تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الليلة الأولى من برنامج همسات لكلا الزوجين 4



عفاف الهدى
10-19-2010, 08:13 AM
﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾

الليلة الأولى من برنامج همسات لكلا الزوجين 4

المحاضر: الدكتور الشيخ ميثم السلمان


المحور الأول: غاية الزواج

الآية الكريمة تشير بوضوح إلى أن غاية الزواج هي السكون الذي هو ضد الاضطراب.
في سنوات الزواج الأولى كثيراً ما تنصرف الطاقة النفسية والاهتمام إلى أبعاد الزواج الأخرى ويتم نسيان أو تناسي أن الغاية من الزواج هي السكون وهذا ما تشير إليه تماماً الآية المباركة ولم تشر إلى العلاقة الجسدية، كأنها تريد القول إن الزواج ليس علاقة بدن ببدن بمقدار ما هي علاقة قلب بقلب وجدان بوجدان، مشاعر بمشاعر، إنسان بإنسان.. وهذا لا نصل إليه إلا إذا بلغنا مستوى من النضج والتحضر والوعي يؤهلنا لذلك.

وهنا نلفت إلى الفرق بين مصطلحي المباشرة والمواقعة، فالمواقعة هي علاقة الجسد بالجسد وارتباطهما معاً، أما المباشرة فتشمل الوجدان والعاطفة والنفس، وكل ما يرتبط بالوصال والتخاطب بين الطرفين، وبالتالي علينا أن ندرك أن العلاقة الزوجية علاقة مباشرة وتفاهم بين الطرفين.

كيف نصل إلى هذا السكون؟
لاحظوا أن المجعول في الآية هي المودة والرحمة ..( وجعل بينكم مودة ورحمة )..، فلن نصل إلى السكينة والتوافق والانسجام والألفة داخل الأسرة إلا بالمودة والرحمة.
تقول الرواية أن آدم كان نائماً فاستيقظ فرأى حواء بجواره فسألها: من أنت؟ قالت امرأة ، قال: ما اسمك؟ قالت: حواء، قال: ولم خلقتَ؟ قالت لتسكن إليّ... إذن الغاية هي السكون والوصول إلى المستوى الراقي من الهدوء النفسي في الأسرة.
والسكن هنا عاطفي في الدرجة الأولى لأن الإنسان بطبعه يحتاج إلى الحب وإلى التعبير عن هذا الحب، ولذلك مكنه الله تعالى من الصلاة والدعاء والمناجاة ، إسهاماً في سكونه والزواج يسهم في ذلك أيضاً.


المحور الثاني: حب الله وحب الزوجة

كثيراً ما يتكلم الناس وتسبح أذهانهم في تصور لذائذ الجنة الحسية ولكن للأسف لا نميل للبحث عن اللذائذ الوجدانية في الجنة، يقول أمير المؤمنين : ( حب الله ألذ ما في الآخرة) ، الإنسان إذا أدرك أن هناك جنة معنوية تنتظر العاشق لله سبحانه وتعالى الذي ينتظر لحظة اللقاء ويسعى ليلاً نهاراً لإرضاء المحبوب ويريد أن يضرب أروع الأمثلة للذوبان في حب الله سبحانه وتعالى؛ سوف يصل إلى نتيجة أن حب الله ليس لذيذاً في الدنيا فحسب بل هو في الآخرة كذلك حيث يدرك أنه وصل إلى المحبوب ونجح في بلوغ هدفه في الدنيا ، فالمحب لله سبحانه يستشعر لذة في العلاقة التي تربطه بهذا المحبوب إذا استشعر أنه يسعى بكله بعقله بحركته إلى الله سبحانه، أمير المؤمنين : ( ركعتان بجوف الليل أحب إلي من الجنة وما فيها )، لماذا ؟ لأنه يسعى للوصول لمحبوبه لله سبحانه وتعالى ، ولكي نميز بين الحب الصحيح والحب المعتل نتعرف على أنواع الحب:
الأول: الحب الوهمي: وهو التصور الذي ينقدح في الذهن ولا أساس له في الواقع، كحال الشاب الذي يسهر الليالي ويتعب نفسياً ويتصور أن الفتاة تحبه، بينما هذا الحب لا يعدو أن يكون صورة ذهنيةً لا حقيقة.
الثاني: الحب الخلاب: وهو الحب الخادع، يتصور فيه الإنسان عند لحظات ثورة الميول والأمزجة التي تدفع به للشعور بنشوة عاطفية تدغدغ المشاعر لديه قد يتصور أنه يحب الطرف الآخر ، ولكن إذا هدأت الغريزة وهدأت النشوة يدرك الحقيقة والتي تكشف أن هذا الحب خادع لا حقيقة له.
الثالث: الحب الحقيقي: وهو الحب الباقي الذي لا يفنى ، الأصلي الذي يوجد في كل إنسان، وهو حب الله سبحانه. إذا أدرك الإنسان أن حب الله هو الأساس ، وأن حب الزوجة وحب الوطن وحب الأولاد إنما هو حب متفرع عن حب الله تعالى، فقد وصل إلى الحب الحقيقي.
وهذه الحقيقة هي التي كان يشير إليها الإمام الخميني رضوان الله عليه في قوله في الأربعون حديثاً: ( اللهم أزح بإشارة قدسية تلك الحجب الغليظة والستائر السميكة التي حالت بيني وبينك واجعل قلبي مملكة لحبك)
أوحى الله لداوود : (يا داوود لو عرف المدبرون شوقي إليهم لتقطعت أوصالهم من محبتي ولماتوا شوقاً إليّ)
(عبدي أنا وحقي لك محب فبحقي عليك كن لي محباً)
(عبدي كل يريدك لنفسه وأنا أريدك لنفسك وتهرب مني ما أنصفتني)
- لماذا الكلام عن حب الله فيما يرتبط عن حب الزوجة؟
لأن نبي الله نوح لو استحكم حب الزوجة لديه وأصبح متسلطاً على القلب لانصاع لحب الزوجة لا لحب الله، وكذلك مع ابنه
آسية كذلك ( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة) فكل ما تريده من متع الدنيا كان متوفراً لديها فلو استحكمت محبة فرعون في قلبها لانصاعت للطاغية ولكن كان حب الله مقدماً في قلبها، وبالتالي كانت تريد الوصول إلى مقام العندية لتسعد بقرب الحب الأساس والأول الله جل وعلا،
وبالتالي فعلينا أن ننطلق من أن حب الله هو الأساس لكي لا تنحرف حركة الزوج ولا حركة الزوجة.

وهنا نسأل ما هو الحب المثالي بين الزوجين؟ نستطيع أن نقول أن هناك نوعين من الحب انطلاقاً من الآية : حب مَوَدِّي وحب رَحمَوي.
المودي هو الميل الظاهري للطرف الآخر والأنس بمجاورة ومرافقة ومصاحبة الطرف الآخر كحب الزوج للذهاب مع زوجته إلى مقهى يشرب معها كوباً من القهوة يأكل كعكة مثلاً
أما الحب الرحموي فهو الذي يصنع الشفقة والرأفة والرحمة والتحنن للطرف الآخر والآية تشير إلى ضرورة وجود الحبين للوصول إلى غاية الزواج وهي السكون.
أما إذا وجد أحدهما فقط وغاب الآخر فساعتها تكون العلاقة ناقصة،
- فإن سأل سائل من أين تأتي المودة والرحمة؟
الآية تشير أن هناك جعل إلهي للمودة والرحمة بين الزوجين في الأسرة ، وهذا يوضح هذه المودة والميل بين الطرفين بمجرد ارتباطهما في مشروع الزواج ، ولذلك علينا دائماً أن نبحث عن طرق وآليات التنسيق مع الجاعل سبحانه لنبقي حالة المودة وحالة الرحمة، ونبقي موجبات السكون والاستقرار في البيت.



المحور الثالث: دور التحبب والتودد.

اليوم نعيش معركة مصيرية على المستوى الثقافي والسياسي والعسكري بين حزبين؛ حزب يمارس الطواف السياسي والدبلوماسي والثقافي والحركي حول البيت الأبيض، وحزب يمارس الطواف الثقافي والسياسي والفكري حول الحجر الأسود، المشروع الأمريكي يريد صناعة إنسان وفق المعايير الأمريكية، والمشروع الإسلامي يريد صناعة إنسان وفق المعايير القرآنية، إذن علينا أن ندرك أن برامج الغزو الثقافي هي التي تغزو الأمة اليوم، لاحظوا تأثير فيلم تايتانيك وغيره على هذه الأمة،
من المعلوم أن السيطرة والتحكم في قنوات التلقي المعلوماتي والغرس المعرفي والاستجابات الوجدانية تسهم في صناعة الإنسان لأن الإنسان إنما يصل إلى قناعات ومواقف من خلال هذه المعلومات. ونلاحظ أن البطش الثقافي والبطش المعنوي الذي يمارس على الأمة إنما يسعى إلى صناعة إنسان مادي، ولذلك حتى كلمة (رومانس:الرومانسية) - ومن لا ينشد الرومانسية بمعناها الأصيل الذي لم يلوَّث ؟!- الرومانسية كانت تشير في القواميس الغربية القديمة إلى الشوق إلى لقاء الحبيب، ولكن اليوم يتم تسويق الفالنتين كيوم عيد للمحبين يسهم في وصول هذا المشروع إلينا ، ولذلك نلاحظ دائماً التركيز على القصص الغرامية وعلى الرومانسيات الغربية، ولا يوجد تسليط للضوء على علاقة التودد والتحبب الإيجابية التي توجد في الثقافة الإسلامية الأصيلة، لماذا التركيز دائماً على روميو وجولييت وحتى عندما نركز على ثقافتنا نذكر عنتر وعبلة، ولم نلتفت إلى حقائق الحب – لا إلى قصص الحب- التي تجلت في حياة الأنبياء وفي سلوكهم وفي أفعال أهل البيت وبالخصوص في أفعال الرسول إذ لم يكن يعيش قصة حب مع السيدة خديجة بل كان يعيش حقيقة حب مع خديجة، يلجأ لها كونها الثرمومتر العاطفي والوجداني المسكن للرسول ، وفي ذلك دلالة كبيرة جداً ، إن حب الرسول كان يظهر من حين لآخر حتى بعد وفاة السيدة خديجة ، فقد جاءته امرأة وكلمته في أمر الزواج فقال : وهل بعد خديجة أحد؟!
وينقل أن أحد العرفاء بعد وفاة زوجته كان يدخل المقبرة صباح كل يوم ويأكل خبزاً عند قبر زوجته ، ولما سئل عن ذلك أجاب: إني كنت وعدت زوجتي وهي على قيد الحياة أن لا أتناول الإفطار إلا وأنا معها والآن وقد وافتها المنية فإن قلبي لا يسمح لي أن أتناول الإفطار بمفردي في البيت..
فإذا كان الغرب الغازي الملوث للضمائر والقلوب يسوّق نماذج للرومانسية فهل يوجد نموذج أرقى من هذا النموذج؟!
لننظر إلى حياة أمير المؤمنين هذا الرجل الذي حمل باب خيبر ، ولكن الألم والوجع الذي كان يعيشه جعله لا يستطيع حمل نعش فاطمة ألا تعد هذه دلالة على ذاك الحب الخالص الحقيقي لا الحب الذي يسوق لنا من جيوش البطش الثقافي التي تسعى لقلب المفاهيم وإفساد معايير الحب السليم
مثال آخر: الرسول الأكرم في يوم فتح مكة رأى امرأة عجوزاً فذهب إليها وخلع العباءة وجلس مع المرأة سألت عائشة عنها فعرفت أن المرأة من صاحبات خديجة فغارت من جراء ذلك.
دور التحبب يتضح في هذه الرواية عن رسول الله : (قول الرجل للمرأة أحبك لا يذهب من قلبها أبداً ) وهنا أسأل المتزوجين: كم مرة في اليوم، في الأسبوع تقول لزوجتك أحبك؟
لماذا نعيش بخلاً عاطفياً ووجدانياً مع الطرف الآخر؟
إذا كان الرسول يسعى لإبراز المحبة للزوجة من خلال القول ومن خلال الفعل والحركة فلماذا يستحي الرجل فينا من ذلك مع زوجته؟
أذكر لكم الرسالة التي كتبها روح الأمة روح الله الإمام الخميني رضوان الله عليه عندما كان متوجهاً إلى الحج، حيث كانوا يمرون على شواطئ بيروت حتى يصلوا جدة، فرأى جمال جبال بيروت، وبدأ يأنس بتلك المناظر فتذكر زوجته الحبيبة، وكتب لها من على ظهر الباخرة الرسالة التالية:
( حبيبتي ليتك معي تشاهدين هذه الصور الجميلة ، حبيبتي إن الزمان الذي أبعدك عني قد رسم صورتك الجميلة على صدري فأصبحت عندما أنظر إلى صدري لا أرى نفسي بل أراك أنتِ ، حبيبتي أنت سلاح الظفر على الشيطان ، أنت سيف الله القاطع لدابر المعصية ) نستفيد من هذه القصة أن الإمام بنى جسراً بين حب الزوجة وحب الله سبحانه فلم ينسها، كانت معه، تصحبه حتى مع الغياب الحسي، ولذلك فهي كانت معه وإن كانت بعيدة على مستوى الجسد، وهذا يذكرنا حقيقة أن الحركة التكاملية للرجل والمرأة نحو الله توجب أن يكونا معاً، ولذلك آدم كما ورد نزل في الهند وحواء في جدة واللقاء كان في عرفة في محطة معرفة الله سبحانه وتعالى كأن الإنسان يعرج في الحركة التكاملية إلى الله سبحانه؛ مع الزوجة، حواء مع آدم وآدم مع حواء، ليلى والسيد عباس الموسوي سيد شهداء المقاومة الإسلامية الذي انتقل إلى مقام (العندية): ( أحياء عند ربهم يرزقون..الآية) مع الحبيبة زوجته، كان يدعو ( وأسألك أن ترزقني شهادة قل نظيرها يتفتت فيها جسدي وتنال كل جارحة مني القصاص ويكون حتماً عليك يا رب أن تسكنني بجوارك وجوار أوليائك..) وهكذا كان.


أساليب التحبب:

1) التجمل: وقد يكون الجمال حسياً أو معنوياً، وكلاهما ضروريان في عملية التحبب ومن كلا الزوجين.
2) التودد: ويظهر في الابتسامة، الإمام علي : ( البشاشة فخ المودة ).
3) لين الحديث: روي عن أمير المؤمنين : ( من لانت كلمته وجبت محبته ). وهذا يعكس ضرورة التركيز على كيف نقول قبل التركيز على ما نقول.
4) الهدية: وتترك أثرها الجميل ولا سيما في المناسبات الإسلامية كعيد المتزوجين وهو يوم زواج السيدة خديجة من الرسول أو زواج السيدة الزهراء بأمير المؤمنين أو ميلاد السيدة الزهراء ، يقول أمير المؤمنين : ( الهدية تجلب المحبة ).