ابو طارق
05-15-2006, 05:00 PM
http://www.rasid.com/media/lib/pics/thumbs/1141794591.jpg (http://www.rasid.com/media/lib/pics/1141794591.jpg)
وجدت هذا المقال في احدى الصحف السعودية واحببت ان انقله لكم كما هو
15 / 5 / 2006م
عندما اجتاحت العواصف الرملية الشديدة بعضاً من مدن منطقة القصيم في الأسبوع الماضي والذي قبله والتي كانت إحداها قبيل صلاة المغرب، اجتهد بعضٌ من أئمة المساجد فجمعوا بين صلاتي المغرب والعشاء في ذلك اليوم جمع تقديم تخفيفاً منهم على المصلين من أن يضطروا إلى الرجوع ثانية للمسجد لصلاة العشاء وسط تلك العواصف الشديدة، ولكن اجتهادهم لم يقابَل على ما يبدو بالرضا من قبل كثيرين من عامة الناس ممن رأوا أن حالة العواصف حينها لم تكن تستدعي جمع الصلوات، ولذا فقد طالب بعضهم بمعاقبة الأئمة الذين تجرأوا على الجمع بدون مبرر شرعي مقنع من وجهة نظرهم.
هذا الاستياء الذي أبداه أولئك المعترضون على جمع الصلوات بمبرر العواصف الرملية يمثل في تقديري جزءاً من حالة عامة، حالة يلاحظ فيها نزوع مجتمعنا إلى التشدد واعتباره مقياساً للورع وللتمسك بالدين، وتبعاً لهذه الظاهرة - التي أعتقد أنها فعلاً تشكل ظاهرة - فإن المجتمع بشكل عام ينحو إلى الترحيب بالعالم أو المفتي أو طالب العلم المتشدد في أحكامه الذي يختار في فتاواه وتقريراته ما نعرفه عند الكثير من مشايخنا بمسألة «الأخذ بالأحوط أو الأسلم للدين» حتى ولو لم يكن لهذا الاحتياط سند من نص واضح وصريح، بقدر ما تتحكم فيه قاعدة سد الذرائع، وهي التي تهدف بالأساس إلى الحجر على بعض المباحات عندما يُظن بأنها ربما تكون سبيلاً إلى التفريط بالواجبات أو إتيان المحرمات، النزر اليسير من علمائنا الذين مالوا في بعض ما أفتوا به إلى التسهيل في بعض القضايا التي غاية ما يمكن أن يقال عنها إنها موضع خلاف بين العلماء «كشف وجه المرأة مثلاً» واجهوا عنتاً ومصادمة وتقريعاً من عامة الناس قبل أن يلاموا من قبل بعض نظرائهم من العلماء وطلبة العلم، مما اضطرهم في النهاية إلى التراجع عن فتاواهم وأقوالهم السابقة خوفاً على ما يبدو من نفيهم خارج السياق الثقافي للمجتمع، ولهم الحق في هذا التراجع فالعيش خارج السياق المجتمعي صعب احتماله.
لكن الوجه الحقيقي للإسلام سواء العقدي منه أوالعبادي أو المعاملاتي ينضح بالرفق والاعتدال والتسامح وما من تشدد وغلو فيه إلا وتجد له جذوراً من السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع في ماضي المسلمين وحاضرهم، ولكنه لم يكن حضوراً أصلياً في النص المؤسس، الأحكام الشرعية «العبادية والمعاملاتية» مبنية على المسامحة بالاتيان بواجباتها على قدر الاستطاعة، وبمراعاة كافة الظروف المعاشة وقت حلول الالتزام، يتضح ذلك من ذكر نموذج واحد من سيرة النبي http://www.rasid.com/images/prefix/a1.gif في جمعه للصلوات أحياناً بلا حاجة ماسة من مطر أورياح أو خوف، فقد روى الشيخان وأصحاب السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال «جمع رسول الله http://www.rasid.com/images/prefix/a1.gif بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولامطر» ولما سئل ابن عباس لِمَ فعل ذلك؟ قال «كي لا يحرج أمته» وقد تعقب الحافظ بن حجر هذا الحديث في فتح الباري فذكر كافة الاحتمالات التي أوردها العلماء التي يمكن أن تكون وراء جمعه http://www.rasid.com/images/prefix/a1.gif لتلك الصلوات، منها احتمال أن يكون الجمع صورياً بأن آخر وقت صلاة الظهر إلى آخره فصلاها ثم صلى العصر في أول وقتها، ولكنه - أعني ابن حجر - ضعف كافة تلك الإحتمالات وأيد أخذ الحديث من ظاهره وهو أنه لم يجمع لأيِّ من الأسباب المصاحبة عادة للجمع كالمطر والخوف ،، إلخ،، وأزيدُ من عندي أيضاً أن ذكر ابن عباس للفظة «من خير خوف ولا مطر» يلغي كافة الاحتمالات التي أوردها العلماء، لأن الخوف والمطر وما يقاس عليهما مثل العواصف الشديدة تكاد تكون هي المبررات أو الأسباب عادة للجمع في الحضر، فلما انتفت تلك الأسباب لم يكن ثمة مجال للحديث عن أسباب محتملة أخرى، إذ لوكان هناك أسباب غيرها أو كان الجمع صورياً فقط لذكره الراوي مما ينفي أن تكون هناك أسباب أخرى غير التخفيف على الناس.
هذا نموذج واحد فقط من نماذج أخرى عديدة سواء في العبادات أو في المعاملات، تؤكد على أن في الإسلام فسحة وليناً وتخفيفاً ورحمة، وبالتالي فما الذي يدعونا إلى التشقيق والتعسير على أنفسنا، الأمر الذي أدى بنا إلى أن يكون العالم أو المفتي المتشدد بيننا يلقى من الترحيب وإحسان الظن به ما لايجده الآخر المتسامح؟ هناك العديد من العلماء الذين ما أن أظهروا شيئاً من المرونة والانفتاح تجاه بعض الأحكام الشرعية التي يشكل التسهيل فيها تخفيفاً على الناس إلا ووجدوا من العامة قبل الخاصة من الهجوم والتقريع ما أدى ببعضهم إلى التراجع عما قال به رغم عدم اقتناعه بذلك، ولكنه يكاد أن يكون مجبراً عليه .
في عصرنا الحاضر هناك نماذج منهم كما في القديم أيضاً، فقد حاربت العامة مثلاً الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عندما أفتى بجواز الجمع والقصر المستمرين للطلبة المبتعثين للدراسة في الخارج لأنهم لا يعلمون وقت عودتهم إلى أوطانهم بالضبط، كما حورب شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي عندما أفتى بجواز التعامل بالفوائد البنكية اعتماداً على أن حرمتها جاءت بسبب قياسها على المراباة في الذهب والفضة المنصوص على حرمته في الحديث، والقياس كما هو معروف لا ينتج إلا حكماً ظنياً فقط، وبالمثل لا ننسى ما حصل للشيخ عائض القرني من نقد لاذع عندما أيد جواز كشف المرأة لوجهها رغم أن هذا الأمر - أعني جواز كشف وجه المرأة - يكاد يكون من المتواتر جوازه، وفي القديم أيضاً حارب المتشددون الشيخ ابن تيمية رحمه الله عندما أفتى بأن التلفظ بالطلاق البائن «الطلاق بالثلاث» لا يقع إلا طلقة واحدة، بينما لم ينج إمام كبير مثل الإمام مالك رحمه الله من سهام الغلو والتشدد عندما أفتى بأن البيعان يبقيان على الخيار حتى ولو تفرقا من مجلسهما، مما دعا رجلاً مثل ابن هبيرة لأن يقول إنه يرى ضرورة استتابة مالك للرجوع عن فتواه، فإن رجع وإلا ضربت عنقه!!!!!، كما تعرض ابن حزم ومذهبه الظاهري إلى شبه مقاطعة فقهية عندما دعا إلى الأخذ بأصول الأدلة عند تقرير الأحكام وعدم القياس عليها لأن الأحكام التي تثبت بالأدلة الصحيحة مقطوع بها بينما الأحكام المنتجة من القياس عليها ظنية، والله تعالى لا يُتعبد بالظن.
هكذا إذن هي سلسلة طويلة تمتد من جذورها في القديم لتصل بآثارها إلى ظرفنا الإسلامي المعاصر رغم اختلاف الأزمنة وتفاوت المصالح، وهي في تقديري أزمة ثقافية تضرب في العمق الإسلامي توحي بعلاقة طردية بين التشدد والورع، ويبدو أن لقاعدة سد الذرائع كفلاً مما يحصل من ابتهاج بالمتشدد والمغالي من جانب، والضيق والتضييق على المتسامح من جهة أخرى.
منقول وسعيد بنقله
الحمدلله الذي سيظهر الحق ولو بعد حين
وجدت هذا المقال في احدى الصحف السعودية واحببت ان انقله لكم كما هو
15 / 5 / 2006م
عندما اجتاحت العواصف الرملية الشديدة بعضاً من مدن منطقة القصيم في الأسبوع الماضي والذي قبله والتي كانت إحداها قبيل صلاة المغرب، اجتهد بعضٌ من أئمة المساجد فجمعوا بين صلاتي المغرب والعشاء في ذلك اليوم جمع تقديم تخفيفاً منهم على المصلين من أن يضطروا إلى الرجوع ثانية للمسجد لصلاة العشاء وسط تلك العواصف الشديدة، ولكن اجتهادهم لم يقابَل على ما يبدو بالرضا من قبل كثيرين من عامة الناس ممن رأوا أن حالة العواصف حينها لم تكن تستدعي جمع الصلوات، ولذا فقد طالب بعضهم بمعاقبة الأئمة الذين تجرأوا على الجمع بدون مبرر شرعي مقنع من وجهة نظرهم.
هذا الاستياء الذي أبداه أولئك المعترضون على جمع الصلوات بمبرر العواصف الرملية يمثل في تقديري جزءاً من حالة عامة، حالة يلاحظ فيها نزوع مجتمعنا إلى التشدد واعتباره مقياساً للورع وللتمسك بالدين، وتبعاً لهذه الظاهرة - التي أعتقد أنها فعلاً تشكل ظاهرة - فإن المجتمع بشكل عام ينحو إلى الترحيب بالعالم أو المفتي أو طالب العلم المتشدد في أحكامه الذي يختار في فتاواه وتقريراته ما نعرفه عند الكثير من مشايخنا بمسألة «الأخذ بالأحوط أو الأسلم للدين» حتى ولو لم يكن لهذا الاحتياط سند من نص واضح وصريح، بقدر ما تتحكم فيه قاعدة سد الذرائع، وهي التي تهدف بالأساس إلى الحجر على بعض المباحات عندما يُظن بأنها ربما تكون سبيلاً إلى التفريط بالواجبات أو إتيان المحرمات، النزر اليسير من علمائنا الذين مالوا في بعض ما أفتوا به إلى التسهيل في بعض القضايا التي غاية ما يمكن أن يقال عنها إنها موضع خلاف بين العلماء «كشف وجه المرأة مثلاً» واجهوا عنتاً ومصادمة وتقريعاً من عامة الناس قبل أن يلاموا من قبل بعض نظرائهم من العلماء وطلبة العلم، مما اضطرهم في النهاية إلى التراجع عن فتاواهم وأقوالهم السابقة خوفاً على ما يبدو من نفيهم خارج السياق الثقافي للمجتمع، ولهم الحق في هذا التراجع فالعيش خارج السياق المجتمعي صعب احتماله.
لكن الوجه الحقيقي للإسلام سواء العقدي منه أوالعبادي أو المعاملاتي ينضح بالرفق والاعتدال والتسامح وما من تشدد وغلو فيه إلا وتجد له جذوراً من السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع في ماضي المسلمين وحاضرهم، ولكنه لم يكن حضوراً أصلياً في النص المؤسس، الأحكام الشرعية «العبادية والمعاملاتية» مبنية على المسامحة بالاتيان بواجباتها على قدر الاستطاعة، وبمراعاة كافة الظروف المعاشة وقت حلول الالتزام، يتضح ذلك من ذكر نموذج واحد من سيرة النبي http://www.rasid.com/images/prefix/a1.gif في جمعه للصلوات أحياناً بلا حاجة ماسة من مطر أورياح أو خوف، فقد روى الشيخان وأصحاب السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال «جمع رسول الله http://www.rasid.com/images/prefix/a1.gif بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولامطر» ولما سئل ابن عباس لِمَ فعل ذلك؟ قال «كي لا يحرج أمته» وقد تعقب الحافظ بن حجر هذا الحديث في فتح الباري فذكر كافة الاحتمالات التي أوردها العلماء التي يمكن أن تكون وراء جمعه http://www.rasid.com/images/prefix/a1.gif لتلك الصلوات، منها احتمال أن يكون الجمع صورياً بأن آخر وقت صلاة الظهر إلى آخره فصلاها ثم صلى العصر في أول وقتها، ولكنه - أعني ابن حجر - ضعف كافة تلك الإحتمالات وأيد أخذ الحديث من ظاهره وهو أنه لم يجمع لأيِّ من الأسباب المصاحبة عادة للجمع كالمطر والخوف ،، إلخ،، وأزيدُ من عندي أيضاً أن ذكر ابن عباس للفظة «من خير خوف ولا مطر» يلغي كافة الاحتمالات التي أوردها العلماء، لأن الخوف والمطر وما يقاس عليهما مثل العواصف الشديدة تكاد تكون هي المبررات أو الأسباب عادة للجمع في الحضر، فلما انتفت تلك الأسباب لم يكن ثمة مجال للحديث عن أسباب محتملة أخرى، إذ لوكان هناك أسباب غيرها أو كان الجمع صورياً فقط لذكره الراوي مما ينفي أن تكون هناك أسباب أخرى غير التخفيف على الناس.
هذا نموذج واحد فقط من نماذج أخرى عديدة سواء في العبادات أو في المعاملات، تؤكد على أن في الإسلام فسحة وليناً وتخفيفاً ورحمة، وبالتالي فما الذي يدعونا إلى التشقيق والتعسير على أنفسنا، الأمر الذي أدى بنا إلى أن يكون العالم أو المفتي المتشدد بيننا يلقى من الترحيب وإحسان الظن به ما لايجده الآخر المتسامح؟ هناك العديد من العلماء الذين ما أن أظهروا شيئاً من المرونة والانفتاح تجاه بعض الأحكام الشرعية التي يشكل التسهيل فيها تخفيفاً على الناس إلا ووجدوا من العامة قبل الخاصة من الهجوم والتقريع ما أدى ببعضهم إلى التراجع عما قال به رغم عدم اقتناعه بذلك، ولكنه يكاد أن يكون مجبراً عليه .
في عصرنا الحاضر هناك نماذج منهم كما في القديم أيضاً، فقد حاربت العامة مثلاً الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عندما أفتى بجواز الجمع والقصر المستمرين للطلبة المبتعثين للدراسة في الخارج لأنهم لا يعلمون وقت عودتهم إلى أوطانهم بالضبط، كما حورب شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي عندما أفتى بجواز التعامل بالفوائد البنكية اعتماداً على أن حرمتها جاءت بسبب قياسها على المراباة في الذهب والفضة المنصوص على حرمته في الحديث، والقياس كما هو معروف لا ينتج إلا حكماً ظنياً فقط، وبالمثل لا ننسى ما حصل للشيخ عائض القرني من نقد لاذع عندما أيد جواز كشف المرأة لوجهها رغم أن هذا الأمر - أعني جواز كشف وجه المرأة - يكاد يكون من المتواتر جوازه، وفي القديم أيضاً حارب المتشددون الشيخ ابن تيمية رحمه الله عندما أفتى بأن التلفظ بالطلاق البائن «الطلاق بالثلاث» لا يقع إلا طلقة واحدة، بينما لم ينج إمام كبير مثل الإمام مالك رحمه الله من سهام الغلو والتشدد عندما أفتى بأن البيعان يبقيان على الخيار حتى ولو تفرقا من مجلسهما، مما دعا رجلاً مثل ابن هبيرة لأن يقول إنه يرى ضرورة استتابة مالك للرجوع عن فتواه، فإن رجع وإلا ضربت عنقه!!!!!، كما تعرض ابن حزم ومذهبه الظاهري إلى شبه مقاطعة فقهية عندما دعا إلى الأخذ بأصول الأدلة عند تقرير الأحكام وعدم القياس عليها لأن الأحكام التي تثبت بالأدلة الصحيحة مقطوع بها بينما الأحكام المنتجة من القياس عليها ظنية، والله تعالى لا يُتعبد بالظن.
هكذا إذن هي سلسلة طويلة تمتد من جذورها في القديم لتصل بآثارها إلى ظرفنا الإسلامي المعاصر رغم اختلاف الأزمنة وتفاوت المصالح، وهي في تقديري أزمة ثقافية تضرب في العمق الإسلامي توحي بعلاقة طردية بين التشدد والورع، ويبدو أن لقاعدة سد الذرائع كفلاً مما يحصل من ابتهاج بالمتشدد والمغالي من جانب، والضيق والتضييق على المتسامح من جهة أخرى.
منقول وسعيد بنقله
الحمدلله الذي سيظهر الحق ولو بعد حين