسرائيلي وعلى الضد من مصلحة الشعب العربي في لبنان، وليظهر هذا التيار متوائما إلى حد كبير وعلى غير العادة مع الموقف السياسي الرسمي، مع اختلاف المبررات التي تقف خلف موقف كلا الطرفين، فقد تعاطي معها التيار التكفيري بانتهازية لافتة ربما على قاعدة عدو عدوي صديقي.
هنا يبدو من الضروري فرز المواقف على الساحة السعودية، فهناك ولا شك في الوسط الإعلامي والصحفي من آثر الالتزام بـ «وظيفته» الرسمية والاستماتة في تبرير الموقف الرسمي العام، هذا الموقف المفاجئ والعصي أصلا على الاستيعاب لدى أكثر المحللين حتى في إسرائيل نفسها، لشد ما انطوى عليه من انقلاب على ذاته بين عشية وضحاها، فقد برز على الجانب الآخر من الساحة المئات من النساء والرجال في النخبة السعودية المثقفة التي آلت على نفسها إلا أن تظهر دون تخاذل أو حياد بمواقف رجولية مساندة للشعب اللبناني ومنددة بالعدوان الإسرائيلي.
ويبدو ذات الفرز ضروريا على مستوى الحالة الدينية في المملكة، فمن غير الموضوعي التسليم إلى جعجعة التيار التكفيري واختطافه للمشهد الديني المحلي، فبالرغم من إصرار هذا التيار على إظهار نفسه ممثلا للحالة الدينية برمتها، من خلال الهيمنة المطلقة وقمع الأصوات الدينية المعتدلة، والمتباينة عنه في النظر للقضايا المختلفة، لابد في الوقت نفسه من الإقرار بأن هناك أصواتا دينية وإن لم يخلو بعضها من محاولة تسجيل موقف أقرب إلى رفع العتب، بدت أخرى مع هذه الأزمة أكثر ميلا للاعتدال والبحث عن نقطة التقاء وسطى مع الآخر السياسي والمذهبي، انطلاقا من عدم استيعابها للتلاعب بالورقة الطائفية، والتراشق بالفتاوى التكفيرية والتحريضية بين أبناء المذاهب الإسلامية، سيما في هذه الأوقات العصيبة التي تتعرض فيها الأمة برمتها للعدوان.
من هنا كان لزاما فرز المواقف والنظر بعين الموضوعية لكامل المشهد المحلي، بعيدا عن التجييش الطائفي والاستقطابات السياسية والمذهبية في المنطقة، فبالقدر الذي كشفت فيه هذه الأزمة عن وجوه قبيحة على المستوى الرسمي العربي وعلى مستوى التيارات التكفيرية الشاذة، فقد كشفت على الجانب الآخر عن وجه مشرق لهذه الأمة متمثلا في النخب المثقفة من النساء والرجال الذين أثبتوا عبر مرور الأيام أنهم أكثر تفهما والتصاقا بقضايا شعوبهم وأمتهم.

شمعه تحترق
08-05-2006, 04:18 PM
يسلمووو ياساجد مقال رائع
ننتظر منك المزيد ..
تحياتي